” الثورة التي لا يقودها الوعي تتحول إلى إرهاب، والثورة التي يُغدق عليها المال تتحول إلى لصوص ومجرمين ” (فون نجوين جياب). يخلق الإنسان مميزاً عن سائر المخلوقات بوجود العقل، فالناس يُصنفون على مستوين: من يعيش بنعمة العقل ومن يعيش بنقمته، تلك العقول شكلها الخارجي واحد، لكن الفرق كبير ما بين الشكل والمضمون، الحديث هنا عن العبرة في المحتوى، وما أدراك ما العقل!
الذي يحمل الوعي والفكر في طياته، الذي يرسم لنا سياقاً نمشي ضمنه، ويضيء لنا درب الحرية والكرامة، ويعبد الطريق أمام الحرّ الشريف ليكون طريقه وهدفه نبيلاً يعيش ويموت لأجله، هو العقل وحده سابق العشوائية والفوضوية، متجاهلاً العفوية ومخاصماً لكل ما هو ضدّ الخير والمنفعة العامة للشعوب كافة، ومُطالباً بالحقوق الغائبة والمسلوبة. الوقفة اليوم ليست جلداً للذات، ولا من أجل اللوم والعتاب لأنّ من عمل خيراً فلنفسه ومن أساء فعليها. وبعد تبيان مطلع البيان، يُشار بالبنان إلى مستوى ثالث في التصنيف، هذا المستوى لا هو يعيش بنعمة ولا يعيش بنقمة، بل ” بأزمة ” أزمة الانقسام في الذات! عاش المجتمع السوري في ظل حكم بيت الأسد حقبة زمنية، تعجّ بالظلم والاضطهاد، لأنّ طبيعة هذا الحكم شُموليّ _استبدادي، حيث هيمن على مؤسسات الدولة، فأصبحت الأُسر السورية معلبة، والقضاء يَظْلم ، والأمن لا يُؤمِن على العكس يُفزع، والاعلام يُعمي ولا يوعي، هكذا كان تغوّل حكم الأسد على المجتمع ككل ، لهذا فإن مسألة ” انقسام الذات ” لم تأت من فراغ وعن عبث ، فالتربية ما ضاعت فيهم ” تربية بيت الأسد ” ، ورأينا منذ ولادة الثورة أن أُناسًا كُثر اصطفوا معها وعملوا بجدٍ فيها ، لكن البعض كان عمله هباءً منثوراً ، وفجأة تنقلب الأمور على أعقابها ، ونرى الطعن والخيانة ، ويظهر هؤلاء على وسائل التواصل الاجتماعي والشاشات التلفزيونية ، وقد أعلنوا التوبة والرجوع إلى حضن الوطن ، بعد تقديم عربون الاعتذار لبشار الأسد بقتل الأحرار الشرفاء وزجّهم في السجون، والتنفيذ بأيدي جبهة النصرة التي تَخفتْ في هيئة تحرير الشام، سجن العقاب التابع لجبهة النصرة نافس سجون الأسد في بنائه وجرائمه، وبناءً على ذلك أطلق أحرار الثورة عليهم مسمى ” الضفادع ” والرواية الأكثر هزلاً، تشكيل الفيلق الخامس التابع لجيش النظام السوري والقوات الحليفة، الذي تأسس 22 تشرين الثاني بدعوى القضاء على الإرهاب! ضمّ في صفوفه هؤلاء الضفادع، وكان تبريرهم أنّهم بجيش الروس وليسوا بجيش النظام! وللأسف ففي كل يوم لنا موعد مع ضفدع جديد، وتطورت هذه الظاهرة إلى ضفدعةِ الإعلام المتاجر بالدم السوري، على أساس أنّه مع ثورة السوريين وثورات الربيع العربي، وبما أنّ عين التجربة لا تخيب، الثورة التي لا يقودها الوعي ” دمار “، ولا خيار إلا بصناعة الوعي وإعمال العقل بما يوافق المصلحة العامة، لأنّ كل الخيارات مفتوحة في القضية السورية، والسؤال المهم: هل معيار الحل السوري في شكله العسكري أم السياسي أم الإثنين معاً؟
رأينا في السنوات السبع الماضية عمل الفصائل العسكرية على الأرض، وما هي المحصلة؟ كرة اللهب مرةً في ملعب المعارضة ومرة في ملعب الأسد، وواهم من يظن أنها استقرت عنده بل تُركل بين تقاسم الدول حصصهم على أرض سورية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الحلفاء والعملاء بالوكالة!
وفي الطرف الآخر الهواة المُتسيسون المحسوبون على المعارضة السورية، لعبوا دور المهرج لبشار الجعفري ودي مستورا، والقارئ يعلم ما جرى في مؤتمرات أستانا!
وبالإجابة على السؤال: الحل السوري لا هو بالحل العسكري ولا هو بالحل السياسي، بل عبر صناعة الوعي، الذي به نُدرك حقوقنا ونحترم ذواتنا بأننا لسنا عبيد، أن يعلم الانسان السوري والعربي عموماً، قيمة وقدر الوعي، فلسطين ما ماتت ولا الثورات العربية اندثرت، لأنّ ما يزال في داخل كل واحدٍ فينا نبض وثورة تحتاج حماية وتنمية كي ترتقي، ويصير الشعب كياناً واحداً، بوجه الطغاة والمستبدين، من هنا فلن يكون التحرير إلا بالفكر والتنوير.