تم الاتفاق على وقف القتال بعد أن دام لأكثر من أربعة أيام متوالية، وكان قد اندلع الاقتتال منذ أيام في محافظة ادلب / سهل الروج بين هيئة تحرير الشام وفصيل أحرار الشام المنضوية تحت تشكيل الجبهة الوطنية للتحرير، إثر خلاف معلن بين الجهتين على افتتاح مقر للأحرار في منطقة تسيطر عليها هيئة تحرير الشام. وقد امتد القتال من جدرايا إلى الكثير من القرى التي حولها في سهل الروج. ويبدو أن ذلك كان مؤشرًا على مسائل أخرى قد تكون أوسع انتشارًا وأخطر، ومن يخسر عادة هو المدنيين في تلك المناطق. حيث سقط الكثير من القتلى العزل الذين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا متواجدين في منازلهم القريبة لحظة نشوب الاقتتال.
الكاتب السوري أحمد قاسم أكد بقوله ” أعتقد أننا سنرى المزيد في ظل توافق دولي على تثبيت الوضع الأمني في إدلب كمنطقة استقرار تلتجئ إليها المعارضة بكل تشكيلاتها الديمقراطية والوطنية والمدنية.. وهذا ما يضيق الخناق على الفصائل المسلحة التي لا ترضى بهكذا توافق دولي وخاصة أن مسار سوتشي وآستانا قد يلفظ أنفاسه الأخيرة مع فشل اللقاء الأخير وإعلان ديميستورا عن خيبة أمله وعجزه عن تشكيل اللجنة الدستورية… وبالتالي، أعتقد أن أمريكا وبعد اجتماع اللجنة المصغرة لشؤون سوريا تبدو وكأنها تتجه لاختيار خيار أكثر وضوحاً بالنسبة للمسألة السورية.. حيث أن إيران والنظام وكذلك كافة الفصائل المسلحة المستفيدة من استمرارية الاوضاع ستتجه باتجاه التصعيد، وهناك رأي يقول بأن النظام وميليشيات التابعة لإيران تتهيأ لعملية عسكرية في إدلب مع تصعيد الموقف في جنوب لبنان على خلفية كشف الأنفاق على الحدود اللبنانية الإسرائيلية التي قام بحفرها حزب الله… لذلك أعتقد أن تحولاً يظهر في الأفق وقد يكون ساخناً”.
أبو خالد الدمشقي الناطق العسكري باسم هيئة تحرير الشام وفي تصريح له أشار إلى أنه
” بعد القتال الأخير الذي حصل منذ ما يقارب 8 أشهر استقرت الأوضاع واتفقت الأطراف على العديد من البنود، منها أن لا ينازع أحد الآخر في مناطقه تجنبًا لأي شرارة قتال آخر المستفيد منه النظام ومن معه من الميليشيات وقوات المحتل الروسي، إلا أنه ورغم ذلك الاتفاق لم نر التزامًا حقيقيًا من قبل عدة فصائل من مكونات الجبهة الوطنية فبشكل مستمر نرى التجاوزات في العديد من المناطق والاعتداء ومنها محاولات تمددهم للسيطرة على مناطق هي ضمن الاتفاق، ليس لهم حق بفتح مقرات أو وضع حواجز فيها”. وأضاف ” المتابع للأحداث يلاحظ أن المشاكل كلها تحدث في مناطق هيئة تحرير الشام، وما شهدنا مشاكل في سرجة أو في أريحا أو بالمعرة أو في عنجارة أو الغاب” وحسب رأيه أنه ” طالما كان الطرف الآخر يسعى لخرق الاتفاقات وتمدد مناطق نفوذه! وفي هذا الوقت من عمر الساحة! بينما تجد منهم من لم يحصن جبهاته على العدو كما يجب!! كنا نتابع عن كثب خرقهم لجميع الاتفاقيات وآخرها عندما قاموا بدخول “زيزون” ثم (صراريف) وهذا ما حصل في (جدرايا) حيث قامت مجموعات تابعة لفصيل أحرار الشام بفتح مقر داخل القرية.. فتعاملنا مع هذه الحالة كما كنا قد تعاملنا مع سابقاتها من عشرات التجاوزات، حيث أرسلنا لهم أننا نريد الجلوس ووضع حل للخلاف تجنبًا لأي تصعيد داخلي في ظل حشد المحتل الروسي والنظام قواتهم على تخوم إدلب، وقد أرسلنا وسطاء من وجهاء المنطقة إلى أحرار الشام في منطقة سهل الروج ندعوهم لجلسة تفاهم وإنهاء حالة الخلاف القائمة، إلا أن مساعينا قوبلت بتجاهل الطرف الآخر، مما اضطرنا لإعادة الأمور لما كانت عليه حيث قمنا بإخراج المقر من المنطقة ولم نقترب حتى اللحظة من أي موقع يخصهم، والسؤال لماذا يتقدموا الآن نحو جدرايا ؟ جدرايا لها موقع استراتيجي مهم كونها تربط سهل الغاب وسهل الروج وجبل الزاوية. وترصد اوتوستراد حلب اللاذقية، نعم لقد كان هذا الخرق الجديد من قبل الطرف الآخر ومساعي التمدد هذه تتعلق بأهمية هذه القرية الصغيرة.” ثم قال ” ندعو أحرار الشام في منطقة سهل الروج وجميع الفصائل لضبط النفس وعدم ادخال الساحة في تصعيد داخلي وخاصة في هذا الوقت الحرج، ولن نقف مكتوفي الأيدي تجاه من يحاول إدخال الساحة في صراعات جانبية، لنضع أيدينا معًا لمواجهة عدونا وحفظ المنطقة من طغيان الغزاة”.
ويبقى السؤال لماذا هذا الاقتتال اليوم؟ وهل هو مرشح إلى تطورات أوسع وأكبر في المناطق خارج سيطرة النظام؟ وهل له علاقة بما قيل عن قرب حسم موضوع تطبيق اتفاق سوتشي بما يخص ادلب؟ حيث يرى نشطاء ادلب غير ما تراه هيئة تحرير الشام فقد أكد الناشط صلاح الدين الادلبي بقوله ” فيما يتعلق بالاقتتال الداخلي الفصائلي وأكثر ما يجري بين هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) وباقي الفصائل لم ينته حتى يبدأ، وبات يتكرر باستمرار وخاصة بعد كل استحقاق، أو مؤتمر سياسي ربما يخدم ثورة الشعب، وفيما يتعلق بالاقتتال الجاري حاليًا بين الهيئة وحركة أحرار الشام التي هي من أبرز مكونات الجبهة الوطنية للتحرير في سهل الغاب فقط، لم تعرف أسبابه الحقيقية، هل هو فرض السيطرة على أوتوستراد حلب اللاذقية، أم التوسع الجغرافي للهيئة على حساب باقي الفصائل”. وأضاف صلاح الدين ” لكن بالمحصلة تصب نتائج هذا الاقتتال لصالح النظام الذي يخطط إلى إعادة السيطرة على المنطقة، والمتضرر الأكبر هو المجتمع المدني من خلال زج أبنائه ضمن هذا الاقتتال. بالإضافة أيضًا إلى نتائج مؤتمر سوتشي الأخيرة، ومن أحد بنودها التعامل مع الفصائل الراديكالية حسب تصنيف الضامن التركي لها، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا التوقيت هل أوعزت تركيا لحركة أحرار الشام للقيام بهذه المهمة؟!”
أما جمال سليمان عضو مجلس محلي سابق في منطقة أريحا فاكتفى بالقول ” الاقتتال الذي جرى ويجري اليوم الهدف الرئيسي منه الحصول على مناطق نفوذ لطرف على حساب الطرف الثاني، وليس له أي علاقة باتفاق سوتشي، وأعتقد أنه لن يتطور، ولن يتوسع إلى مناطق أخرى”.