بسام شلبي
من أكبر المعضلات في سورية سابقا و حاليا و لاحقا إلى أمد غير قصير هي وضع الطائفة العلوية بالنسبة للأنظمة المتعاقبة و الدولة السورية بشكل عام.
ان أسوأ ما تفعله أي مجموعة بشرية سواء كانت عرقية او دينية او مذهبية.. هي بناء سردية قائمة على المظلومية.. و الأسوأ جعلها مظلومية تاريخية.. اي مفصولة عن الزمان و المكان.. ان ذلك ينتج و يراكم طاقات سلبية هائلة.. ستجد طريقها لتنفجر بأشكال متعددة..
في القرن الاخير من عصر الدولة العثمانية كان الظلم واقعا على جميع مكونات المجتمع في بلاد الشام.. لكن الطائفة العلوية سلكت طريق بناء السردية للمظلومية التاريخية في ظل واقع معقد و مركب على ثلاث مظلوميات متزامنة (سياسية اقتصادية دينية)
إن الطاقة السلبية الناتجة عن هذه السردية دفعتها للاصطدام بالدولة و المجتمعات المحلية أيضا مما زاد في عزلتها
في نفس الفترة كانت الاطماع الغربية في اقتسام تركة الدولة العثمانية تبحث عن مفاتيح لتفكيكها التدريجي فلم تجد افضل من ملف الأقليات للدخول من أبوابه إلى القلعة العتيقة..
لعبت فرنسا على وتر سردية المظلومية العلوية و تنميتها قبل عقود من احتلال سورية و وطدت علاقات سرية مع شخصيات و عائلات من الطائفة..
وعندما سيطرت فرنسا فعليا على المنطقة (أ) الممنوحة لها بموجب اتفاقية سايكس بيكو قامت بتقسيمها إلى خمس دويلات اسمتها دول و هي (دولة لبنان الكبير، دولة دمشق دولة حلب دولة الدروز و دولة العلويين) و اتبعت لواء اسكندرون بوضعية خاصة إلى دولة العلويين رغم انه تاريخيا كان تابع لولاية حلب في زمن الدولة العثمانية.
إن سردية المظلومية التاريخية قد انتشرت و تجذرت في الطائفة بشكل كبير يقارب الاجماع الا من رحم ربي من حالات فردية منعزلة تنبهت لخطر هذه الحالة و تعميمها على مستقبل الطائفة على المدى البعيد..
في مطلع القرن العشرين كان هناك حدثين مهمين و موقف الطائفة الملتبس منهما سوف يعيد تموضع علاقتها بالمجتمع السوري الثقافي و الاجتماعي و السياسي..
اولهما الاحتلال الفرنسي عام 1920 حيث كان هناك في الطائفة اكثر من تيار بعضها نظر للفرنسيين كمحتلين يجب مقاومتهم بكل الوسائل حتى السلاح و بعضهم اتخذ فكرة الواقعية و القبول بالاحتلال و التعامل معه اما التيار الاخير فقد نظر الى الفرنسيين كمخلصين جاؤوا لانصاف الطائفة و انهاء المظلومية التاريخية المفترضة باعطائهم دولة مستقلة تمثل الطائفة و تطلعاتها..
اما اي تيار منها كان الاكبر و الاكثر تمثيلا للطائفة وقتها؟ فلا اظن ان هناك اي دراسة جدية تناولت هذا الموضوع بشكل موثق..
الحدث الثاني هو ايضا فصل لواء اسكندرون و ضمه لتركيا في الثلاثينات و ايضا كان موقف الطائفة ملتبس و مشتت بين من كانوا مع الاستقلال او الانضمام لتركيا و جزء كانوا مع البقاء ضمن جمهورية سورية التي كانت توحدت بدولها الاربعة و هؤلاء معظمهم هاجروا الى سورية بعد الضم..
لكن موقف الطائفة الملتبس من هذه القضية الوطنية حينها خلق شرخا كبيرا لا سيما انهم لم يعترضوا على تقسيم الامم المتحدة سكان اللواء الى عرب و اتراك و علويين.. ثم تصويت عدد كبير منهم لصالح الاستقلال او الانضمام لتركيا..
ان كل هذا الاستطراد التاريخي الموجز هو تمهيد لمناقشة احد الاشكال الممكنة للثورة المضادة بالاتجاه للمطالبة بدولة مستقلة في الساحل من جديد
لا سيما اذا علمنا ان الدولة العلوية التي انشأتها فرنسا قد عاشت ست سنوات منفصلة عن سورية حتى بعد توحد دمشق و حلب و انضمام السويداء..
فهل هذه الامكانية واردة؟