أحمد مظهر سعدو
لوحظ مؤخرًا أن النظام السوري يقوم بتسريح المئات من الضباط العاملين في جيشه وقواه الأمنية، وهناك من يرى أن للروس دورًا مهما في ذلك. حيث تشير معلومات من داخل الجيش أنه تم تسريح أكثر من 450 ضابطًا في قوات النظام، أغلبهم برتب عميد وعقيد، تم تسريحهم وإقالتهم في الشهور القليلة الماضية. وهؤلاء الضباط هم ممن أشرفوا على العمليات العسكرية ضد المعارضة والحاضنة الشعبية، ولم يظهروا في الإعلام أو اشتهروا، كسهيل الحسن وغياث دله. ومُعظم عمليات التسريح كانت تحت بدعوى أسباب صحية تتعلق بإصابات أثناء العمليات العسكرية. بالإضافة إلى اعتقال العشرات وزجهم في سجون النظام ومسالخه المخابراتية.
ويبقى السؤال الملح ماذا وراء كل هذه التسريحات؟ وهل يمكن القول بالفعل أنه لم يعد للقصر الجمهوري أي دور في جيشه وقواه الأمنية، وبات الروس يتحكمون في كل شيء؟ وما دور إيران ضمن السياق ذاته؟
العميد السوري المنشق وعضو هيئة التفاوض إبراهيم الجباوي أكد لجيرون أنه ” من المعلوم بعد دخول روسيا بشكل مباشر أواخر عام ٢٠١٥ فقد لاحظ الجميع أن جيش النظام بشكل عام أو شبيحته أو من يوالونه جميعًا، سواء من مدنيين أو عسكريين، لا سيما فئة الضباط من العسكريين، انقسموا قسمين قسم يؤيد إيران، وقسم يؤيد روسيا، ومن المعلوم والكل يدرك ذلك أن أي مبادرة لحل المسألة السورية سياسيًا، كانت إيران تقف عائقًا وتعرقل هذه المبادرة، لذلك كانت تموت في مهدها، ومن المعلوم أيضًا أن روسيا منذ بداية عام ٢٠١٧ بدأت تسيطر على القرار السوري، حيث بات بشار الأسد لا سيادة له حتى على نفسه، وبالتالي حتى قرار الحرب والسلم ليس بيد بشار الأسد، ومن خلال الاتفاقات التي تمت بين الروس من جهة وبين فصائل المعارضة من جهة أو وكلاء فصائل المعارضة من جهة أخرى، أو الفصائل الثورية بدون كلمة معارضة، فالفصائل الثورية سواء كانت مؤدلجة أو غير مؤدلجة ، سواء مباشرة أو عن طريق الوكلاء، كانت هذه الاتفاقات يتم إلزام بشار الأسد بها إلزامًا، فالتي تبرم الاتفاقات هي روسيا مع الفصائل الثورية، أو مع الفصائل الأخرى أو حتى مع المعارضة، ليس هناك قرار لبشار الأسد، إضافة إلى ذلك وبعد أن استفحل الانقسام في صفوف ضباط بشار الأسد والقسم الأوفر ذهب باتجاه روسيا، بدأت روسيا منذ أن سيطرت على القرار السوري، تتغلل في مفاصل الدولة لا سيما مؤسسة الجيش، من خلال ذلك بدأت بقصقصة جناح القسم الموالي لإيران، وبالتالي بدأت بعزل هؤلاء الضباط، لا سيما في ظل موجة من الترفيعات المخزية التي انتهجها نظام بشار الأسد لضباطه الذين كانت ترفيعاتهم اوتوماتيكية دون أن يوجد لهم الشاغر، وبالتالي كنا نرى أن الضابط يرفع رتبة أو رتبتين مباشرة قبل أن ينهي المدة، لذلك امتعضت روسيا من هذا التصرف، لا سيما أن هؤلاء المرفعين كلهم موغلة أياديهم بالدماء، وبالتالي أبعدتهم روسيا واعتقلت من هو أكثر خطرًا على النفوذ الروسي، من الموالين لإيران، وسرحت قسمًا كبيرًا من هؤلاء تحت مسميات عدة، انتهاء مدة الخدمة، بلوغ سن الستين، إصابته أثناء الحرب، وما شابه ذلك”. وأضاف العقيد الجباوي ” الحقيقة أنه تم عزلهم، هؤلاء الذين يعرقلون المسيرة الروسية في سورية أو يناوئون الاحتلال الروسي، ولكنهم يؤيدون الاحتلال الإيراني، وروسيا تستبق كل هذه الأمور التي قد تسبب ارباكًا لروسيا أمام المجتمع الدولي، وبالتالي روسيا تسعى لإيجاد حل ولو على حساب الشعب السوري، وطبعا نحن لا نرضى بهذا الحل الذي لا يلبي طموحات الشعب السوري بأي شكل من الأشكال، لكن روسيا تتفق مع المجتمع الدولي على ذلك ، ونحن لازلنا بثورة ، والثورة فكر والفكر متجدد ومتجذر أيضًا، لذلك لا نعتد بأي حل لا يرضي أو لا يلبي تطلعات الشعب السوري، ولو بالحد الأدنى ، وكما قلت إن روسيا تسعى جاهدة لبسط نفوذها كاملًا، ووضع يدها على كافة مفاصل الدولة، من هذا المنطلق بدأت التسريحات والاعتقالات وما إلى ذلك”.
العقيد السوري المنشق أحمد الحمادي قال لجيرون ” تصدر في كل عام نشرتين بخصوص الضباط، في الأول من تموز والثانية في رأس السنة، تحتوي الترقيات للرتبة الأعلى وفق المعطيات المعمول بها، والتسريح لإنهاء الخدمة وفق العمر لكل رتبة، فمثلًا سن ٥٦ لرتبة العقيد، فمن تجاوز هذا السن يتم تسريحه حيث الحد الأقصى للرتبة ٨ سنوات، فمن أمضى هذه السنوات ولم يتم ترقيته للرتبة الأعلى يتم تسريحه، وكذلك يتم تسريح الضباط لأسباب صحية وفق قرار يصدر من المجلس الصحي العسكري، يحدد نسبة العجز، وكذلك يتم التسريح لأسباب أمنية، وما أكثرها حسب التقييم الأمني للضباط، ويندرج تحت هذا البند من لم يوافق سياسة النظام، ولو بالشكوك، وكذلك يتم تسريح ضباط لأسباب مهنية وقضائية وفق ترتيبات قضائية، أو توصيات القادة، وهناك أسباب كالطرد من الخدمة بسبب جرم شائن أخلاقي، سرقة، خطف. الخ، وهناك استغناء عن الخدمة بدون سبب “. لكنه نبه إلى أنه ” يقوم الروس حاليًا بإعادة هيكلة الجيش مع الضباط الموالين لهم، فيتم استبعاد الضباط المشكوك بهم، ويتم تسريحهم أو نقلهم إلى قطعات غير هامة، بعد تفتيش للقطع العسكرية أو تقييم يتم اعتماده من قبلهم “.
أما العقيد عبد الباسط الطويل فله رأي مختلف حيث تحدث لجيرون بقوله ” لا شك أن الروس يمسكون بالقرار السياسي والعسكري السوري، وكل المؤسسات إن كانت أمنية أو عسكرية، تخضع لسلطة (ألكسندر زورين) العميد في القوات الروسية، وهذا ما أنا متأكد منه ولكن موضوع أن تشكل هذه التنقلات أو هذه التسريحات أمرًا جلل، فهذا ما هو غير الطبيعي”. وبرأيه أن هذه التسريحات ” لا تمت إلى شيء، وأعتقد بالنتيجة أنه ليس من هنا ستؤكل الكتف، ربما تكون هناك معادلة عسكرية تنظيمية قادمة، وتكون أقرب إلى الحل أو الخروج من الوضع الراهن، ولكن لا علاقة لهذه بتلك”.
الرائد والمحلل العسكري طارق عبد الهادي حاج بكري قال لجيرون ” توقف نظام المجرم بشار الأسد خلال أعوام الثورة عن تسريح الضباط الذين يثق بهم، ويستطيع الاعتماد عليهم في حربه التي شنها على الشعب السوري، الذي خرج مطالبًا بالحرية والكرامة وإسقاط نظامه المجرم. وقد وصل قسم كبير منهم إلى سن التقاعد خلال هذه الفترة، وفقًا للقوانين العسكرية والتعليمات الناظمة، وقد تم التمديد لمعظمهم لعدة سنوات وخاصة الذين كان لهم دور بارز في المشاركة بعمليات قمع الشعب وقتله. وتعرض عدد كبير منهم للإصابة وأصبحوا عالة على الجيش من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبحوا يظنون أن لهم حقًا ويجب أن يكون لهم شأن. مع العلم أنه خلال هذه الفترة قام النظام بتسريح عدد من الضباط دون التمديد لهم، أو قبل حتى انتهاء مدة خدمتهم، وتعرض بعضهم للتسريح بعد ذلك، وهؤلاء في غالبيتهم من الضباط السنة، وبعضهم توفي في السجن، نتيجة التعذيب، وبعضهم تم إعدامه رميًا بالرصاص، وذلك من أجل تنقية صفوف جيشه من أي خطر محتمل”. ويرى حاج بكري أن نظام الأسد ” اعتاد خلال الفترات السابقة وخصوصًا بعد حرب تشرين وأحداث الثمانينات، على التخلص من كل الضباط الذين يُحتمل أن يرفعوا صوتهم، أو يظنون أنهم قد أصبحوا بمستوى يخولهم حق النقد لمقام الرئاسة أو الضباط الذين كان لهم تواصل مع الخارج كروسيا وإيران. وبالتالي الآن هو يحاول استبدال هؤلاء الضباط بضباط آخرين، كانوا مرؤوسين، وهم أقل شأنًا، ولكن يجب أن يكونوا متورطين بالدم وتحوي سجلاتهم جرائم مرتكبة ويجب أن يكونوا من المخبرين على زملائهم، مما يثبت ولاءهم للنظام الحاكم، وجاهزون لارتكاب مزيد من الجرائم مقابل الحصول على امتيازات سلطوية أو مادية. أي أن نظام الأسد يستبدل مجموعة تم استهلاكها وأصبح وجودها ضارًا أو قليل المنفعة بالنسبة له، بمجموعة جاهزة لكل ما يطلب منها وأكثر حيوية”.
الرائد السوري المنشق إبراهيم مجبور تحدث لجيرون بقوله ” لم يعد يخفى على أحد حالة الضعف والتفكك الذي يعاني منه نظام الأسد وجيشه، حيث أن ما وصل إليه مخطط كي تكون الكلمة العليا في سورية هي لروسيا، ومن ثم إيران، أما بالنسبة إلى تسريح الضباط فهو يعود بنظري إلى سببين 1- أن روسيا لا ترغب في بقاء ضباط على رأس عملهم قاتلوا ودافعوا عن الأسد ( ولائهم للأسد وليس لروسيا ) 2 – يوجد رغبة وهدف إسرائيلي أن يكون عدد جيش بشار لا يتجاوز ال 40 ألف مقاتل، معظمهم من الشرطة طبعًا، وهذا ما صرح به بعض مندوبي الدول لي شخصيًا مع بداية الثورة”. وينبه مجبور إلى أن ” إيران لها دورًا كبيرًا على الأرض، طبعًا فيما لا يتعارض مع المصلحة العليا لروسيا، حيث تقوم بمهمة تشييع الشعب وبناء الحسينيات ونشر ثقافة اللطم والندب وزواج المتعة، كل هذا من خلال إفقار الشعب ومن ثم جذبهم إلى حظيرة حسينياتهم صاغرين طائعين كما أنها تسعى إلى حصولها على حصة كبيرة من إعادة الإعمار وإنشاء عصابات سورية عسكرية وسياسية تتبع لها بشكل مباشر فيما بعد تقوم بحماية مصالحها”.
المصدر: جيرون