محمد سعدو
هذا السؤال في الحقيقة مهم لمن يريد أن يعرف ماذا قدمت مدينة أريحا للثورة السورية على مدار ثمان سنوات وماذا اعطى أهل وأبناء هذه المدينة الجميلة الساحرة لقضية كفاح هذا الشعب.
مدينة أريحا هي مدينة تقع في محافظة ادلب الخضراء الجميلة على سفح جبل الأربعين الشامخ الذي هو جزء لا يتجزأ من جبل الزاوية. تحدها مدينة ادلب من الشمال ومن الجنوب معرة النعمان والى الغرب مدينة جسر الشغور كما يمر من خلالها طريق حلب المتجه الى لاذقية المتوسط. وتبعد عن مدينة حلب الشهباء ما يقارب ٧٢ كيلومترا.
هذه المدينة من أقدم المدن في سورية تتمتع بتاريخ عميق جدًا وهي واحدة من المقاصد السياحية الهامة والحية والرائعة لجمال طبيعتها ووجود معالم تاريخية وثقافية ومواقع أثرية كمغارة الاربعين في الجبل، وعدة معالم أخرى متميزة ترشحها لان تكون مدينة عريقة بامتياز.
يعود اسم أريحا بالمعنى العربي الى رائحة الاريج ورائحة الزهور، ويقال إنه يعود لوجود وكثرة عشبة وزهر الريحان في المدينة، وهذا الاسم عمومًا له أصول آرامية.
تاريخ المدينة قد يصل إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وفي العهدين الروماني والبيزنطي ما قبل الميلاد كانت أريحا مركزًا دينيًا هامًا وتتبع إلى انطاكيا، فتحها عمرو بن العاص عام ٦٣٧ م وكانت تتبع فيما بعد إلى حلب في العهد الأيوبي.
تشتهر زراعيًا بالكرز والوشنى والمشمش والتين والزيتون بكثرة باعتبار أن محافظة ادلب بالمجمل هي عاصمة وأرض زراعة الزيتون في سورية، وبالتالي هي جزء من هذه المحافظة الخضراء والرائعة.
دخلت أريحا في صراع مع النظام السوري المجرم، منذ مرحلة الثمانينيات عندما حصلت المجازر وجرى التنكيل بحق عموم السوريين حينها. واعتبرت شوكة في حلق هذا النظام بالعودة بمشاركتها مع العديد من المدن المجاورة لها الانتفاضة ضد الطاغية الأب، وأريحا تعتبر عاصمة جبل الزاوية ومركز هذا الجبل الرئيسي حيث تتبع لها كافة القرى والبلدات في هذا الجبل.
أما أهلها فقصة، وعندما كنت أزورها كانت روحي تبتسم وتطمئن عند ملاقاتها ورؤيتها، وهنا أغوص بكم بشهامة رجالها وعزتهم ونخوتهم وحرصهم على مساعدتك من دون أي مقابل وتمسكهم بدينهم وحفاظهم على طقوسهم والتفاتهم المشهود والمتميز حقيقة الى العلم والثقافة والفن وكل أشكال المعرفة. والحفاظ التام على عاداتهم الجميلة والراقية، فتراهم في الأزمات والمحن والشدائد رجالًا حقيقيون مغاوير يذودون عن الأرض والدين والعرض.
كما تراهم مجتهدين يعملون بكدهم وبعرقهم مبتسمين بسطاء مرحين لا يحملون البغضاء والكره لأحد يتسمون بأمانة وصدق وطيبة، وفي الحقيقة الطيبة والقلب الطيب هي سمة أبناء أريحا العز بالفعل حيث لا مكان للظلم والتجبر والكيد والكيل بمكيالين.
هم البساطة بعينها والصدق المتنامي هم أبناء مدينة الكرز والوشنى بطعمه الحلو ومذاقه الرائع ولونه الأحمر الملفت للنظر. إنها أريحا يا سادة وبشهادتي انا المنحدر من أب وجد وسلالة وعائلة ريحاوية عاشت في أريحا وأكلت وشربت من أرضها.
أما عن الثورة فهنا الكلام والحديث يطول، البطولات والتضحيات والدماء والشهداء، هنا الشجعان والنسور البيضاء المحلقة في السماء الجميلة التي حلمنا بها.
عاشت أريحا زمن هذه الثورة الخالدة ودخلت تفاصيلها وأحداثها مع كل المدن الأخرى التي شاركتها هذا العرس الشعبي الجميل الذي خرجنا به مؤكدين على أننا لن نعود إلا وقد سقطت الأصنام وهذه الطغمة الحاكمة الجاثمة على صدورنا منذ زمن.
قدمت أريحا خيرة أبنائها فداء لهذه الثورة والوطن، قدمتهم لإيمانها أن الدماء تبذل من أجل وطنهم ومدينتهم وقضيتهم التي خرجوا من أجلها.
وإن أردنا أن نسرد أسماء الشهداء فالقائمة تكثر وتطول، وعندما نريد أن نسرد قصص وأحداث ما حصل فالمشاهد تكثر وتطول، وحتى نكون منصفين نقول إنها قدمت الكثير بل والكثير الكثير وأعطت لنا دروسًا عظيمة بالكبرياء والعزة وسلمتنا شعلة النور المضيئة لنكمل من بعدهم ونسير حتى تحقيق منجزات الثورة التي أرادها الشعب السوري.
العوائل كلها قدمت زهرة شباب أريحا وعبقها وريحانها، وهذه الدماء الزكية لأجل كلمة الحرية والعيش الكريم ولأجل سوريا المستقبل فكانوا في الحقيقة مصابيح من نور والأشجار وكل شيء جميل في هذه المدينة. لكن هو رسم هذا الكفاح الشعبي السوري العظيم الذي أقسم على كسر رأس هذا المحتل الأسدي وأعوانه الفرس المجوس.
لم تغفل ثانية عن ثورتها وهذا النضال الذي سوف يخلده الدهر والتاريخ وستتحدث عنه الأجيال القادمة وماذا حصل من أساطير وبطولات رسمت على أرض هذه المدينة وعلى كامل أراضي سوريا.
أريحا ومع مرور العام الثامن للثورة مازالت مصرة على العطاء وهي التي قدمت ما لديها من امكانات وحاربت هذا النظام بما تستطيع، وأرعبت أعوان وآلة الأسد القمعية، وأثبتت إنها القلعة الصامدة في وجه روسيا والنظام وإيران ومن يريد أن يكسر صوتها الحر وصوت سوريا العاشق للحرية. وأريحا ستظل عصية عليهم محررة أبية. عزيزة شامخة مستمرة عازمة على السير وإكمال الطريق طريق الحرية والنضال نحو بناء وطن جديد يحترم كافة مكوناته وأطيافه ويعبر عن حالة ديمقراطية سلمية سليمة تسمح ببدء عهد لهذا الوطن.
ورغم كل التحديات ورغم كل ما يحصل وما قد حصل لا زلنا واحد بإذن الله لا يفرقنا شيء مهما كانت الخلافات فالثورة ونضال ٨ سنوات قادرة على أن تجمعنا كلنا تحت راية الحرية..
فلتعش عروستنا ولتعش معها محافظة ادلب الخالدة في ذكريات وعقول الاجيال القادمة التي ستتحدث بدون شك ويومًا من الأيام عن أرض اسمها ادلب الخضراء العصية دائمًا على كلاب الاسد وأنجاس إيران والروس.
ستبقى الأرض والحضن الجامع لكل أبناء ثورة الشرف والكرامة ثورة سوريا العظيمة مؤكدة أنها باقية حتى آخر رمق على الحلم وعلى الآمال والطموحات التي رسمها السوريون والتي لابد بها أن تتحقق.. وليس بذلك على الله بعزيز.