هبة محمد
القدس العربي: 12/1/2019
تتعاظم التهديدات الدولية ضد «هيئة تحرير الشام» المصنفة على قائمة الإرهاب لدى الفاعلين الدوليين والمؤثرين في الملف السوري، بعد انتزاع الهيئة مساحات واسعة من الشمال السوري، تمتد من الريف الشمالي الغربي لمحافظة حماه جنوباً الى الحدود التركية شمالاً، ومن ريف حلب الغربي الى الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، وترسيم تبعية هذه المنطقة برمتها لادارة حكومة الإنقاذ التي تديرها النصرة، وفق اتفاقيات ابرمت على عجل، مع فصائل الجبهة الوطنية – أكبر قوة عسكرية حليفة لانقرة – بينما يقف العالم متحسباً لردة الفعل التركية – الروسية، وجدية المعركة المفترضة في إدلب ومحيطها.
فقد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن بلاده قد تنفذ عملية عسكرية مشتركة ضد «جبهة النصرة» بالاشتراك مع روسيا، بشرط «اقتضاء ضرورة» لم يفصح عنها، في ظل الحديث عن ضغوط روسية على تركيا من أجل جرها الى التنازل عن مناطق هامة على حدودها الجنوبية.
وزير الخارجية التركي أشاد بالتعاون بين بلاده وروسيا في مجال مكافحة الإرهاب، مشدداً على أن كلا البلدين راضيان عن تطبيق الاتفاق حول محافظة إدلب الذي تم إبرامه في سوتشي العام الماضي بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان،، مشيراً الى انه «ليس من السهل إنجاز كل ذلك مع وجود التشكيلات المتطرفة».
وتواصل تركيا عزمها على محاربة التنظيمات المدرجة لديها على قوائم الإرهاب، لكنها تجد نفسها امام خيار صعب يجبرها على الإسراع في ضبط الوضع الامني الخطير في منطقة ادلب، وازالة اي فرصة تشرعن للنظام السوري او الميليشيات الايرانية التقدم البري اليها، وما يقابل ذلك من إمكانية تشتيت جهودها التي صبت مؤخراً على قتال الحركات الكردية المسلحة في منطقة شرقي الفرات.
تكين: منظمة إرهابية
المحلل السياسي التركي حمزة تكين اكد لـ«القدس العربي» القيادة التركية توسم هيئة تحرير الشام على انها منظمة ارهابية يجب قتالها، مرجحاً عملية عسكرية ضدها، كما لفت الى ان «عداء هذه المنظمة المعلن للنظام السوري لا يعطيها الشرعية كما ان قتالها لقوات النظام لا يجعلها في موقع الضحية، هي منظمة ارهابية مدرجة على لوائه الارهاب التركية».
وأضاف المتحدث، ان انقرة من خلال اتفاق ادلب الذي عقدته مع روسيا في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر الماضي، حاولت ان تحفظ المدنيين في محافظة ادلب، الذي يناهز تعدادهم نحو 4 ملايين سوري، وما ان لاح نجاح الاتفاق حتى حاول هذا التنظيم الارهابي ومن يقف وراءه زعزعة الامن في إدلب واثارة الشغب والاشكالات الامنية وتشتت الانتباه التركي عن أهدافها ضد تنظيم «بي كا كا» و«ب ي د» الإرهابيين فما يحصل اليوم محاولة لصرف نظر تركيا عن شرق الفرات.
ورأى ان العملية العسكرية واردة، مدللاً على ذلك كون «تركيا حاربته أمنياً ولا يستبعد ان تحاربه عسكرياً وفي حال تمادى هذا التنظيم لا بد من رد عسكري تركي تقرره الإدارة السياسية، يقوده الجيش التركي على الأرض وهو من يقرر طبيعة التحرك» لافتاً الى ان تصريحات وزارة الدفاع الروسية حول «عدم السكوت على الارهاب في محافظة ادلب» جاء بعد اعطاء هيئة تحرير الشام الذريعة لروسيا وايران والنظام السوري للتدخل.
ومن وجهة نظر تركية قال تكين لـ»القدس العربي»، لا يمكن إلقاء اللوم على انقرة حيال ادلب، لان انقرة فعلت ما بوسعها ولكن هناك قوى تريد افشال اتفاق سوتشي وتعمل لصالح اجندة ايرانية روسية التي تصب بطبيعة الحال في صالح النظام السوري.
زاخاروفا: تعاون مع تركيا
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أشارت بدورها إلى أهمية منع تحويل المنطقة المنزوعة السلاح «إلى ملجأ للإرهابيين» مؤكدة على تمسك حكومة بلادها بتنفيذ الاتفاق الروسي التركي حول استقرار الوضع بمنطقة خفض التصعيد في إدلب وضمان الانسحاب الكامل للجماعات المتطرفة والأسلحة من منطقة نزع السلاح.
وقال الباحث السياسي نوار أوليفر ان التصريحات الروسية، تناقض الواقع وهي محاولة تهيئة الوضع العام لعمل عسكري محتمل، مستبعداً ان تشن معركة ضد محافظة ادلب لما في ذلك من تداعيات خطيرة على الجانب التركي اذ تضم المنطقة نحو 4 ملايين شخص، واي عمل عسكري سيؤدي الى نزوح المدنيين الى المناطق الآمنة وهي إما مناطق عفرين او درع الفرات او الاراضي التركية ما يؤثر على محاذير أنقرة. وأضاف «اوليفر» لـ«القدس العربي» ان اي عمل بري للنظام والمليشيات الإيرانية شمالي سوريا هدفه «استنزافي» صرف، فيما تندرج الاهداف الروسي الحالية ضمن اطار ضبط المنطقة ومحاولة العمل مع الاتراك من اجل تحسين الوضع الأمني، على ان تكون الخطوة الثانية هي تطبيق اتفاق المنطقة العازلة وتفعيل الخطوط الدولية ام 4 وام 5، مشيرًا الى «ان روسيا حالياً على الخط نفسه مع تركيا ولا ترغب بإقامة خلاف مع حليفها التركي الوحيد تقريباً في المنطقة، لذا تعمل روسيا على نشر قواعد عسكرية جديدة في محيط المنطقة العازلة لضبط الميليشيات الايرانية ومنعها من محاولة التقدم البري».
خيارات النصرة
وبعد سيطرة هيئة تحرير الشام على كامل مفاصل الشمال السوري، يُمكن الاعتقاد أن خيارات الهيئة باتت تنحصر بحسب مركز جسور للدراسات ضمن ثلاثة احتمالات، أولها إعادة إنتاج نفسها لنزع صفة الإرهاب عنها ومحاولة كسب مشروعية لبقائها وسيطرتها، ويقتضي ذلك إعلان حل نفسها ضمن وزارة الدفاع في «حكومة الإنقاذ» سواءً جرى الأمر بمبادرة مباشرة منها أو بشكل غير مباشر عبر إحدى الجهات التي تربطها معها علاقة متوازنة على الأرض، على أن يشارك في هذه الحقيبة ما بقي من فصائل الجبهة الوطنية للتحرير. ولجوء الهيئة إلى هذا الاحتمال غالباً ما سوف يُصعّب من آليات التعامل الدولي مع التشكيل الجديد؛ نظراً لاختلاط عناصر المعارضة المعتدلة مع مقاتلي الهيئة. كما أن هذا الخيار قد يدفع بعض القطاعات أو التيارات داخل الهيئة لرفضه، وبالتالي إما اندماجهم مع تحالف «حراس الدين» أي العودة إلى تنظيم القاعدة، أو بقاؤهم كقوة منفردة في الساحة. او الحفاظ على كيانها ومحاولة فرض نفسها كسلطة أمر واقع على الأطراف الدولية وأنها قادرة على الاستجابة لمتطلبات العملية السياسية، ويقتضي ذلك اتخاذ الهيئة إجراءات من شأنها أن تعكس عدم وجود تهديد منها للسلم والأمن الدوليين أي إعادة تعريف نفسها كتنظيم جهادي سلفي محلي لا يرتبط بالتنظيمات المعولمة، بل إبراز قدرتها على ضبط هذا الملف مثلما فعلت مع خلايا تنظيم «داعش» و «جند الأقصى». اما الخيار الثالث، فمواجهة رفض دولي مفترض لها، بمعنى أن الهيئة مضطرة للتعامل مع احتمال عدم استجابة الأطراف الدولية لجميع الخطوات التي اتخذتها من أجل إعادة تعريف نفسها كتنظيم سلفي جهادي محلي، وبالتالي سوف تتخذ مزيداً من الخطوات التي تسمح لها بالبقاء من خلال تعزيز اتصالها مع الحوامل المجتمعية التي تتعاون معها، والإبقاء على خط اتصال مع التنظيمات الجهادية المعولمة العاملة في مناطق سيطرتها. ومن شأن هذه الخطوات تعقيد آليات التعامل الدولية المفترضة تجاه الهيئة.
«لا بد من معركة»
من جهة أخرى قال المعارض السوري سمير نشار ان الحرب على النصرة أصبحت لزاماً على تركيا بعد فشلها في تنفيذ تعهداتها في اقناع هيئة تحرير الشام بحل نفسها او الاندماج مع جبهة التحرير الوطنية، خاصة بعد تمكن جبهة تحرير الشام من السيطرة على كامل محافظة ادلب والقضاء على الفصائل المؤيدة لتركيا.
وأضاف نشار لـ«القدس العربي»، ان هيئة تحرير الشام – وهي تعرف من خلال «استانة» و«سوتشي» ان القضاء عليها مطلب روسي- أصبح الحرب عليها واقعاً من قبل الروس وقوات النظام والمليشيات الإيرانية بالطبع، لافتًا الى ان مطلب الروس مشاركة تركيا بالمعركة هو لخلط الأوراق وعدم حشد الفصائل لمساندة هيئة تحرير الشام مثل جيش النصر وجيش العزة وآخرين، وبالتالي كسب قطاعات واسعة من مقاتلي الفصائل. من هنا المشاركة التركية بالهجوم على هيئة تحرير الشام مع بعض الفصائل يخفف بحسب المتحدث من قسوة المعركة التي ستواجهها قوات النظام والمليشيات الإيرانية، خاصة ان هيئة تحرير الشام أصبحت تسيطر على مساحات شاسعة ما يجعل ساحة المعركة كبيرة جدًا، ولن يكون سلاح الطيران الروسي فعالاً كما كان في حلب او الغوطة او درعا، كما ان الطقس حالياً في الشتاء لا يساعد الطيران. وأشار المتحدث الى ان اكثرية قواعد هيئة تحرير الشام هم من سكان تلك المناطق وتربطهم علاقات وصلات دم وقرابة مع باقي الفصائل خاصة فيلق الشام الموالي لتركيا وسيكون موقفه صعباً جداً وربما يتعرض لانشقاقات خطيرة ، نظراً لان مناطقهم هي من ستتعرض لاجتياح قوات النظام والمليشيات الإيرانية، مضيفاً «كل ما سوف يحصل في ادلب سيكون موضوع تبادل مصالح مع تركيا في شرق الفرات ومنبج ربما وسيكون مقابله صمت وقبول روسي بالتدخل التركي في شرق الفرات» بحسب رؤية المتحدث.