أحمد مظهر سعدو
تستمر وتتواصل المفاوضات التي تجريها أنقرة على مساري واشنطن وموسكو المتوازيين والمتزامنين، بشأن المنطقة الآمنة بجدية تستهدف كما يقال (توسيع هذه المنطقة في العمق السوري ما أمكن) وتحديد طبيعة القوى المعارضة المسلحة التي ستتولى أمن المنطقة (بإشراف عسكري تركي) وإدارتها، ويحكى أنه لن تسمح تركيا لغير حلفائها بلعب أدوار رئيسة على امتداد الشريط الحدودي. ثم البحث عن غطاء دولي مناسب لإعطاء السيطرة التركية على هذه المناطق السورية، نوعًا من الشرعية التي تريدها، ويبدو أن تركيا تفضل رعاية الأطلسي، وهي سبق أن طلبتها منذ بواكير القضية، بيد أنها لا تمانع إن حصلت على غطاء أممي على شكل قرار من مجلس الأمن. ويبقى السؤال هنا، ما موقف الكورد السوريين (من غير مجموعات الاتحاد الديمقراطي) في إقامة المنطقة الآمنة؟ وهل ستنجح يا ترى؟
رستم تمو المحامي وعضو الأمانة في إعلان سورية أكد لجيرون بقوله ” إذا تمعنت في الخيارات المتاحة للكورد في سورية بعد المتغيرات المتداخلة وأن مسألة إزالة ال (ب ي د) هي محسومة، وما يجري من مناكفات اقليمية ودولية هي لما بعد ال (ب ي د) وحصة كل طرف في التموضع الجديد القادم”. وأضاف لكن ” حال الكورد شعبيًا هو حال كل السوريين لا يملك من تقرير مصيره أي شيء، ويبقى رهينة بيد سلطات الأمر الواقع مهما كان تنصيفها، وفي السياق الذي تسأل يبقى خيار المنطقة الآمنة هو أفضل الخيارات المتاحة، طالما تريد (قسد) عودة هذه المناطق إلى حظيرة النظام، وهذا الخيار سيء جدًا، لذلك أعتقد من الأفضل التعاون في مسألة المنطقة الآمنة مع القوى الاقليمية والدولية، ولو بجزء بسيط جدًا من الفاعلية لأنه يهمنا نجاح التجربة، والحد من الآثار السلبية التي ظهرت في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، ولا نملك جميعًا اختيار الحلول المرسومة لمناطقنا، ولا أحد يأخذ برأينا سلبًا أم ايجابًا، لكن هذا لا يبرر أن نبقى متفرجين وعلينا التأثير ضمن المخطط المرسوم بما يخدم مصلحة شعبنا.”
أما مصطفى مستو محامي وناشط سياسي كوردي فقد تحدث لجيرون بقوله ” أعتقد أن فكرة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري هي مطلب تركي منذ 2012، إلا أن هذه الفكرة قوبلت بالرفض الأميركي حينذاك، والتي لو تم تنفيذها لتغيرت الكثير من المعطيات على الأرض، ليس بالنسبة للشمال السوري فحسب، وإنما على مستوى مسار الثورة السورية عمومًا، وفي ظل السيناريوهات المحتملة الحالية لشرق الفرات فإن الكورد السوريين مع إقامة المنطقة الآمنة من حيث المبدأ، وهي أفضل الحلول للسيناريوهات المحتملة التي ستحقق الأمن والأمان، وتجنب المنطقة من كارثة محتملة الوقوع فيما لو لم يتم الاتفاق على إخراج حزب العمال الكوردستاني من شرق الفرات”. ثم أشار مستو إلى أن ” إقامة المنطقة الآمنة هي فكرة جيدة وتلاقي القبول الكوردي، إلا أنه يبقى التخوف القائم هو حول آليات وكيفية إقامة مثل هذه المنطقة، وكما يقال بأن الشياطين تكمن في التفاصيل، والتي يفترض أن يتم تسليمها لإدارة مدنية مشكلة من كافة أبناء المنطقة، ومكوناتها، وأن يتم نزع السلاح الميلشاوي، وإخراج كافة العناصر غير السورية من شرق الفرات، وعلى العموم إن ملامح وشكل المنطقة الآمنة لم تتوضح بعد، ولم يتم التوصل الى اتفاق نهائي بشأنها لا اقليميًا ولادوليًا “.
الكاتب السوري الكوردي أحمد قاسم قال لجيرون ” أرى بأن الموضوع في إطار الأخذ والرد بين الأطراف الفاعلة في المسألة السورية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، مما يجعل من عملية إنشاء تلك المنطقة أمرًا معقدًا جدًا، لكل طرف حساباته تجاه ما سيؤثر في إنجاز المنطقة الآمنة أو العازلة، والتي (حتى اللحظة) لم يتم تسميتها بتوافق بين الأطراف، وبالتالي، أعتقد أن المهمة معقدة أمام الأتراك لمواجهات العديد من الأطراف الفاعلة. التي ترفض بالأساس إقامة مثل تلك المنطقة كقوات (قسد) ومن يديرها من الخلف (حزب الاتحاد الديمقراطي) والذي في حالة تفاوض مع النظام في دمشق للقيام بمواجهة القوات التركية، وكذلك رفض النظام أيضًا لما تطالب به تركيا في الشمال السوري مع رفض إيراني غير معلن.” وأضاف قاسم ” وسط هذه الأجواء المصحوبة بالمخاطر، والتي قد تؤدي إلى مواجهات عسكرية، ولو كانت بعيدة في الحسبان تتطلب العملية إتمام الحوار بين أميركا وروسيا أولًا، مع الطرف التركي، والتوافق على طبيعة المنطقة الآمنة وآليات تنفيذها، في حال تم تنفيذ قرار سحب القوات الأميركية من سورية، ومن سيملأ الفراغ لمواجهة أخطار داعش، و الجديد في المواقف أيضًا أن تركيا قد أعلنت من جهتها رفض إملاء قوات النظام الشريط الحدودي مع تركيا وبالتالي، فإن إصرار تركيا على تنفيذ إقامة تلك المنطقة أصبحت في درجة التنفيذ، لكنها تنتظر التوافق مع روسيا وأميركا، وهذا يعني أن تركيا ليست في حالة التنفيذ من طرف واحد، وقد تدفع المشهد نحو درجة عليا من التأزم، لتدفع بمجلس الأمن في التدخل، لطالما أن مطلب تركيا مطلب شرعي، وفقًا لمواثيق الأمم المتحدة لإرسال قوات فصل من جانبه أو تكليف قوات الحلف الأطلسي، وستكون من ضمنها قوات تركية”. ثم نبه إلى أن ” الأمر معقد أكثر مما نتصور، طالما الأمر تجاوز الأطراف الداخلية وأن اللاعبين الدوليين هم من سيقررون شكل إقامة تلك الحزام بطوله وعرضه بعيدًا عن إرادة حزب الاتحاد الديمقراطي كونه السبب الرئيس الذي خلق هذا النوع من الأزمة الفرعية، والتي هي جزء من المسألة السورية بشكلها العام. أما ما يخص القوى الكردية الأخرى فهي تؤيد بشكل فاعل إقامة مثل تلك المنطقة برعاية دولية لتكون منطقة الفصل بين القوات التركية والقوات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا. وبنظرهم أن الفصل بين القوتين سيبعد أتون الحرب في المنطقة لحين وصول المسألة السورية إلى حل سياسي عام وشامل”.
عبد الباري عثمان كاتب صحفي سوري كوردي أكد لجيرون ” الجغرافية السورية أصبحت ساحة تصفية الحسابات الدولية كون رأس النظام فيها أتى بظروف استثنائية وموافقة دولية، والثورة السورية اختلطت بها الكثير من الأوراق في الشرق الأوسط، وكل الدول تدخلت للحفاظ على مصالحها فيها، وتصفية حسابتها مع المختلفين معها، على هذه الجغرافية المهمة على الخارطة العالمية “. ثم قال بخصوص المنطقة الآمنة ” كانت مطلب السوريين الذين أرادوا الخلاص من ظلم النظام السوري وحلفائه، لكن كما بدا لم يرق ذلك للدول النافذة، وأرادوا أن ينفذوا أجندتهم لكسب مزيد من المصالح، في حين وعندما تمت الحشود للقوات التركية على الحدود التي تسيطر عليها قوات (سورية الديمقراطية) في ظروف القضاء النهائي على داعش صرح الرئيس الأميركي أنه من الممكن العمل على منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية، وخاصة في أماكن تواجد (قسد)، وهنا كثرت التساؤلات عن ماهية هذه الآمنة وخاصة لا يوجد تفاهمات حقيقة بين تركيا وأميركا بخصوص هذه المنطقة ، فتركيا تحاول إبعاد (قسد) من حدودها، وأميركا و(قسد) يقولون بأن الغاية التركية الوقوف بوجه الحقوق القومية للكورد السوريين، وفي الحقيقة كما أشرت سابقًا إن ال pyd ليس لديها مشروع كوردي وهي تحمي نفسها باسم الكورد، وللأسف الشديد المعارضة السورية وبعض الدول الاقليمية ومنها تركيا ساهمت بإلصاق القومية الكوردية بهذا التنظيم الذي يعيش على التناقضات والصراعات بين الدول”. ثم قال ” الكورد السوريون وأنا منهم يريدون علاقات حسن الجوار مميزة مع تركيا، وعلى تركيا التعامل مع الكورد السوريين على أنهم مكون مهم من المكونات السورية، بعيدين عن الفكر الأوجلاني والبارزاني، لذا من الأنسب أن تكون المنطقة الآمنة في إطار التوافق معهم عليها، ليكونوا شركاء حقيقيين في هذه المنطقة، كما يروها هم، وليس كما تراها أميركا ولا حتى تركيا، مع مراعاة مصلحة كل منها. المنطقة المراد منها المنطقة الآمنة كبيرة وتتطلب توافقًا حقيقيًا بين الأميركان والأتراك، ومكونات المنطقة لا نجاحها، إن تمت”.
المصدر: جيرون