بشير البكر
كثيراً ما قيل لو أن رئيس النظام السوري بشّار الأسد ألقى خطاباً مختلفاً أمام مجلس الشعب، في 30 مارس/ آذار 2011، لما عرفت سورية المسار الكارثي. والقصد أنه بدلاً من أن يقدّم مشروعاً للإصلاح، وجّه الوضع ليأخذ هذا المنحى التدميري، الذي يتمثّل في رفض الاعتراف بوجود أزمة سياسية كبيرة مزمنة يعيشها البلد منذ الاستقلال، وفي رمي كلّ المطالب بالحرّية والكرامة والديمقراطية على ظهر المؤامرة، التي وعد بأنه سيتصدّى لها، ويقضي عليها. وطوال أكثر من عقد من الانهيار، لم يستوعب ما جناه على البلد، ولم يستفد من الفرص المحلّية والإقليمية كي يوقف المسار الذي كلّف سورية دماراً كبيراً، وما يتجاوز نصف مليون قتيل، وأكثر من عشرة ملايين مهجّر في الداخل والخارج. وما يجري اليوم من معارك في حلب وإدلب وحماة، هو أحد مظاهر الاحتجاج على تعفّن الوضع العام، وعدم قبول الأسد التزحزحَ عن موقفه بشأن الحلّ السياسي، وعودة ملايين المهجّرين.
بات الأسد مرادفاً للنكبة السورية، ومعبّراً عنها، ولا سبيل لإنهائها من دون ذهابه، وطيّ صفحة حكم عائلة الأسد، الذي يتواصل منذ 54 عاماً. هذه حقيقة يعيها السوريون وغير السوريين، وما لم تُتجاوز هذه العقبة، سيبقى الوضع يراوح في مكانه، ويوغل في السوء. وتلتقي إيران وإسرائيل عند هذا الهدف، ولا تريدان لسورية أن تتجاوز ما هي عليه اليوم، فتستعيد وحدتها وسيادتها، وتبسط سلطاتها في كامل أراضيها، وتعملان على دفعها أكثر فأكثر نحو التمزّق، وهو ما يحقّق مصالحهما في تحويلها ساحةَ حربٍ بالوكالة، الأمر الذي يفسّر تمسّكهما، على حدّ سواء، ببقاء الأسد في الحكم.
خسرت سورية وحدتها، وباتت مجزّأة مقسّمة بين سلطات أمر واقع محلّية وخارجية، وأصبح النظام طرفاً ضعيفاً، عاجزاً ومعزولاً، يخضع لحماية مباشرة من روسيا وإيران، وقد سعت أطراف عربية إلى الانفتاح عليه في الأعوام الثلاثة الماضية ومدّه بقوارب نجاة من أجل إعادة تأهيله، ومساعدته على لملمة الوضع تدريجياً، لكنّه لم يتجاوب مع ذلك. ومن أبرز المبادرات تلك التي قامت بها السعودية عام 2023، بدعوته إلى حضور القمّة العربية في جُدَّة، على أساس الخطّة الأردنية “خطوة مقابل خطوة”، لتكون البداية من السماح بعودة المهجّرين السوريين في دول الجوار؛ الأردن ولبنان وتركيا، الذين يتجاوز عددهم خمسة ملايين، ولكنّ الأسد لم يتفاعل مع العرض السخي، واستمرّ في العمل بخطّة التطهير التي وضعتها إيران لتهجير الملايين من أرياف دمشق وحمص وحلب وحماة.
بيان جنيف 1، الصادر في 12 يونيو/ حزيران 2012، كان الوثيقة الدولية الوحيدة التي صدرت من مجلس الأمن باقتراح من مبعوثه كوفي أنان، وحازت توافقاً عربياً ودولياً، ونصّت على عملية انتقالية، لكنّها تركت المسألة مواربةً لأنها لم تنصّ صراحةً على أن المرحلة الانتقالية تنتهي برحيل الأسد. وهو ما اختلف بشأنه التفسيران الأميركي والروسي. واعتبرت موسكو أن البيان لم ينصّ على ذلك، ممّا فتح المجال أمامها كي تغطّي النظام سياسياً، إلى حين تدخّلت عسكرياً في سبتمبر/ أيلول 2015، عندما أصبحت إيران عاجزةً عن حمايته من فصائل المعارضة المسلحة، التي سيطرت على القسم الأكبر من الجغرافيا السورية، وباتت تقترب من العاصمة.
ها هو الوضع، يتفجّر اليوم من جديد، وتشتعل الحرب من أجل إخراج سورية من الوضع المأساوي، وهو ما يرتّب على الأطراف الإقليمية والدولية ضرورة التحرّك للمساعدة في حلّ سياسي ينهي الكارثة، وتتحمّل الدول العربية مسؤوليةً أساسيةً في مساندة خيار الشعب السوري بالخلاص من النظام، الذي بات استمراره يشكّل مصلحة إيرانية إسرائيلية.
المصدر: العربي الجديد