هو (البانسيون) وحده، الذي أسماه نجيب محفوظ في مطلع السبعينات من القرن المنصرم “ميرامار “وهو نفسه الذي مازال مستمراً وملحاحاً في ديمومته منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا …يغوص نجيب محفوظ في روايته “ميرامار” بين الجنة والنار، بين الثورة والتسلط …يسلط الضوء عبر شخوصه وأبطاله لينقلنا من حيز إلى آخر، ميمماً وجهه بين مآلات الواقع المجتمعي ، وأحلام الناس البسطاء المنفلتين من عقالهم ….وبين البحث عن الحقيقة وتموضع الأنا بالذات ،ولأنه “عند الحساب قد تتعادل الكفتان ،فقد ران الكدر على روحها ووجهها وضاعف العبوس في دمامتها العابرة ” في النقاش الدائر بين الإقطاعي السابق ورجل الثورة، نرى ملمحاً مآلياً يحاول أن يضع بدءاً كل أوراق الحل في يد الأمريكان، لكن دون قناعة من مثقفي العصر الذين لا يرون ملاذاً إلا بالثورة على الاستبداد ورأس المال الناهب لخيرات الناس .
في”ميرامار” وقفة أدبية رائعة كروائع نجيب محفوظ التي عهدناه بها، تلامس المعاش اليومي للناس، وتطرح أفكاراً مجتمعية متنورة، تنير الدرب للبشرية، ممسكة بأتون معطى حرياتي يتعطش المجتمع العربي برمته إليه، ولأن حديث السياسة في تلك المرحلة كما الآن، كالقضاء المحتوم، فقد كانت الرواية مضمخة به ومنه دون إمكانية العودة عن سماع أم كلثوم التي كانت قيثارة العرب في تلك المرحلة وإلى اليوم ، في”ميرامار” حبكة درامية قل نظيرها وانسياب سردي غاية في الجمال، وانفلات (لا ضير في ذلك) عبر المجهول.