بصرة العراق وبرقة ليبيا ليست أحرف الهجاء المشتركة (الباء والراء والتاء) ما جمعهما، بل جمعهما الكثير من التاريخ والجغرافيا، لكونهما كانا مصدر قلق لنظامي صدام والقذافي زمن الديكتاتوريات العربية، والانتفاضات المتكررة فيهما كادت تسقط النظامين في أكثر من مرة، كون البصرة وبرقة تتربعان على أكبر مخزون احتياطي نفطي.
التهميش والفقر، والانتفاضات على الظلم والضيم، معاناة تاريخية جمعت الإقليمين لتؤكد أن سياسة التهميش التي مارستها الأنظمة الديكتاتورية سابقاً، ولا تزال تكررها ديمقراطيات «الربيع» العربي لا تختلف إلا في الزمن والتواريخ، ولو أننا لم نرَ مثل هذا التهميش الكارثي في البصرة والذي سببته إيران، أو بالأحرى نظامها الخطير.
التهميش يجعل المواطن في حالة عسر في تسيير الحياة اليومية، دون أي عدالة في توزيع الثروات حسب نسب التمثيل التي تعتمدها دول العالم، وفق العوامل الرئيسية الثلاث لكل منطقة أو إقليم حسب معيار (المساحة والسكان والثروة)، بينما تتمركز الثروات في أماكن بعينها رغم أنها ليست منبع الثروة، ويحرم منها الأطراف.
فالبصرة مثلاً التي تتربع على مخزون نفطي كبير تشتعل ليس بزيوت البترول، ولكن بغليان شارعها الذي سئم من الناهبين لأموال العراق لتقدمها للولي الفقيه الفارسي القابع في طهران يصرفها على تصدير الإرهاب باسم تصدير الثورة الخمينية، وإلا فأين ذهب هذا المال الذي كان تحت أقدام البصريين؟! وكذلك برقة تتربع على 70 في المائة من احتياط النفط الليبي، وهي الأخرى شهدت انتفاضات متعددة سقط فيها العشرات من الضحايا للسبب ذاته نتاج السياسة المركزية، سوء توزيع الموارد بشكل غير عادل والخدمات من رعاية صحية وتوظيف وخدمات العامة.
احتجاجات البصرة تمخضت عن إحراق المتظاهرين لمقرات أحزاب الإسلام السياسي (منظمة بدر، المجلس الأعلى الإسلامي، حزب الدعوة، الحزب الإسلامي، تيار الحكمة، كتائب سيد الشهداء، حزب الفضيلة، عصائب أهل الحق، حركة إرادة، حركة النجباء، حركة الخراساني، أنصار الله الأوفياء، حزب الله، حركة ثأر الله، البدلاء) ليتأكد رفض الشارع في البصرة لوجود هذه الكيانات الكرتونية، التي ما هي إلا امتداد وواجهة لمنبع واحد هو إيران، وإن اختلفت التسميات.
احتجاجات البصرة شهدت تحليلات مختلفة منها الحديث عن أن هناك «خطة» إيرانية تستهدف شركات نفط الجنوب العراقية، وتستغل «ثورة الجنوب الشيعي» رغم أن المحتجين الغاضبين في عمومهم لا انتماء لهم للمشروع أو الخطة الإيرانية، ولكن هذا لا يمكن تجاهله باعتبار أن المحافظة شهدت احتجاجات سابقة، كان لإيران وعملاء إيران دور فعال في توجيه مسارها والتحكم فيها بعد التسلل إليها، وخصوصاً أن أغلب الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بتحسين الخدمات والظروف المعيشية في الغالب ليس لها قيادة سياسية محنكة، مما قد يسهل اختراقها متى توفرت الظروف والخطة والخديعة والتي لا تعوزها خطط المخابرات الإيرانية ونظام ولاية الفقيه فيها لتستغل جوع وعطش سكان البصرة.
البصرة التي تشهد ضعف الخدمات رغم أنها ثاني كبرى مدن العراق، والتي شهدت الكثير من الانتفاضات، من الانتفاضة الشعبانية في عام 1991 وكانت انتفاضة شعبية كبيرة ضد النظام. وفي عام 1999، حدثت في مدينة البصرة وبعض مدن جنوب العراق انتفاضة أخرى لأيام وجميعها كانت بسبب نقص في الخدمات، وإن اختلف العنوان والشرارة التي أطلقتها البصرة والتي تسببت الملوحة فيها في فقدان المحافظة 87 في المائة من أراضيها الزراعية، وتحولها إلى محافظة منكوبة في ظل فساد حكومي واضح وتجاهل، هما امتداد لسنوات طويلة وليسا وليد اليوم.
مظاهرات البصرة قد تكون مقدمة لانتفاضة جديدة، في ظل وجود توقعات بأن تتسع رقعة المظاهرات، وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة، رغم محاولات الحكومة عدم الاحتكاك المباشر مع المتظاهرين، بعد سقوط ضحايا برصاص الشرطة، ولكن يبدو أنه كان بعد خراب مالطا.
المصدر: الشرق الأوسط