مصير_ خاص
حوارنا اليوم مع الباحث السوري العروبي المعارض المهندس عبد الباسط حمودة، محاولة للولوج في ماهية الواقع السوري، ومفاعيله الدراماتيكية، التي أنتجت ما أنتجت من مآلات لا تخفى على أحد، والحديث مع الأستاذ عبد الباسط/ أبو يعرب شيق ومفيد، وهو المعتقل السابق، ومن خاض غمار مواجهة النظام السوري المجرم عبر نضاله المستمر والمتواصل منذ السبعينيات من القرن المنصرم، من أجل وطن ديمقراطي حر كريم، طالما حلمنا به جميعًا، خالٍ من حكم وبطش وعهر آل الأسد حيث يصفهم حمودة بالجواسيس دائمًا.
سألناه كيف يقرأ التحضيرات الجارية في جنوب تركيا وبمشاركة الجيش السوري الحر، في التوجه إلى شرق الفرات، فيما لو حصل ذلك. وكيف ينظر إلى سيطرة هيئة تحرير الشام على معظم الشمال السوري خارج سيطرة النظام. وأيضًا عن نظرته إلى مآلات هذه الثورة السورية اليتيمة كما يقال. بالإضافة إلى ما يقترحه على القوى الحية في الشعب السوري خروجًا من هذا النفق المظلم.
حيث أكد لموقع مصير بقوله ” كثرت الخطط والمخططات حول وعلى سوريا بعد انطلاق ثورتها وكل ذلك لحصارها وكسر ارادة شعبها وأحرارها.. فمن استدعاء ميليشيا الاجرام الطائفي وكذلك أحزاب القتل والبغضاء العربجية، حتى ايقاظ كل ما هو بغيض وحاط للكرامة الانسانية ضمن خطط ممنهجة من نظام الشبيحة الأسدي، وصولاً لشكل من “اسرائيل” جديدة شمال شرق سوريا بدعم من مهالك الخليج واليانكي البشع، دون مراعاة أدنى المعايير الأخلاقية وحتى المعايير السياسية.. وهذا كله يجب ألا يمر دون إيقاظ لكل مكامن الخير والدعم لمن تبقى من أحرار سوريا وثوارها، بهدف الاسراع في تحقيق ما خرجت من أجله ثورة الحرية والكرامة.”. وتساءل حمودة ” هل تغير شيء مع كل هذه الخطط بل المخططات الجهنمية على مستوى السياسات؟ والجواب بالتأكيد لا. لأن الهدف ليس إخراج سوريا مما لحق بها جراء تحالف الاستبداد المديد مع الطغيان العربي والدولي بخوضهم مواجهة مطالب الحرية التي رفعها ثوار وأحرار سوريا منذ آذار 2011، وسكوتهم جميعاً على الجرائم، وكل الدمار والتهجير والاعتقال والسحل التي مارسها حليفهم القاتل ومن قبله أبوه ولا يزال. إذاً تتعدد الخطابات مع تعدد الخطط دون أي تغير على مستوى السياسات والممارسات! بذلك يمكن فهم ما يجري ويراد من خلال التحضيرات وزج بعض بواقي ما كان يدعى الجيش الحر، ليخدم سياسات لم تعد تنعكس إلا سلباً على مسار الثورة ومآلاتها ومنها مشروع انسحاب الإدارة الامريكية وفسحُ المجال للنظام وحلفائه لبسط سيطرتهم على ما تبقى من المحرر، بعد السكوت ومشاركة داعش والنصرة بما سيطروا عليه من سوريا الحرة، ويدخل ضمن ذلك السكوت على بغاث القاعدة ومجرميها كي يستأسدوا على الجيش الحر من خلال تجفيف موارده وإغداق المساعدات بكل ما يدفع تلكم المجاميع الميلشياوية الظلامية الاجرامية كي تنمو وتخلق أوضاعاً جديدة تتلاءم مع تلكم الخطط والخطابات إياها.
وستكون خطط وسيناريوهات جنوب تركيا وشرق الفرات لمنع التمدد الإرهابي للداخل التركي ليس إلا، ويدخل ضمن هذه السيناريوهات استخدام النصرة والتي تسمت هتش كفزاعة للمدنيين بالمحرر من خلال النهب والقتل والاعتقال وأخيراً بسط السيطرة كلياً على ما هو شمال حماة وصولاً لغرب حلب.. فهل هذا تم بليل؟؟”. وأضاف حمودة ” أعتقد ان المحتل الروسي يقف خلف تلكم الخطط التي تشابه وقوفه خلف خطط نظام الجريمة الأسدي وميليشياته بنفس الممارسات والسلوك بما في ذلك التعفيش والقتل للمدنيين.. هذا كله بدعم وتمويل خليجي كامل للتأكد من كسر إرادة ثورتنا وشعبنا وبإشراف أمريكي وصهيوني معاً.. الأمر الذي تؤكده مجمل التقارير التي تعددت مصادرها بالفترة السابقة – خلال الأشهر الثلاث الأخيرة – للاستيلاء على مراكز إنتاج النفط والغاز، وفرض رسوم مرور على الأشخاص والمركبات والسلع مع الجوار، والضرائب على السكان والأعمال، والاستيلاء على ممتلكات الغائبين من السكان ومنع حتى الأقربين من أهاليهم التصرف بها.. وإجراءات تقاسم النفوذ والموارد ونهبها، مع شركاء الجريمة من الإيرانيين والروس الذين ربطت غالبية موارد وقدرات سوريا بهما وبميليشيا الأمر الواقع من كل المسميات داخل وخارج سيطرة نظام الشبيحة؛ فالكل يتفاوض مع الكل ضمن تصور ونهج المايسترو الدولي الأمريكي.” ثم قال “ونحن على أبواب الذكرى الثامنة لانطلاق ثورتنا والتبدلات السريعة من اقتراب النصر وابتعاده، ووعود عربية وغربية وخيبة الأمل من تحقيق هذه الوعود التي ثبت دجلها وليست إلا لشراء الوقت لصالح حليفهم المجرم القابع ناطوراً لمصالحهم في دمشق.. فثورتنا هي ثورةٌ نموذجية في تاريخ الثورات، لأن هدفها كبير جداً، ألا وهو تحطيم بنية قديمة بكل عناصرها المتشابكة الوظائف؛ من عصبية السلطة إلى شكل السلطة ورأسها وممارساتها، إلى الجيش والأمن والإعلام، إلى الموقف من (إسرائيل)، وقد حققت ثورتنا السورية جزءاً من عملية الهدم الضرورية لولادة البنية الجديدة.. لكن الصعوبة في مسار هذه الثورة هو أنها تريد أن تبني دولة، ذات سلطة دولة، على أنقاض سلطة بلا دولة أو دولة سلطة؛ وهذا أمر دونه عقبات خارجية كبيرة، ووضع داخلي مدمَّر، وبناء دولة على أنقاض سلطة هو أمرٌ يحتاج إلى صبر وإرادة كبيرين.
ذلك أن التعامل مع دولة مثل سورية، في حال قيام دولة ذات نظام ديمقراطي أمرٌ صعبٌ على جميع الدول التي خاضت بدمائنا وثرواتنا بما في ذلك سلطة الاحتلال الأسدي وباقي الاحتلالات المباشرة وغير المباشرة. فإذا كان التعاملُ مع سلطة بلا دولة، همها البقاء فقط أمراً سهلاً؛ فإن التعامل مع دولة شعب حرٍ مُثقلٍ بمركزية دمشق وحرّ في خياراته أمرٌ صعب كثيراً؛ فسلوك دولة ذات سيادة، تجاه احتلال جزء من أراضيها، يختلف عن سلوك سلطة لا يحتلُ هذا الأمر أيَّ جزءٍ من تفكيرها.. ولهذا فإن الغرب وأميركا يُفكّران بمستقبل سورية الذي يريدونه، وليس بمستقبل سورية كما يريده الشعب الذي ثار وضحى، وبالتالي لا داعي لخيبة الأمل من الغرب وأميركا.. وروسيا ليست راغبة في بناء دولة سورية بالمعنى المعاصر، وإيران ليست في وارد رؤية سلطة سورية مستقلة عنها؛ وبالمقابل لا يمكن لأميركا أن تدعم الشعب السوري إلى حد إنجاز عملية انتصار تُفضي به إلى قيام الدولة – الوطن.”. ثم أكد أنه ” ومع اهتراء نظام الشبيحة وممارسته للعنف والإرهاب بوصفه سلطة مهترئة، بذلك يمكن فهم مآلات ثورتنا والدور المنوط بالقوى الحية من شعبنا والذي هو جزء من الجيل العربي الجديد الذي انتشى بالربيع الديمقراطي العربي. فالسؤال الرئيسي الآن أمام المجتمع السياسي السوري الثوري التغييري، والمجتمع المدني ذي الروح نفسها: كيف لنا أن نستعيد سورية بوصفها قضيةَ شعب، لا بوصفها مسألةً توضع على طاولة التقاسم والنفوذ الدولي؟ وهل نحن قادرون على وضع الأسس والإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك من خلال عمل بناء ومستقل ووطني جامع؟