خليل البطران
بعد مرور 14 عامًا على انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد، الذي حكم سورية لعقود بقبضة حديدية، تغيرت موازين القوى بشكل كبير، خاصة بعد تدخل روسيا عام 2015، إلى جانب الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني. ورغم ذلك، تمكنت قوى المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام من إنشاء جسم عسكري موحد تحت اسم “إدارة العمليات العسكرية”، التي أطلقت معركة جديدة بعنوان “ردع العدوان”.
تحولات عسكرية وأحداث متسارعة
جاءت معركة “ردع العدوان” بهدف إبعاد قوات النظام السوري وحلفائه عن المناطق الخاضعة للمعارضة، التي تضم نحو أربعة ملايين شخص، يعيشون تحت تهديد القصف المستمر رغم تصنيفها ضمن مناطق خفض التصعيد. بفضل هذه العمليات، بدأت قوات النظام في التراجع، ما فتح المجال لتحرير مناطق استراتيجية مثل حلب وحماة وحمص، وصولاً إلى العاصمة دمشق.
تحرير دمشق كان نقطة تحول كبيرة، حيث انقلبت أطياف الشعب السوري ضد النظام وبدأت بالسيطرة على القطاعات العسكرية واحدة تلو الأخرى. ومع تسارع سقوط المحافظات كأحجار الدومينو، اضطر الأسد إلى الفرار إلى قاعدة حميميم الروسية. هذا الفراغ الأمني استدعى تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة المرحلة، لتقع المسؤولية على حكومة محمد البشير، التي جاءت في ظروف استثنائية لم تشهدها سوريا منذ عقود.
الإمكانات التي تملكها حكومة البشير
الدعم الشعبي:
تحظى الحكومة بدعم شعبي كبير في المناطق المحررة، حيث ينظر إليها السوريون كأمل جديد لتحقيق العدالة وإعادة إعمار البلاد، بعد سنوات من القمع والحروب.
الخبرات المكتسبة:
المعارضة السورية، خلال سنوات نضالها، اكتسبت خبرات إدارية وعسكرية، وهي الآن تُترجم إلى سياسات تدعم إدارة المناطق المحررة، مما يساهم في تحسين الكفاءة الحكومية.
الدعم الدولي:
رغم محدوديته، فإن المساعدات الدولية المادية والسياسية تتيح للحكومة فرصة تنفيذ مشاريع تنموية وخدمية تعزز ثقة المواطنين بها، خاصة في ظل الانفتاح الدبلوماسي الجزئي.
الموقع الجغرافي:
قرب المناطق المحررة من الحدود الشمالية يتيح للحكومة سهولة استيراد الموارد والمساعدات الإنسانية عبر الدول المجاورة، وهو ما يعزز قدرتها على الصمود في مواجهة التحديات.
التحديات التي تواجه الحكومة
التحديات الاقتصادية:
الوضع الاقتصادي يُعد من أبرز العقبات، فالحكومة ورثت اقتصادًا شبه مدمر، مع انهيار البنية التحتية ومحدودية الموارد المالية. العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، بما في ذلك قانون “قيصر” الأمريكي، تؤثر بشكل كبير على قدرة الحكومة على إعادة الإعمار وتطوير المشاريع الاقتصادية الحيوية. هذه العقوبات تسببت في عزلة اقتصادية خانقة، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى الأسواق الدولية ويحد من استيراد المواد الأساسية، مما يزيد من معاناة الشعب السوري ويؤثر على قدرة الحكومة في تنفيذ برامجها التنموية.
التحديات الاجتماعية:
إعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم في ظل غياب الخدمات الأساسية يمثل تحديًا كبيرًا. كما أن التأثير النفسي للحرب يتطلب برامج دعم شاملة، وهو أمر صعب بسبب نقص الإمكانات.
التحديات الثقافية:
الحرب خلفت انقسامات عرقية وطائفية عميقة. إعادة بناء الهوية الوطنية السورية يحتاج إلى جهد كبير لتوحيد المجتمع وتجاوز الخلافات التي تعمقت خلال سنوات النزاع.
التحديات السياسية:
غياب السيطرة على كامل الأراضي السورية، حيث لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تسيطر على محافظات دير الزور، الرقة، والحسكة بدعم دولي. الخلافات بين الفصائل المعارضة تُضعف الموقف الحكومي. كذلك، فإن غياب الاعتراف الدولي الكامل بالحكومة يحدّ من قدرتها على تمثيل سوريا دوليًا، ويجعل من الصعب الحصول على الدعم الدبلوماسي والمالي اللازم.
أولوية استعادة المحافظات الشرقية
عدم السيطرة على دير الزور، الرقة، والحسكة يُعتبر عقبة أمام تحقيق وحدة سوريا. هذه المناطق تتمتع بثروات نفطية وزراعية كبيرة، ووجود قوات قسد فيها يعمق الانقسام. إعادة هذه المحافظات تحتاج إلى استراتيجية دبلوماسية وعسكرية متكاملة، مع تأكيد أهمية الحلول السلمية إن أمكن، حيث قد تكون هي الخيار الأمثل لضمان استقرار سوريا على المدى الطويل.
الخاتمة
حكومة محمد البشير تمثل بارقة أمل في مرحلة مفصلية من تاريخ سوريا. ورغم التحديات الهائلة على المستويات الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية، إلا أن لديها إمكانات كبيرة يمكن استثمارها لبناء دولة موحدة يسودها العدل والكرامة. نجاح هذه الحكومة يعتمد على توحيد الصفوف المعارضة، تعزيز الدعم الدولي، واستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، مما يحقق تطلعات الشعب السوري في بناء مستقبل أفضل.