سري القدوة
القانون الدولي قائم على فلسفة قوة القانون كآلية مركزية لتنظيم العلاقات الدولية وتحقيق التعايش بين أطراف المجتمع الدولي، انطلاقا من مبدأي السيادة والمساواة القانونية بين الوحدات السياسية الدولية، وتطبيق القانون الدولي على أساسهما، وهو ما من شأنه أن يساعد على إنتاج نظام دولي عادل ومنصف وخاصة في ظل التحولات التي يشهدها النظام الدولي حيث تتوالى الأحداث المأساوية والصراعات والحروب بمنطق الأحادية في صناعة القرار والتدخلات العسكرية، وتهميش المؤسسات والشرعية الدولية، وتكريس منطق القوة والهيمنة، ورغم الجهود المبذولة على صعيد المؤسسات والمنظمات الدولية، التي ساهمت في احتواء العديد من الأزمات والصراعات التي كاد بعضها يؤدي إلى اندلاع حروب شاملة، فإن عملها تتم عرقلته وتجاوزه، خصوصا من طرف الدول الكبرى .
حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني والتي يشهد عليها التاريخ والعالم والتي يمارسها الاحتلال الغاصب في ظل غياب تام لاحترام قانون الحرب والقانون الدولي الإنساني، تندرج في سياق مساءلة البعد الإجرائي للقانون الدولي وآليات تطبيقه وحدودها، فأمام واقع القوة وتنافس المصالح الدولية تختفي الأبعاد القانونية والأخلاقية والإنسانية للعدالة الدولية، في ظل توسيع حجم الدمار والإبادة المهولة في غزة التي لم يسبق لها مثيل في القرن الواحد والعشرين، وهذا ما يضع الضمير الجمعي الإنساني أمام اختبار حقيقي، ويحتاج إلى جدية التحرك الدولي والتدخل لوقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني .
لقد كشفت العديد من التقارير الدولية أن ما يقع بغزة يرقى إلى مستوى جريمة الإبادة، كالتقرير الذي ورد تحت عنوان «تشريح الإبادة الجماعية» للمقررة الأممية المختصة بوضعية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية منذ 1967، الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز، التي بالرغم من الضغوطات التي تعرضت لها من طرف اللوبيات المناهضة لحقوق الشعب الفلسطيني قدمت شهادة موضوعية وموثقة تخلص إلى أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن جريمة الإبادة الجماعية استوفيت شروطها في قطاع غزة، وأكد أيضا تقرير منظمة العفو الدولية «بتحس إنك مش بني آدم : الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة» من خلال القتل الممنهج والحصار والتجويع والتهجير القسري والحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، مما أحال المنطقة إلى أرض غير صالحة للعيش وهو ما لا يمكن تبريره تحت أي مسوغ .
ضرورة توحيد الجهود الدولية وفي مقدمتها جهود الدول العربية والإسلامية من أجل الوقف الفوري لحرب الإبادة الجماعية، وأهمية استخدام جميع الوسائل القانونية لتقديم مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية إلى العدالة من أجل وضع حد للدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة والدول الغربية لإسرائيل، ولا بد أن يتم ذلك من خلال الآليات المؤسسية والأكاديمية والمدنية المناسبة والعمل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية والمضي قدما من اجل إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ووضع حد للهيمنة والغطرسة ونظام الأبارتايد الإسرائيلي .
في المحصلة النهائية فان العمل على مواجهة حرب الإبادة بنفاذ القانون الدولي وضمان محاكمة مجرمي الحرب وأهمية إعادة الاعتبار للقانون الدولي وخاصة من قبل المؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة وأهمية التعامل مع ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن محددات السياسة الدولية والتي وفي كل الأحوال تشكل الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل أبرام اتفاقيات سلام دائم يضمن منح الشعب الفلسطيني حقوقه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .
المصدر: إيلاف