استيقظ العرب مؤخرًا على قضية منسية، هي قضية الشعب العربي الأحوازي، التي طالما تجاهلها النظام العربي الرسمي، أو تاجر بها كما فعل النظام السوري البعثي، قبل وصول (ثورة الخميني) إلى سدة الحكم في إيران، لكنه وبعد استلام السلطة من قبل ما سمي (بالثورة الإسلامية الإيرانية)، فقد أوعز حافظ الأسد بتغيير المناهج في المدارس السورية، وتم شطب كل الأبحاث التي تتحدث عن الأحواز أو عربستان.
الشعب الأحوازي المقتطعة أرضه، يعيش تحت نير الاحتلال الإيراني منذ ما يزيد عن 93 عامًا، حيث تمت السيطرة على إقليم الأحواز في 20 نيسان/ ابريل ١٩٢٥.
وفي حينها تم اختطاف الأمير الشيخ (خزعل الكعبي) حاكم الأحواز، وقامت حكومة الفرس بسجنه في طهران حتى عام ١٩٣٦، بعد ذلك قُتل في السجن في ظروف غامضة، قيل في ذاك الوقت أنه جرى وضع السم في غذائه داخل الزنزانة، بأمر من حكام طهران وقتها، وتخلصوا منه نهائيًا، في الوقت الذي تمكنوا فيه من الهيمنة على كامل الجغرافيا الأحوازية، التي تبلغ مساحتها 375 الف كيلو متر مربع، أي ما يعادل مساحة بلاد الشام (سورية، لبنان، فلسطين، الأردن)، بينما يتجاوز عدد الأحوازيين 12 مليون نسمة ، ويزيد عدد الأحوازيين المهجرين قسرًا ، إلى خارج بلادهم عن 10 آلاف أحوازي، وهو عدد قليل نسبيًا، ويعود ذلك إلى أن الأحوازي عمومًا يرفض مغادرة وطنه، مهما جرى له من مضايقات إيرانية، متعمدة من قبل سلطات حكم الملالي في ايران. في وقت تمارس فيه أنواع كثيرة من القمع والزج في المعتقلات، ومنع التعليم باللغة العربية، وإلغاء كل العادات والمظاهر العربية، وممارسة سياسة (التفريس)، في كل مناحي الحياة الاجتماعية، وعلى كامل مساحات المدن والأرياف في الأحواز العربية.
واليوم وبعد الهجوم على العرض العسكري في الأحواز يوم السبت الفائت، ومقتل ما يزيد عن 29 علاوة على عدد كبير من الجرحى، راح العديد من المتابعين يعيدون النظر في هذه القضية المنسية، بعدما كانت تلفها حالة كبيرة من الإهمال من معظم الأنظمة العربية. وظهر للعيان أن هذه القضية لم يتخطاها الزمن، وأن العرب يمكن أن يستفيقوا فعلًا لدعم القضية الأحوازية. وبدأ الباحثون العرب والمسلمون وفي العالم الأوسع، ينقبون في جذور القضية الأحوازية، وإلى أي عصر يعود وجود الأحوازيين في إقليم الأحواز، ومن ثم عن اسم الأحواز من أين أتى، والأدق ما هو الإقليم (الأحواز أم الأهواز)، ومتى تمت تسمية الاقليم من قبل إيران (خوزستان).
بالعودة إلى تاريخ المنطقة يتبين أن الشاعر جرير هو من قال (سيرو بني العم، فالأحواز موطنكم) وذلك مع بداية فتوحات الإسلام، خلال اتخاذ قرار فتح الأحواز وتحريرها من الساسانيين، ويؤكد الباحث الفارسي (ايرج أفشار) أن ” وجود الأحوازيين في ما يسميه (خوزستان) يتجاوز ١٧٠٠ عام. والأرض هي أرض عيلام، وهم من الساميين الذين حكموا الأحواز، ولدينا آثار باقية لهم يتجاوز عمرها ٣٥٠٠ عام”. أما التسمية، فالطبري المؤرخ المعروف يذكر (سوق الأهواز) بعد دخول الاسلام، و كل المؤرخين بعده اعتبروا أن هذا الاسم لا يمكن أن يكون صحيحًا، خصوصًا أن (الأهواز) يتشكل من سبعة كوَر، وهذا يدل على أن الأحواز يتحدر من كلمة حوز ، ويعني الأملاك، والأهواز لا معنى لغويًا لها، لا عربيًا ولا فارسيًا، والاسم تغير عند الطبري بسبب أنه فارسي الأصل، والفرس عادةً ليس لديهم لفظ الحاء، إذًا هم يقرؤون (الأحواز) بلفظ ( الأهواز) و كانت الأحواز تسمى (عربستان) من قبل الفرس، في زمن (القاجاريين) قبل (البهلويين)، و بعد احتلال إمارة المحمرة من قبل الفرس، تم تصحيح اسم (الأهواز) بواسطة باحثين عراقيين، وذلك في الستينات من القرن الماضي، وطلبوا من قادة الجبهة الشعبية لتحرير عربستان، أن يغيروا الاسم إلى (ج ش ت الأحواز)، و بعد ذلك تم رفع العلم الأحوازي أيضًا على مقرات الجبهة العربية لتحرير الأحواز، وهو اليوم يعني الكثير للوطنيين الأحوازيين الذين يتمسكون بتسمية الأحواز العربية في مواجهة تسميات الإيرانيين المختلفة للمنطقة، سواء كان (الأهواز) أو (خوزستان).
الواقع الأحوازي اليوم المتحرك شعبيًا، والمشارك في كل الانتفاضات الشعبية السلمية التي قامت في جغرافيا إيران، يُظهر وبشكل واضح أن هناك الكثير من الظلم وقع ومازال يقع على شعب الأحواز، ومن الممكن أن يكون ما جرى من عمل عسكري جديد ضد من قام بالعرض العسكري، هو بمثابة تغير دراماتيكي بالحالة الأحوازية، إذا ما كان بداية لسياسة هجومية جديدة، تحصيلًا للحقوق أو الاستقلال المستقبلي.
ويرى مراقبون أن إيران تريد أن تبين للعالم أنها الضحية، هروبًا من سجلها الإجرامي، وتدخلاتها الإرهابية في الواقع السوري أو اليمني أو العراقي. وخروجًا من عزلتها الدولية، وبالتالي قد تكون هي من قامت بهذا العمل لتبعد نفسها عن الاٍرهاب، الذي تقوم به في معظم الدول العربية.
بينما أكد لنا السيد محمود أحمد الأحوازي الأمين العام لجبهة الأحواز الديمقراطية مشيرًا إلى افتقاد الدعم العربي للقضية الأحوازية بقوله ” إذا ثبت أن السياسة الأميركية تغيرت لصالحنا، عندها يمكن نتأمل أن الجانب الرسمي العربي سيتغير موقفه ويسندنا، ولكن وحتى الآن فهناك فقط تعاونًا إعلاميًا لبعض القنوات الرسمية. أما الهجوم، فمنفذيه كانوا أحوازيين وما زلنا نقيم ونبحث في الأمر، لكن عمومًا المقاومة الأحوازية فعالة ومعظم التنظيمات الرئيسية تمتلك كتائب فعالة، والمواجهة لعساكر النظام الايراني واستهداف اقتصاده هدفين رئيسيين للمقاومة.”
من جانبه فإن طارق الكعبي أمين سر حركة النضال العربي لتحرير الأحواز قال لنا ” ما حصل من استهداف عرض عسكري لقوات الاحتلال الفارسي وقواه الأمنية في الأحواز، لم تتبناه جهة أحوازية، والاحتلال الفارسي هو وحده يتحمل مسؤولية ما حصل يوم السبت في الأحواز المحتلة، حيث أصبح سجله أسودًا بسبب الارهاب الإيراني، ناهيك عن جرائمه وسياساته الإجرامية بحق الشعب الأحوازي، كـالإعدامات والتهجير والاستيطان وسياسة نهب الأراضي وغيرها من الجرائم، التي قامت بها وتقوم بها دولة الاحتلال الإيراني في الأحواز، منذ أكثر من تسعة عقود”. ثم تحدث بوضوح عن حالة العرب ودعمهم غير الموجود ” فيما يتعلق بأشقائنا العرب فهم أساسًا تجاهلوا قضيتنا ولَم يمدوا يد العون لنا طيلة فترة الاحتلال، لكن بالفترة الأخيرة رأينا التفافًا شعبيًا حول قضيتنا، من أشقائنا العرب، وهذا يعتبر عملاً أخلاقيًا وإنسانيًا حيث أننا نتعرض لاضطهاد وسياسة تطهير عرقي ومحو الهوية العربية في الأحواز، إذ على أشقائنا وخاصة الحكومات الرسمية أن يعلنوا رسميًا أن الأحواز دولةً محتلة، ومن هذا المنطلق فإن الأحوازيين لهم الحق والدفاع عن أرضهم المحتلة، بكل الوسائل المتاحة لهم قانونيًا، وعلى الاحتلال الفارسي أن يكف عن جرائمه التعسفية في الأحواز التي كانت تتمتع بسيادة تامة عن إيران “. فهل يدرك العرب أن دعم الشعب الأحوازي اليوم بات ضرورة ملحة، حفاظا على استقرار انظمتهم، ,ان تجاهل القضية الأحوازية، ليس من المصلحة الوطنية لجل النظام العربي الرسمي، في لحظة زمنية تتوضح فيها أهداف وغايات إيران التوسعية عبر تمدد مشروعها الفارسي الطائفي للمنطقة برمتها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا.