مالك التريكي
لا يزال مسلسل الأدلة على حقيقة التحالف الموضوعي بين النظام الأسدي ودولة إسرائيل متواصلا. حيث أظهرت أحدث الحلقات، التي عرضها موقع ميدل ايست آي، أن إسرائيل، ممثلة في مدير الموساد يوسي كوهين، قد بحثت الشهر الماضي مع مصر خطة لإعادة تأهيل النظام الأسدي وقبوله في الجامعة العربية. عند هذا الحد من حلقات المسلسل، أصبح من حقنا أن نتقدم لأنصار النظام، المنتشرين على طول البلاد العربية، برجاء إنساني خال من الاعتبارات السياسية. ورجاؤنا هو أن يأخذوا، من هنا فصاعدا، بظروف التخفيف عند إنزالهم عقوبة الكذب المؤدلج علينا: لهم أن يستمروا في التهليل لانتصار بطلهم على شعبه المعذب المشرد وعلى ما تبقى من بلاده الممزقة المحرّقة، ولكننا نناشدهم أن يرحمونا ويعتقونا عتقا نهائيا من نكتة «الممانع» فلم يعد في هذه النكتة الشاتمة للذكاء الإنساني ما يضحك.
وإذا قبلوا بإعفائنا من هذه النكتة، فإننا مستعدون، في المقابل، أن نتفهم تهليلهم لتزايد عدد الدول التي تعتزم التطبيع مع نظامهم المحبوب، بل وأن نتفهم حسبانهم ذلك انتصارا سياسيا يتوج الانتصار العسكري. هذا رغم أنه لا مفاجأة بتاتا في اتجاه بعض الدول نحو تطبيع العلاقات مع دمشق. فالدول لا تتعامل مع الأفكار بل مع الوقائع ولا تحتكم إلى القيم بل إلى المصالح. والمعهود في السياسة الدولية، عند نشوب نزاع بين طرفين أو أكثر داخل بلد واحد، أن الدول لا تعترف إلا بالطرف الذي تؤول إليه الغلبة العسكرية والسيطرة الفعلية على معظم مناطق البلاد. حتى الدول التي تنحاز لطرف ضد آخر وتدعمه بالمال والسلاح لا تملك في نهاية المطاف إلا أن تعترف بالطرف الغالب عسكريا، بصرف النظر عما إذا كانت منحازة إليه بادئ الأمر أم لم تكن.
ولا يعني هذا أن الدول لا تتحرك إلا وفق المصالح. بل إنه يحدث في بعض الحالات أن تتحرك وفق بعض المبادئ والقيم، أو ما تزعم أنه مبادئ وقيم. إذ من المعروف أن بريطانيا وفرنسا كانتا مستعدتين مبدئيا للتدخل العسكري في سوريا دعما للثورة الشعبية، إلا أن ميوعة موقف أوباما أولا، وتصويت البرلمان البريطاني ضد التدخل ثانيا، قد حالا دون ذلك. ولكن حتى في الحالات التي يتم فيها التدخل باسم المبادئ والقيم، مثلما حدث إبان التدخل العسكري الغربي لدعم الثورة الشعبية الليبية، فإن هذا لا ينفي احتمال تشابك المواقف المبدئية مع حسابات الربح والخسارة.
وإذا كان للديمقراطيات الليبرالية مشروعية في مجال اتخاذ مواقف من النظام السوري منذ اندلاع الثورة الشعبية السلمية عام 2011، فإن من غير المعقول أن تزعم أي دولة عربية أن لها مشروعية مماثلة في هذا المجال. إذ إن الاختلاف بين الأنظمة العربية، بشتى تلويناتها، وبين النظام السوري ليس اختلافا في الطبيعة وإنما هو مجرد اختلاف في الدرجة. فجميع هذه الأنظمة تتحد في الطبيعة القمعية، ولا تختلف إلا في درجات الاستعداد لارتكاب المجازر، أي الاستعداد للدفع بروتين القمع اليومي المعتاد إلى نهاياته الجهنمية القصوى، تذبيحا للبشر وتهديما للعمران وتجفيفا للحياة. ولنتذكر أن القذافي هدد بإخماد الثورة الليبية بالحديد والنار، أي بنفس الطريقة الإجرامية التي سلكها النظام الأسدي بعد ذلك. ولهذا فقد برر التحالف الغربي تدخله في ليبيا بمنع القذافي من تنفيذ تهديداته. ومن ذا الذي يجرؤ على الجزم القاطع بأن الأنظمة العربية القائمة حاليا ستسلك مسلكا غير الذي سلكه النظام الأسدي، وهدد به القذافي، لو أنها جابهت نفس الخطر الذي جابهاه، أي خطر الهبوط من جنة الحكم التوريثي المطلق؟
فلا جدال إذن في أن الطبيعة المشتركة بين الأنظمة العربية إنما تجعل التطبيع مع نظام الأسد مسألة طبيعية لا تناقض فيها. وقد شاء التاريخ أن ييسّر لنا إدراك الدلالة، فجعل هذا التطبيع متزامنا، بل متضافرا، مع تسارع خطوات التطبيع مع إسرائيل، فإذا بأسرع المطبعين مع الأسد هو أسرع المطبعين مع نتنياهو. ولأن كل هذا طبيعي ومفهوم، فقد آن الأوان حقا ليعفينا القوم من هاتيك النكتة. نكتة الممانعة والمقاومة والصمود والتصدي.
المصدر: القدس العربي