بشير البكر
ما يميز حرب إسرائيل على لبنان ضعف دور الدولة اللبنانية منذ اليوم الأول، على صعيد إغاثة أكثر من مليون مهجّر، والتفاعل السياسي مع الحدث داخلياً، وعلى الساحتين العربية والدولية، وفي ما يخصّ واجباتها في الدفاع عن الأراضي اللبنانية. ولكن ما يتجلى على نحو صارخ عدم حضورها في المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار، التي يقودها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، الذي يقوم بجولات مكوكية بين تل أبيب وبيروت وواشنطن، لكنه، في حقيقة الأمر، ينقل أفكاراً إسرائيلية إلى حزب الله عن طريق رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي، بوصف الأخير المفوض من حزب الله بالتفاوض نيابة عنه، بعدما زكّت طهران هذا التكليف.
زار هوكشتاين بيروت في جولة ثانية، الثلاثاء الماضي، خرج منها متفائلا، وصرّح بأن الاجتماع مع برّي كان بنّاءً للغاية، وقال “نحن أمام فرصة حقيقية للوصول إلى نهاية للنزاع، وهذه لحظة اتخاذ قرار، والنافذة مفتوحة الآن”. وقد جاء ذلك بعد يومين من زيارة قام بها علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، إلى العاصمة اللبنانية، وتزامنت مع رد حزب الله بالإيجاب على مشروع وقف إطلاق النار الذي سبق أن نقلته السفيرة الأميركية في بيروت إلى برّي، واشترط هوكشتاين تلقّيه ردّأ بالموافقة عليه كي يرجع للمنطقة، ويستكمل مساعيه من لبنان قبل أن ينتقل إلى إسرائيل.
اللافت أن المبعوث الأميركي، في جولتيه إلى لبنان من أجل بحث وقف إطلاق النار، سار في خط واحد، كان يصل إلى مطار بيروت، ومن ثم يقصد مكتب برّي في عين التينة، وفي ختام المباحثات يعقد مؤتمراً صحافياً منفرداً، وبعده يزور رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقتاً قصيراً، قبل أن ينصرف باتجاه إسرائيل. ويمكن الاستنتاج من خريطة الطريق أن المبعوث الأميركي مجرّد وسيط ناقل أفكار، يتصرف بطريقة عملية جداً، يذهب نحو أصحاب الشأن الفعليين، ولا يريد أن يضيّع الوقت في الشكليات. ومع ذلك، حافظ على قدر من المجاملات الدبلوماسية التي تحفظ للدولة اللبنانية حق العلم بما يجري، مع أنها لا تمتلك سلطة القرار، لكنها هي الطرف الذي سيوقع على الاتفاق مع إسرائيل في صيغته النهائية، والملزم بتنفيذه.
سيكون على الدولة اللبنانية أن تقبل الاتفاق وفق الصيغة التي تتوصل إليها مفاوضات إسرائيل وحزب الله، ومن خلفه إيران، وليس لها حقّ التدخل في التفاصيل، حتى من باب إدخال بعض التعديلات. ومن الواضح أن ما يهمّ الولايات المتحدة من الاتفاق تحقيق مطالب إسرائيل، وليس مراعاة مصالح لبنان وسيادته، الأمر الذي يثير مخاوف كثيرة من صفقة على حساب لبنان، وهذا ما يفسّر تجاهل واشنطن وتل أبيب وحزب الله وإيران دور الدولة اللبنانية، وعدم حصر المفاوضات بها منذ البداية، ولم يكن من فراغ رفض عقد مجلس النواب، من أجل انتخاب رئيس جمهورية، وتشكيل حكومة تواجه الموقف من زواياه كافة، وكذلك الأمر بالنسبة لتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين الذين زاروا بيروت، مثل وزير الخارجية عباس عراقحي، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، اللذين عارضا موقف الحكومة اللبنانية بصدد تطبيق قرار مجلس الأمن 1701، ما أثار أكثر من أزمة ديبلومسية بين الطرفين، وعبّر ميقاتي عن استغرابه من الموقف الإيراني، واعتبره “تدخّلا فاضحا” في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على البلاد. وطلب من وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في لبنان للاحتجاج على تصريح قاليباف، حين أبدى استعداد إيران للتفاوض مع فرنسا حول تطبيق القرار 1701.
المصدر: العربي الجديد