واصل النظام السوري قصفه المتقطع لمناطق مختلفة في أرياف إدلب وحماة وحلب، فيما دفعت تركيا بمزيد من التعزيزات العسكرية لتعزيز نقاط المراقبة داخل الأراضي السورية، وسط أنباء ومعطيات عن مرونة في موقف “هيئة تحرير الشام” (التي تُشكّل جبهة النصرة عمودها الفقري) بشأن حل نفسها، وهو المسعى الذي تعمل عليه تركيا لنزع ذريعة استهداف المنطقة من جانب النظام وروسيا.
وذكرت وسائل إعلام النظام السوري أن قوات الأخير قصفت بالمدفعية والصواريخ بلدة التمانعة بريف إدلب الجنوبي، وأطراف بلدات أم الخلاخيل والخوين وتل مرعي وتل الشيح وعدد من القرى على طول الحدود الإدارية الجنوبية الشرقية لإدلب، بحجة أن فصائل المعارضة في تلك المناطق “تقوم بتحصينات عبر حفر خنادق ورفع سواتر ترابية وزراعة عبوات ناسفة وغيرها”. كذلك طاول القصف، بحسب وسائل إعلام النظام، مواقع تابعة إلى “جيش العزة” في محيط قرية معركبة بالريف الشمالي لحماة، وكذلك في بلدة اللطامنة. وقالت مصادر محلية إن القصف المدفعي طاول أيضاً بلدة مورك، وقرى حصرايا وأبو رعيدة الشرقية والصخر ومحيط كفرزيتا في ريف حماة الشمالي، في حين دارت اشتباكات بالرشاشات الثقيلة على أحد محاور جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، ما أدى إلى وقوع جرحى، وسط تحركات لقوات النظام والمسلحين الموالين لها على محاور جبال اللاذقية الشمالية. من جهة أخرى، أصيب شخصان بانفجار عبوة ناسفة زرعها مجهولون بسيارة كانت تقلهما في حي القصور بمدينة إدلب.
في غضون ذلك، أصدر مقاتلون وسكان في القطاع الجنوبي من ريف حلب، بياناً أكدوا فيه رفضهم مغادرة قراهم، استجابة لبيان غرفة عمليات ريف حلب الجنوبي، رغم نزوح عشرات العوائل من هذه القرى، خوفاً من عمل عسكري للنظام في المنطقة. وأكد البيان بقاء الأهالي في منازلهم رغم القصف من جانب قوات النظام. وقال الوجهاء، في البيان، إنه “لا وجود لسبب حقيقي يضطر الأهالي لمغادرة القرى، لا سيما أن القصف على المنطقة غير جديد ومستمر منذ مطلع العام الحالي”. ومن بين القرى الموقعة على البيان جزرايا، والعثمانية، وزمار، وجديدة طلافح، وحوير العيس، وتل باجر، وبانص، وبرنة. وكانت “غرفة عمليات ريف حلب الجنوبي” أعلنت، الخميس الماضي، هذه القرى “مناطق عسكرية”، مطالبة السكان بإخلائها. وتقول الفصائل العسكرية إن تحذيرها يأتي في إطار الخوف على الأهالي من القصف، مشيرة إلى وجود تداخل بين الأبنية السكنية وخطوط الجبهات في بعض القرى الجنوبية. وكان النظام السوري قد سيطر، في يناير/ كانون الثاني الماضي، على معظم الريف الجنوبي لحلب وصولاً إلى ريف إدلب الشرقي، حيث تتعرض تلك المناطق منذ ذلك الوقت لقصف من جانب قوات النظام وتشهد مناوشات بين النظام وفصائل المعارضة.
إلى ذلك، ذكرت مصادر عسكرية تركية أن قافلة تعزيزات تركية، تضم شاحنات عسكرية، وصلت إلى ولاية هاتاي، جنوبي البلاد. وأوضحت أن الشاحنات محملة بدبابات من طراز “M60T” المطورة، التي جرى تحديثها بعد عملية “درع الفرات” في ريف حلب الشمالي، من قبل شركة دفاعية تركية. وذكرت صحيفة “ديلي صباح” التركية أن هذه التعزيزات تستهدف تعزيز نقاط المراقبة في شمال سورية، خصوصاً نقطة العيس في الريف الجنوبي لحلب ومورك في ريف حماة الشمال، مشيرة إلى أن القوات الجديدة ستحل في بعض الأماكن محل القوات الحالية، في إطار عملية تبديل. ويأتي وصول التعزيزات بالتزامن مع اجتماع بين وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ونظيره التركي، خلوصي أكار، لمناقشة الملف السوري، خصوصاً موضوع محافظة إدلب. وذكرت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، أن الوزيرين تبادلا وجهات النظر حول آخر المستجدات في سورية، حيث جرى التركيز على ضرورة إيجاد حل سريع للقضايا الإنسانية في سورية وعودة اللاجئين إلى بلادهم. وتأتي المباحثات بين الطرفين في وقت تجرى فيه التحضيرات لعقد قمة رباعية في إسطنبول، خلال سبتمبر/ أيلول المقبل، بمشاركة قادة تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا لبحث عدد من الملفات الإقليمية، وعلى رأسها المسألة السورية.
وفي سياق الدور التركي في الشمال السوري، اجتمع عدد من أعضاء المكتب التنفيذي لدائرة جسر الشغور السياسية غربي إدلب، مع ضباط أتراك من نقطة المراقبة في المنطقة، حيث جرى الحديث حول الحرب النفسية التي يقوم بها النظام بشأن عمل عسكري في المحافظة. وقالت مصادر محلية إن الضباط الأتراك أكدوا بقاءهم في المنطقة لحمايتها، كما طلبوا من أعضاء المكتب التنفيذي لدائرة جسر الشغور إبلاغ الأهالي وطمأنتهم، وعدم الالتفات لما يروجه له نظام بشار الأسد، مشيرة إلى أن نقطة المراقبة التركية أبدت اهتمامها بالجانب الخدمي والمدني في المنطقة، كما طلبت منهم دراسة لمشاريع تتعلق بالأفران ومضخات المياه والمستشفيات والمدارس المدمرة. وكانت النقطة التركية في مدينة مورك شمالي حماة قد طلبت، قبل يومين، الاجتماع مع وجهاء المنطقة، فيما دعت النقطة التركية في منطقة الصرمان في القطاع الشرقي من ريف إدلب إلى اجتماع مماثل في منطقة جرجناز، وذلك إثر اجتماعات أخرى جرت في الأيام الأخيرة بين الأهالي والنقاط التركية في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي. وخلال هذه الاجتماعات أبلغ الضباط الأتراك وجهاء تلك المناطق بأن الخروقات التي تقوم بها قوات النظام في مثلث جسر الشغور ــ سهل الغاب ــ جبال اللاذقية، سيجري وضعها على الطاولة في الوقت المناسب، وأنه ما دامت القوات التركية موجودة في المنطقة فلا يجب الخوف من عملية عسكرية للنظام، مشددة على أن أنقرة ستتخذ كل الإجراءات للحيلولة دون وقوعها، ولن تسمح بدخول قوات النظام إلى المنطقة، وأعطت وعوداً بتقديم خدمات لأهالي تلك المناطق.
في غضون ذلك، وفيما جرى تداول معلومات غير مؤكدة بشأن حدوث تقدم في المفاوضات التي تجريها تركيا مع “هيئة تحرير الشام”، لكي تحل الأخيرة نفسها، بغية تجنيب المحافظة والشمال السوري عملية عسكرية من جانب النظام وروسيا، قررت “الهيئة” حل مجالس الشورى التابعة لها في ريف حماة الشمالي، وفوضت المجالس المحلية المدنية بإدارة المناطق. وأصدرت “الهيئة” بياناً داخلياً، يحمل تاريخ 15 أغسطس/ آب الحالي، يقضي بحل جميع مجالس الشورى العاملة في ريف حماة، معتبرة أن المجالس المحلية هي السلطة الوحيدة والممثل الشرعي للناس. وطلب البيان إلغاء جميع الأختام التابعة للشورى وتسليمها إلى المجالس المحلية، لتدير شؤون المنطقة. واعتبرت “الهيئة”، في بيانها، أن الأمر الإداري جاء بسبب التعارض بين عمل مجالس الشورى وبين المجالس المحلية في بلدات المنطقة. وخول البيان القيادي في “الهيئة”، أبو رضوان الخطابي، متابعة القرار حتى تنفيذه.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعتبر بادرة مهمة في سياسة “هيئة تحرير الشام”، التي تلاقي انتقادات في بعض مناطق سيطرتها الممتدة بين ريف حماة ومحافظة إدلب، إذ يطالب المدنيون بتسليم السلطات لهيئات مدنية. وحسب مصادر محلية، تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإنه جرى تقسيم مناطق المعارضة بين الفصائل الرئيسية، إذ تتولى “تحرير الشام” إدارة ريف إدلب الجنوبي، ويتولى فصيل “صقور الشام” إدارة جبل الزاوية و”أحرار الشام” بعض مناطق الغاب، في مؤشر على “بعض الليونة” التي بدأت “تحرير الشام” تبديها بشأن إدارة المناطق في الشمال السوري. وفيما يخص الوضع في إدلب أيضاً، حذر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من “مخاطر إنسانية” في محافظة إدلب، وأعربا عن قلقهما من الوضع الإنساني في المحافظة “حيث كثفت القوات الحكومية قصفها مواقع المسلحين في الأيام الماضية”، وفق ما ذكرت السفارة الفرنسية.
إلى ذلك، كلفت “الهيئة التأسيسية” لـ”حكومة الإنقاذ” العاملة في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، أمس السبت، مدير غرفة التجارة، فواز هلال، بتشكيل حكومة جديدة عقب استقالة الرئيس السابق، محمد الشيخ، قبل أيام. وقال مدير مكتب رئيس “الهيئة التأسيسية”، أبو قصي، إنهم أوكلوا مهمة تشكيل الحكومة الجديدة إلى هلال، وكلفوا وزير التربية ونائب رئيس الحكومة جمال شحود بتسيير الأعمال ريثما تتشكل الحكومة الجديدة. يأتي ذلك بعد أن قبلت “الهيئة التأسيسية” استقالة محمد الشيخ، بعد أن أعلن في 7 أغسطس/ آب الحالي أنه سيستقيل من الحكومة في حال فشل “وزارة الداخلية” بالعثور على خاطفي مدير صحة الساحل وإطلاق سراحه، خلال 24 ساعة. وأطلق الخاطفون سراح مدير الصحة بعد انقضاء مهلة 24 ساعة، لكن بفدية بلغت 100 ألف دولار أميركي. وأكد حينها الشيخ أن ذلك لن يثنيه عن الاستقالة. وتشكلت “حكومة الإنقاذ” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد انتخابات جرت في معبر باب الهوى على الحدود السورية – التركية، حيث انتخب محمد الشيخ رئيساً لها، كما عيّن 11 وزيراً فيها.
المصدر: العربي الجديد