تستمر الحكاية الدموية التي تصنعها العبوات الموضوعة في كل مكان من محافظة ادلب، في السيارات والدراجات النارية، وفي حاويات القمامة وعلى أطراف الطرقات، تستمر في عملية حصاد أرواح الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ.
ما بين نداء المراصد سابقًا ونداءات الاستغاثة حاليًا من انفجار حصل هنا أو هناك، لا فرق يذكر، سوى أن الموت واحد، لكن الأسباب تغيرت، وكذلك فالرعب بات يسكننا ليل نهار، في كل طريق بتنا نتجنب الساحات، أماكن التجمعات، والسيارات المركونة على أطرف الطرقات، وأصبح الرعب يسكن في كل زاوية من زوايا حيواتنا.
ويبقى السؤال الذي يرافقنا في كل سكناتنا دائمًا إلى متى؟!
إلى متى يبقى الرعب يسكن في كل الدروب، ويبقى القلق يقيم فراشه في قلوب الأهالي،
ليستمر نهر الدماء دون ضابط أو رادع.
هنا إدلب. نعم هنا، ويحكى أن شعبًا تمسك بوطن رغم كل المآسي والجراح،
يحكى أن أبًا قدم ابنه شهيدًا ثم حمد الله على كل حال، فهو من يقتنع أن كل حال يزول. ويحكى أن طفلًا مات تحت الأنقاض، فحمله والده وقال: الحمد لله الذي أكرمني بطير سبقني إلى الجنة. بل يحكى أن أمًا قُتلت وهي تحضن طفلها، الذي ولد في وطن حرمه طفولته، وتعدى فيه (من يمسك بسلطة الوطن) على كل ما قرأه الطفل من أن حقوقًا للطفل كانت قد سطرت في اتفاقات دولية، وبروتوكولات أُلحقت بها.
وبالرغم من كل ذلك بقي صامدًا ثابتًا لا يتزحزح، مؤمنًا بقضيته صادقًا في حبه لوطنه، ويدرك وجهته الحقيقية ، رغم صغر سنه ، لكن السؤال مازال قائمًا وماثلًا للعيان، فمع زحمة السياسة و السياسيين وهدوء الجبهات، وراحة المقاتلين، نقف أمام تعجب كبير عن سر التفجيرات الحاصلة مؤخرًا في إدلب وريفها، ونحن ندرك تمامًا الاستياء الكبير من المواطنين، هذا الاستياء الذي لم نلاحظه من قبل، مع قصف الطيران الروسي واستهداف الأسواق والتجمعات، لأن الشعب حينها كان يعلم قاتله، ويعلم إجرامه ودمويته، أما اليوم وفي الوقت الراهن لم يعد يعرف كنه الفاعل ولماذا؟؟
هل هو داعش؟؟؟ هل هو النظام؟ أم روسيا؟ أو أمريكا؟ هل هم (قسد)الأكراد؟ أم كل ذلك مجتمعين أو متفرقين؟! ولماذا الساحات والمساجد والتجمعات السكنية؟
المستفيدون من هذه المجازر كثر، ولكن المتضرر واحد، هو شعب وقف العالم كله ضده، فنالت منه سياط الداخل والخارج، لكنها لم تنل من عزيمته وصموده.
لنقف قليلاً عند التفجيرات الأخيرة في إدلب، لتكون تحت مجهر الصحافة، ففي العاشر تشرين أول / أكتوبر من العام الجاري يُستهدف الدكتور أحمد العمر بعبوة ناسفة ليرتقي شهيدًا وهو المسؤول الطبي لجيش الأحرار. وفي السابع عشر من تشرين أول / أكتوبر سقط مدني وأصيب آخر أثناء تفكيك عبوة ناسفة مزروعة في إدلب، في قرية معصران. تتعدد الأحداث وتكثر المناطق التي حصلت فيها تفجيرات عديدة مثل حي الثورة وساحة الساعة في مدينة إدلب، والاتوستراد الدولي (حلب اللاذقية) والكثير من المناطق الأخرى التي يصعب علينا ذكرها جميعها لكثرتها.
بعد الأحداث الأخيرة التي استعرضناها وتوضيح عدم التفريق بين مدني وعسكري في هذه العمليات، ومع هذا الانفلات الأمني، علينا (إن لم نستطع رد الضربة على أقل تقدير) أن نتفاداها. وليس بالأمر السهل أن نقيم دولة، ونحن نعلم أن أهم مقوماتها الأمان والحياة الكريمة، لكل مواطن أبيض أو أسود غني أو فقير.
لذلك لابد من جميع الجهات العاملة على الأرض أن تستغل هدوء الجبهات لضبط الأمن داخل المدن، وكف يد الإجرام عن هذا الشعب الذي يعاني كل أشكال الظلم والألم والحرمان. ويبدو أنه لا ضير اليوم من مخاطبة ضمائر العقلاء ممن يمتلكون السلطة والقوة في ادلب والشمال، أن يعملوا على منح هذا الشعب المنهك قليلًا من الراحة بعد رحلة جهاد طويلة مع الحياة .