السياسة الديمقراطية المنطلقة من تجربة واقعية واضحة المعالم، والتي دأب السيد رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية على المضي بها، وتلك الحالة الإسلامية المتنورة المنفتحة على الفكر الحداثي، وعبر ممارسة سياسية يومية، تقترب من هموم الناس، من معاناة الشعب التركي، هو ما حافظ على استمرارية التصويت الشعبي التركي في صندوق الاقتراع، ومن ثم إعادة انتاج حياة ديمقراطية أردوغانية، تواكب حركة التطور، ومسارات التقدم الاقتصادي المعاشي للناس بالرغم من كل محاولات الغرب والشرق، النيل من الليرة التركية، في محاولة حثيثة ومتواصلة، لتقويض الوضع الاقتصادي التركي، ولجم الحصان التركي الجامح، والمتحرك فعلًا لا قولًا، لتكون تركيا من الدول الصناعية الكبرى، ولتتبوأ مقعدًا لها في مصاف الدول الكبرى في العالم .
كانت الممارسة الديمقراطية الحقة، والفعل العملي القريب من الناس هو الذي انتصر في الواقع الانتخابي التركي، وهو يدحض كل التكهنات واستطلاعات الرأي الغربية المفتعلة ، للنيل من السياسة الاردوغانية، وتعويم آخرين، من الممكن أن يكونوا مقبولين أميركيًا ، وغربيًا، عبر سياسة جديدة هذه المرة، ومن خلال صندوق الاقتراع ، لإحداث انقلاب جديد، كان من الممكن أن يوازي في فاعليته، وخطورته ما حاولوا إحداثه عبر محاولة الانقلاب التموزي الفاشل، لأن الانقلاب الديمقراطي، ومن خلال اللعبة الديمقراطية، يمكن أن يكون ناجزًا، ومتقبلًا أكثر لدى الشارع الغربي، فيما لو تمكنوا من إزاحة السياسة الأردوغانية، وهم الذين طالما تغنوا بحقوق الانسان والديمقراطية، دون أن يحركوا ساكنًا (أي هذا الغرب) تجاه ما يحدث لأهلنا السوريين في درعا هذه الأيام، بعد أن أعلنت روسيا الانسحاب من اتفاق خفض التصعيد/ سيء الذكر، الذي كان من المفترض أن يكون ساريًا وبرعاية أميركية روسية، بعد أن سبقت الإدارة الأميركية الروس في هذا التخلي، حيث سبق وأعلنت أنها لن تحمي أهالي درعا، من صواريخ وطائرات النظام السوري المجرم، وميليشياته الطائفية، وكذلك الدعم بالطيران من قبل الاحتلال الروسي.
كانت الديمقراطية الغربية ومسألة التغني بحقوق الانسان، دائمًا وعلى طول المدى، أيقونة استهلاكية ترفعها عندما تكون خادمة لسياساتها، وطموحاتها في المنطقة، ومن وأهمها حماية أمن الاحتلال الصهيوني، واليوم فإن هذه السياسة نفسها فشلت في الاشتغال الحثيث الذي دأبت عليه في التعامل مع الحكومة التركية، المتناقضة مع سياسة غربية، لا تقبل بوجود دولة إسلامية كبرى، منعتقة من الهيمنة الغربية، بين ظهرانيها أو داخل أسوار الاتحاد الأوروبي، وهي مازالت تعمل من أجل كبح جماح الديمقراطية التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية منذ علم 2002 وحتى الآن ، حيث يحمي هذه السياسة الشعب التركي وحده، وليس سواه، وهو فخر لهذه الديمقراطية التركية الحقيقية، التي نتألم نحن السوريين على حالنا، ونحن نعيش تبعاتها الرائعة ، خدمة للناس كل الناس، بينما يعيش الشعب السوري ضمن حالة القمع والكبت، وإلغاء السياسة من المجتمع ، وزج الناس في السجون، وتهديم المنازل فوق رؤوس أصحابها، وتشريد الشعب السوري ، في كل بقاع الدنيا، ناهيك عن التهجير الداخلي القسري، الذي يمارس ضد الشعب السوري، وحالة الفساد والافساد الكبرى التي يحياها السوريين منذ ما يزيد عن ثمان وأربعين عامًا، تحت حكم آل الأسد الطائفي القمعي المجرم.
وبالفعل فإن الشعب السوري وهو يحتفي بنجاح الديمقراطية التركية، لا يملك إلا الألم والحرقة على حاله، وحال يومياته المؤلمة، التي يراد لها أن تستمر، ومن ثم يعاد تأهيل القاتل من جديد، عبر صفقة القرن، التي أكدت أن المجرم مازال طليقًا، لكنه مقبول دوليًا واسرائيليًا، وغربيًا، وإلى أجل غير مسمى، حيث لم يجدوا بعد من يستطيع أو يقبل حماية أمن الاحتلال الصهيوني للجولان وفلسطين، لتكون السياسة الأميركية اليوم إعادة تأهيل النظام المجرم، دون الالتفات، إلى كل مبادئ حقوق الانسان ، والاعلان العالمي لحقوق الانسان، التي ما فتئت تدعي نصرتها وحمايتها، وحماية الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
اليوم وبينما يحتفل الشعب التركي بفوز رئيسه رجب طيب أردوغان، وبنصره الديمقراطي، ما يزال الشعب السوري اللاجئ في تركيا وفي كل بقاع الأرض، يتطلع إلى نموذج ديمقرطي يعيشه بعد إسقاط الطاغية، وبناء دولة الحق والقانون، دولة لا يكون فيها سيادة إلا للشعب السوري، وسيادة للقانون والدستور الذي ينتجه هو وليس سواه.
المصدر: صحيفة إشراق