وسط مطالبات وصفت بالشعبية، خرج السوريون في محافظة إدلب شمال غربي سوريا بمظاهرات حاشدة طالبت بحجب الاعتراف عن هيئة التفاوض السورية وإسقاط الاجسام السياسية التي تقود المرحلة، لما تحمله من خلل بنيوي وتأسيسي يتوجب هدمه وإعادة بناء صرح سياسي آخر يمثل السوريين، في وقتٍ يعتبر آخرون أن رفع الشارع لشعار إسقاط الممثل السياسي الوحيد المعترف به دولياً، بدون تقديم حلول تقنع المجتمع الدولي، انما يصب في خانة «خدمة» النظام السوري، وترك الساحة السياسية فارغة امام مراوغته. إذ أن الدعوات قد يختلف تفسيرها إذا لم تكن ارتجالية بفعل الأفراد، وإنما تقف خلفها دول تمهد لمرحلة جديدة وشخصيات مختلفة، وهو ما يأتي ضمن سياق الأزمة السورية المحكومة بتوافقات إقليمية ودولية.
وبين النقيضين، توسطت فئة دعت إلى تغيير شعار «الجمعة» من اسقاط «هيئة التفاوض» إلى تغيير كوادرها، واصلاح هذه المؤسسة والدفع بوجوه جديدة لم ترتبط بأي اتفاق دولي، وإعطاء الهيئة الفرصة اللازمة للفظ بعض الشخصيات والمنصات الموالية للنظام السوري كمنصة موسكو التي يترأسها «قدري جميل» المعروف بمواقفه المناهضة للثورة السورية والمتماهية مع سياسة النظامين السوري والروسي.
المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض يحيى العريضي، رد على الدعوات لمظاهرات شعبية تحت شعار إسقاط الهيئة السورية بالقول بأنها مسيسة من قبل بعض المغرضين الذين يستغلون ظروف الهيئة التي تضم – وفق إرادة دولية – شخصيات ومنصات منبوذة، من أجل استهداف الهيئة. وأضاف العريضي في اتصال مع «القدس العربي»، ان انتفاضة اهل سوريا والمظاهرات، هي من هز عرش النظام السوري، ولا يستطيع احد ان يصف هدفها بأي صفة سلبية، لأنها تطالب بحرية وحق ورفع ظلم وكف يد الاستبداد، لكن اذا أخذنا الأمور بتحديد شعارات «الجمع» فقد بدأ بعض المغرضين وجهات لها استهدافات معينة باستغلال الحراك المدني لضرب مصداقية الهيئة العليا التي حققت عملياً على الصعيد الدولي نجاحات بتمترسها عند حق السورين من خلال لقاءاتها مع مختلف الجهات في العالم، وتمسكها بالقرارات الدولية التي تحفظ حقهم، وتضغط على داعم النظام الاساسي الروسي لإعادته إلى الخيار السياسي لحل القضية السورية». وأضاف المتحدث الرسمي لهيئة التفاوض بأن الجهد الذي تقوم به الهيئة السورية ضد النظام، يجبر أذرعه على العمل لإخماد صوتها ونسف شرعيتها.
حالات نشاز
وكشف العريضي لـ»القدس العربي» عن وجود شخصيات منبوذة ضمن جسم الهيئة العليا، وحالات تنافر بين بعض مكوناتها، حيث قال «لا انكر وجود حالات نشاز داخل الهيئة نعاني منها معاناة مريرة، ونقف في خصام شديد ضدها، الا ان تأثيرها لا وجود له بفعل ما تقوم به الهيئة، وقد رفعت ضد منصة موسكو مذكرة طرد، لكن بالمقابل، هناك ارادة دولية ارادت ان تكون منصة موسكو ضمن الهيئة فيجب علينا استيعاب هذه المعضلة وتحييد اي تأثير سلبي لها». واستدرك بالقول، الهيئة كتلة صلبة ومرنة لها صلابة الفولاذ ومرونته في ان معاً، تقوم بحق سياسي له احترام عالمي، واتت قوتها بتمكنها من الدفاع عن حق السوريين وعدم السماح بتمرير اي شيء على الهيئة، لكن النظام السوري يسعى إلى تقويض عملها السياسي ضمن حملة هائلة على رأسها نسف مصداقية اي جهة تخالف توجهاته.
وحول تغريدة له وصف المطالبين بإسقاط هيئة التفاوض بـ «الغوغائيين»، قال العريضي «لا يمكن ان أصف الثوار بالغوغائيين ولا أقبل ذلك، لكن هناك بعض الاشخاص المستفيدين من هذا الحراك لتسييسه بمسار معين، لإعاقة وتقويض حقوق السوريين».
ويعتبر معارضون سوريون ان ما يجري من دعوات تعترض او تقوض أداء الساسة العاملين دون وجود بديل مناسب وكأنّه يقول للعالم:» ليس أمامكم سوى بشّار»، وذلك عبر خداع الناس بإقناعهم أنه بمجرد إسقاط هذه الأجسام السياسية سيكون الحل بيد الشارع، الا ان الواقع ان يسلك البديل مسلك السلف في البحث عن الاعتراف والحلفاء الدوليين ولن يجدوهم إلا وقد تحولوا إلى جزء من منظومة الحل الدولي، كون المعادلة في سوريا دولية بامتياز وبنسبة لا تقل عن 90% يمثل الفاعل المحلي الذي يكاد ان يكون معدوماً، فالثورة السورية برأيهم «ليست ثورة محلية إلا بالنسبة للسوريين، أما العالم فينظر لها كأزمة إقليمية ودولية».
من جانب آخر يرى معارضون أنه لا يختلف السوريون على مبدأ التغيير، وتحديداً تجاه أجسام وهيئات المعارضة التي باتت عبئاً ليس على الثورة فحسب، وإنما حتى على المسار الدولي للملف السوري،، وفي هذا الاطار قال الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ساشا العلو لـ»القدس العربي» انه عند طرح فكرة الإطاحة بتلك الهيئات التي لم ترتق إلى مؤسسات وظيفياً، فباعتقادي لا بد السؤال أولاً عن الأداة: فهل تكفي التظاهرات الشعبية والشعارات للإطاحة بتلك الهيئات، في ظل البنية الكتلية التي أسست عليها الهيئة العليا للتفاوض والائتلاف، فكل كتلة ستتمسك بمصالحها مدعومة بظهير دولي أو إقليمي، ناهيك عن تشكيل الهيئة العليا للتفاوض بناءً على توافقات إقليمية ودولية لها سياقها السياسي وحتى القانوني. والهدف من هذه الدعوات، إذا كان الهدف إعادة التأثير في المسار السياسي للملف السوري بصالح المعارضة والتأهب لمرحلة جديدة تستدعي جسماً ودماءً جديدة، فهذا أيضاً لن يتم دون توافق دولي إقليمي في ظل تعقيد الأزمة السورية وتشابك المصالح فيها».
تغير الظرف
إضافة إلى الظرف السياسي، فالائتلاف والهيئة جاءا ضمن ظرف سياسي مختلف في الأزمة السورية، واليوم الظرف الدولي والمحلي اختلف تماماً، أولويات المجتمع الدولي لم تعد إسقاط الأسد على الأقل في المرحلة الحالية، فهم ينظرون اليوم إليه «كمنسق عام وليس كرئيس، منسق عام لأقليات وميليشيات مسلحة وبقايا مؤسسات دولة، وباعتقادهم فإن الإطاحة بالمنسق العام في بداية أي مرحلة انتقالية سيؤدي إلى فوضى كبيرة على مستوى سوريا والمنطقة ليست في مصلحة أحد، وإنما الإبقاء عليه مبدئياً لحين إحداث تغييرات».
في المقابل، فإن النقطة الأخيرة قد تقود إلى أخرى لا تقل أهمية، حسب المتحدث الذي رأى ان كل ما سبق قد يختلف إذا كانت الدعوات لإسقاط الهيئة والائتلاف ليس مجرد دعوات شعبية، وإنما تقف خلفها دول ترتب لمرحلة جديدة، وهذا ليس تشكيكاً بأحد، ولكن هذا سياق الأزمة السورية وكل شيء وارد في هذا الظرف.
وفي اعتقاد المتحدث أنه من الضروري أن يتم التعبير عن هذا المطلب في الشارع، سواء من خلال تظاهرات الجمعة أو غيرها، وذلك لدفع بعض الشخصيات في الهيئة والائتلاف لتحسس رؤوسهم وتوضيح الموقف في عملية التفاوض، إضافة للضغط على الهيئة للإطاحة بشخصيات محددة لم يعد يختلف على إساءتهم للثورة ومرجعيتهم غير الوطنية، ولتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في الائتلاف، أي الإبقاء على الدعوات والتظاهرات ولكن توجيهها باتجاهات محددة واضحة وليس عامة يخشى أن لا ينتج عنها شيء، بل على العكس قد تأتي بردة فعل عكسية بمعنى أن تخرج التظاهرات ولا يحصل أي تغيير، وبالتالي التسبب بحالة إحباط في الشارع وترسيخ فكرة أن الشارع عاجز أمام السياق الدولي والإقليمي، وربما تجسير وتقوية موقف بعض الشخصيات داخل تلك الهيئات بشكل أكبر.
المصدر: القدس العربي