ثمة مواجع لا تُمحى من ذاكرة السوريين، منها التحضير لانتخابات مجلس الشعب وإدراج المرشحين بقائمة الجبهة الوطنية التقدمية، لينجحوا أوتوماتيكياً، لقاء مبالغ طائلة.
وقفة نظام؛ ربما يسأل قارئ: ولماذا يدفع المرشح بـ”سورية الأسد” الملايين ليصل إلى تحت قبة البرلمان؟
الجواب: العضو البرلماني بسورية، كان يحصل على لوحة سيارة وقت كانت السيارة حلماً، ويحصل على منزل بمشروع دمر الفاخر، ويحصل على ميزات واستثناءات لا تحصى، فضلاً أنه “يرفس” باب أي مسؤول ويدخل، ليمرر صفقة أو يتوسط لتاجر بأجر.
ومن تلك الذكريات البرلمانية، وبعيداً عن شراء المقاعد، كان ثمة شراء للذمم، إذ كان الحالم من السوريين للمجد، يذبح الخراف ويولم الطعام ويوزع سيارات و”بيك آبات” لتجوب المحافظة رافعة صوره ومرددة وعوده الانتخابية، التي لا يقتصر الأمر بالنسبة لناخبيه على أنهم لا يرون نتائجها على الأرض فحسب؛ بل لا يرون مطلِقها إلا بعد انتهاء دورته البرلمانية.
والبرلمان السوري الذي “استبدل غزلانه بقرود”، كما يقول السوريون؛ كان يضمّ بين جدرانه أسماء مثل فارس الخوري، الذي وضعته الأمم المتحدة في إحدى دوراتها رئيساً لمجلس الأمن عام 1947، وناظم القدسي الحائز شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من سويسرا، ومعروف الدواليبي الحائز الدكتوراه من جامعة باريس والتي نالها عن أطروحة كتبها بالفرنسية عن الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ومأمون الكزبري الحائز شهادة الدكتوراه في الحقوق من جامعة ليون الفرنسية، والذي كان عالماً من علماء التشريع والقانون وقام بعد خروجه من سورية إثر انقلاب البعث بتعريب التعليم الجامعي في المغرب.
من هؤلاء الأعلام بالأمس، وقبل آل الأسد؛ إلى حمودة الصباغ اليوم “حمودة اسم رئيس البرلمان الصريح وليس اسم الدلع”.
المهم، ثمة عضو حالي اسمه وليد درويش، خطر على باله أن يفشي، ولو قبل اعتقاله، بعبارة، فقال على مدونته على “فيسبوك”:
“بعد سنتين من عملي واحتكاكي المباشر مع الحكومة، وجدت انو الحكومة تتعامل مع مجلس الشعب الذي من المفروض هو السلطة الرقابية على الحكومة. تتعامل مع المجلس ولسان حالها يقول أنتم تقولون ما تشاؤون ونحن نعمل ما نشاء. أما بالنسبة لمجلس الشعب، وبعد سنتين أيضًا، تبين لي أن هناك أعضاء مجلس بزيت وأعضاء بسمنة، يعني خيار وفقوس”.
وأما إن سأل قارئ عن مصير الدرويش، الذي حاول بصوت مبحوح أن يغرد خارج السرب، فصراحة لا أعلم، أهو بغياهب السجن أو انتحر بأكثر من طلقة وفق التقليد السوري، ولكن يمكنني التنبؤ أنه ما زال على قيد الحرية والحياة، وأنه إن “تدروش” ثانية وطالب بإلغاء موافقة شعبة التجنيد قبل السفر، ليقطع بأرزاق سادته ويوقف إذلال أبناء جلدته؛ فعلى الأرجح إن بقي سيداً.. فأبداً لن يكون “درويشاً”.
المصدر: العربي الجديد