ماهر حسن شاويش
مضى شهر حتى الآن تقريباً منذ الإعلان عن سقوط نظام الأسد في سوريا وتولي إدارة جديدة مسؤولية البلاد في ظل متغيرات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية طالت معظم البنى التي ارتكز عليها النظام السابق وشملت الجغرافية السورية من درعا جنوباً حتى حلب شمالاً تأثرت بها كل مكونات المجتمع السوري.
وربما يكون من المبكر الآن الحديث عن حجم هذا التأثر ومآلاته لا سيما أن طبيعة النظام السياسي لم تتبلور بشكلها النهائي وأن ثمّة تحديات كبرى ستواجه هذا التبلور حُددت لها مهل زمنية مختلفة تتراوح بين عام في الحد الأدنى ليلمس المواطن السوري مفاعيلها في تحسن الوضع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وأربعة أعوام لرسم ملامح نظام سياسي متكامل بما يشمل إنجاز دستور جديد للبلاد وانتخابات برلمانية ورئاسية ، وعلى هذا الطريق هناك أفكار تحاول الإدارة الجديدة تطبيقها لتحوز شرعية تمكنها من المضي قدماً نحو مستقبل أفضل بينها عقد مؤتمر وطني جامع يجري الحديث عنه وعن تفاصيله وملابساته بزخم كبير ويلقى اهتمام ومتابعة من كافة الأطراف المحلية والعربية والإقليمية والدولية بوصفه متمماً للشرعية الثورية التي حازت عليها الادارة الجديدة من جهة ومؤشراً على طبيعة النظام السياسي الذي سيقود المرحلة الانتقالية بما يعكس رؤية هذه الإدارة الجديدة ورسائلها لدول العالم وللمجتمع الدولي ، لذلك فإن العيون ترقب هذا الحدث وتتابع خطواته وفي ذات الوقت ترصد باهتمام تعاطي الادارة الجديدة مع كل الملفات ولا نبالغ إذ قلنا أنها وبكليتها ملفات حساسة جداً انطلاقاً من طبيعة سورية وموقعها الجيوسياسي في قلب الشرق الأوسط الذي يعتبر مسرحاً رئيسياً لأحداث تنعكس نتائجها على كل العالم وليس طوفان الأقصى عنّا ببعيد والذي لا زالت آثاره قائمة حتى الآن وباقية وتتمدد بشكل أوسع.
وانطلاقاً من طوفان الأقصى نحاول أن نقارب مستقبل فلسطينيي سوريا رغم أن تأثرهم بالوضع السوري امتد منذ اليوم الأول لانطلاق الثورة السورية وعلى مدار ١٣ عاماً وهو التأثر الأبرز والمتغير الأهم في طبيعة وجودهم على مدار ٧٦ عام.
وبين الثورة السورية وطوفان الأقصى قرابة ١٢ عاماً تستحق كلها التوقف عندها لكننا لا يمكن أن نغفل عن دور الطوفان في تحريك قضيتهم ربطاً بالمستجد والتطور الدراماتيكي لا بل الزلزال السياسي الذي شهدته سورية بسقوط نظام الأسد وانتصار الثورة.
إذاً نحن أمام ثلاث فترات زمنية للوجود الفلسطيني في سورية يمكن تصنيفها على الشكل الآتي: ما قبل انطلاق الثورة السورية ١٩٤٨ – ٢٠١١ وهذه فترة طويلة جداً وفيها أحداث جسام لكن طابعها المبني على استقرار في سياقه العام جعلنا نعتبرها فترة متكاملة وهذا لا يعني أنها لم تكن تحمل في طياتها ما يمكن الإشارة إليه كمتغير وإن كان نسبياً.
وما بعد الثورة السورية ٢٠١١-٢٠٢٤ بما فيها حدث طوفان الأقصى وانعكاساته وهي فترة التغيرات الأبرز التي طالت جميع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية لفلسطينيي سوريا وحتى القانونية في بعض جوانبها.
ثم انتصار الثورة وسقوط نظام الأسد ورغم أنها فترة قصيرة لكننا نعتبرها متغير جد مهم سيرسم ملامح مستقبل الوجود الفلسطيني في سوريا.
ولقد كتبنا كثيراً عن الفترتين الأولى والثانية ونرى أنه لازال هناك ما يمكن كتابته في إطار عملية واسعة للمراجعة الشاملة والمكاشفة والتقييم ليصار إلى الحديث عن الفترة الثالثة التي تقع في حيّز التقويم ورسم ملامح مستقبل سليم يُستفاد فيها من الأخطاء والسلبيات السابقة ويُبنى على ما فيها من إيجابيات.
ونعتقد أن هذه الفترة تحتاج أن نطرق فيها هذه العناوين بشكل دقيق وواضح وتفصيلي.
1- ضرورة إيجاد مرجعية فلسطينية تمثيلية موحدة تملك رؤية سياسية واحدة لمقاربة وضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والعمل على حمايتهم وتحييدهم وفق محددات لدورها، أبرزها مواجهة وإفشال مشاريع تصفية قضية اللاجئين، ومنع استخدام اللاجئ الفلسطيني كورقة في معارك الأطراف المتنازعة.
2- حفظ حقوق ومكتسبات اللاجئين الفلسطينيين، وفق ما سبق من قرارات وقوانين تدعم مركزهم القانوني وصيانة وحماية الشخصية الاعتبارية للشعب الفلسطيني اللاجئ، وخدمته والانحياز إليه والدفاع عن حقوقه في أماكن إقامته والسعي لتطوير هذه الحقوق بما يرتقي لمستوى منح الجنسية السورية مع الاحتفاظ بحقوقه الفلسطينية وثوابته الوطنية وفي مقدمتها حق العودة.
3- هناك حاجة ملحة لترسيم العلاقة بين الفلسطيني اللاجئ والنظام السياسي المضيف، في إطار تحشيد الموقف الرسمي والشعبي نحو قضية العودة وتحرير الوطن المحتل، وبشكل لا يُستخدم فيه الفلسطيني في معارك وتناقضات هذه الأنظمة الداخلية والخارجية.
4- لا بدّ من العمل الجاد لإطلاق مؤسسات لرعاية عوائل الشهداء والضحايا الفلسطينيين وذويهم وكذلك رعاية الجرحى والمعوقين، بالإضافة إلى تنشيط وتفعيل المؤسسات القائمة.
5- تشكيل فرق عمل حقوقية تخصصية لمتابعة شؤون وحقوق المعتقلين وذويهم نفسياً واجتماعياً ومهنياً والعمل على تعويضهم وجبر الضرر لديهم عبر دعم مشاريع التقاضي الاستراتيجي، وكذا متابعة الملفات المتعلقة بقضايا العدالة الانتقالية لما لها من أهمية في انعكاسها على الواقع للعلاقات الاجتماعية في المخيمات والتجمعات في ما بينها فضلاً عن العلاقات مع المجتمع السوري المضيف.
6- تفعيل دور الأونروا في دعم اللاجئين وتوفير كافة احتياجاتهم وفي مقدمتها إعادة الإعمار والتنمية المجتمعية ودعم برامج العودة إلى المخيمات والتجمعات الفلسطينية.
هذه عناوين رئيسية عريضة نحتاج أن نسبر أغوارها كل على حدا وبشكل تفصيلي موسع ولعلنا نفعل ذلك في مقالات قادمة وللحديث بقية..
كاتب صحفي فلسطيني سوري مقيم في هولندا
المصدر: مجموعة العمل من اجل فلسطينيي سورية