بسام مقداد
حين كانت قمة سوتشي منعقدة الأسبوع الماضي بين الرؤساء بوتين وأردوغان وروحاني، كان الحديث في إسرائيل عن “أوهام روسيا الشرق أوسطية” في إطار مؤتمر دولي مخصص للبحث في “دور روسيا الجديد في الشرق الأوسط”. وقد عُقد المؤتمر في 12 الشهر الجاري في “معهد السياسة والإستراتيجية” (هرتزيليا) الإسرائيلي، الذي يترأسه الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد، بالإشتراك مع “معهد كينان” الأميركي الشهير، المتخصص بالشؤون الروسية. وينقل موقع “Detaly” الإسرائيلي الناطق بالروسية في تغطيته للمؤتمر، بأنه كان يحمل طابعاً أكاديمياً، وحضره كثيرون من العسكريين بلباسهم الرسمي والمدني، ولم يحضره اي ممثل روسي رسمي، وإن كانت اللغة الروسية تُسمع في القاعة.
ينقل الموقع عن مدير المعهد الإسرائيلي قوله، إن روسيا ليست حليفاً إستراتيجياً لإسرائيل، ولا يمكن لإسرائيل أن تتبادل معها المعطيات الإستخبارية أو التكنولوجيات الحديثة. ويقول هذا الباحث الإسرائيلي إن روسيا، وبعكس ما يفترض محللون كثيرون، غير قادرة على إخراج إيران من سوريا، وإن كانت ترغب فعلياً في الحد من نفوذها، “وهنا يأتي دور إسرائيل”. ويؤكد بأن إسرائيل مفيدة لروسيا في هذا الأمر بالذات، لكن جميع الاتفاقات معها “لا يمكن أن تكون إلا سرية”. كما يؤكد أن إسرائيل بدورها، هي بحاجة لموافقة روسيا في أمرين: حظر وصول إيران إلى الجولان، وحرية حركة الطيران العسكري الإسرائيلي ضد الإيرانيين في سوريا، دون تهديد حياة العسكريين الروس. ويعتبر الرجل أن وجود الولايات المتحدة في سوريا مهم بالنسبة لإسرائيل، وينتقد قرارها الانسحاب من هناك، ويعتبره قراراً خاطئاً.
من جهته، دافع مدير معهد كينان البرفسور ماثيو روجانسكي عن القرار الأميركي بالإنسحاب العسكري من سوريا، وأكد أن لدى الولايات المتحدة ما يكفي من “القوة الناعمة” لمواجهة روسيا في المنطقة. وقال إن على الولايات المتحدة، ينبغي عليها في كل الأحوال، أن تدعم إسرائيل، وأن لا تتدخل إذا كانت العلاقات مع روسيا تساعدها في تفادي المواجهة معها. لكنه اشترط أن تكون هذه العلاقات شفافة جداً، وأن لا تنقل إسرائيل لروسيا المعلومات الإستراتيجية أو التكنولوجية.
وكان لافتاً في هذا الصدد رأي أميركي آخر، هو رأي السفير الأميركي السابق في إسرائيل، دانييل شابيرو، الذي قال إن اتفاقية روسية أميركية مفترضة بعنوان “أوكرانيا بدل سوريا”، ليست أمراً مستبعداً، إذا لم تسق أية اتهامات ضد ترامب، وإذا ما نشأت “ظروف ما مؤاتية” لذلك. وقال بأن الإنسحاب من سوريا قد يكون مرتبطاً بهذا الأمر.
أما النائبة في الكنيست الإسرائيلي، والمستعربة كسينيا سفتلوفا فتقول بان روسيا مهتمة بلبنان ايضاً، وبالدخول إلى سوق النفط والغاز اللبنانية، وتؤكد أن ليس لدى روسيا الإمكانيات لإبعاد إيران عن سوريا، كما ليس بوسع أحد إبعاد روسيا نفسها عن سوريا.
ومن جهته، يؤكد السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن ورئيس الوفد الإسرائيلي للمفاوضات السابقة مع السوريين إيتمار رابينوفيتش، أن ترامب كانت تراوده، فعلاً، فكرة عقد صفقة مع روسيا، لكن التحقيقات ضده قد طمستها. ويرى الرجل أن عودة روسيا إلى الشرق الأوسط جعلها تطمح لأن تكون من جديد لاعباً دولياً، لكن “هذا وهم” كان يعاني منه الإتحاد السوفياتي ايضاً. لكنه يرى أن من المهم الحفاظ على الحوار معها، لأنها، وخلافاً للاتحاد السوفياتي، لا تنتهج سياسة مبالغة في عدائها لإسرائيل، بل تنظر إلى الوضع ببرودة وبراغماتية. ويقول إن روسيا يمكن أن تصور نفسها دولة عظمى عسكرياً، لكنها ضعيفة إقتصادياً. ويوافقه الرأي باحث أميركي آخر، مشارك في المؤتمر، ويقول بأن روسيا تشكل التحدي الأضعف للولايات المتحدة، بالمقارنة مع تحدي كل من إيران والصين، وذلك بسبب ضعفها الإقتصادي وحروبها في سوريا وأوكرانيا.
هذه الصورة عن روسيا و”أوهامها” في الشرق الأوسط، التي يقدمها مؤتمر هرتزيليا الإسرائيلي الأميركي، يكملها ما ينقله الإعلام الروسي غير الرسمي في الفترة الأخيرة عن ما تعانيه روسيا من صعوبات في علاقاتها مع حلفائها في سوريا، وخاصة مع إيران، والذي انعكس بوضوح في النهاية البائسة لقمة سوتشي منذ ايام، والتي وصفها موقع روسي بأنها انتهت إلى “لاشيء”.
في إطار الحديث عن منصة أستانة والمشاكل بين أطرافها، كتبت صحيفة “NG” قبل يومين من انعقاد قمة سوتشي مقالة بعنوان “روسيا تبحث عن مقابل لإيران وتركيا في سوريا”، قالت فيها بأن منصة أستانة بحاجة لتوسيعها. وقالت الصحيفة، بأنه كلما اقتربت الحرب الأهلية في سوريا من النهاية، كلما تباعدت مواقف المشاركين في أستانة. وقالت بأن الطموحات الجامحة لكل من أنقرة وطهران، لا يمكنها أن تدفع بوضع الأمن في سوريا إلى الهاوية فحسب، بل يمكنها أيضاً أن تعرض للأذى مصالح روسيا الاقتصادية. وأشارت إلى أن الوضع في سوريا، الذي فرض تشكيل منصة أستانة، قد تبدل الآن، وأصبح من الواضح أن منصة “الترويكا” هذه قد استهلكت نفسها، ويمكن الحفاظ على التوازن في سوريا بإشراك بلدان أخرى في عملية التسوية، هي على علاقة مباشرة بالمعارضة السورية .
من جانب آخر، وفي إطار الحديث عن مدى التدهور في العلاقات بين روسيا وإيران في سوريا، كتبت صحيفة القوميين الروس”SP” في 19 من الجاري تقول، بأن إسرائيل تشتكي من التهديدات المتصاعدة من قبل إيران قرب الحدود السورية الإسرائيلية، ما يهدد باندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط، كما تشتكي أيضاً من سلوك العسكريين الروس المتغاضي عن سلوك الإيرانيين في المنطقة المذكورة.
وتقول الصحيفة، أنه خلافاً للتعهدات، التي قطعتها روسيا على نفسها لإسرائيل، بانسحاب إيران من المنطقة المجاورة للحدود السورية معها، انسحبت هي نفسها مع سوريا منها، وتقوم إيران بتعزيز وجودها فيها. وتقول إن حزب الله يقوم في محافظة درعا بتجنيد الشيعة المحليين والبدو وتزويدهم بوثائق وملابس الجنود النظاميين السوريين، وإسكانهم في شقق خاصة. وتستهجن الصحيفة موقف دمشق وموسكو من كل ذلك، وتقول بأنهما تراقبان ما يقوم به الفرس وأتباعهم، وتقفان عاجزتين، أو تتظاهران بالعجز، عن القيام باي شيء.
وترى الصحيفة أن على القيادة الروسية أن تفكر، ليس بتوفير الأمن لإسرائيل فحسب، بل عليها أن تفكر أيضا بمصير الوحدات العسكرية الروسية في سوريا، في حال أصدر نتنياهو أوامره للدبابات الإسرائيلية باجتياح الحدود مع سوريا، كما حدث في لبنان العام 2006.
وتذكر الصحيفة، أن ردة الفعل على السلوك الإيراني في الجنوب السوري، لا تقتصر على الإسرائيليين فحسب، بل تخطتهم إلى الأميركيين أيضاً، الذين قرروا البقاء في قاعدة التنف وحمايتها بصواريخ “القبة الحديدية”، التي قرروا شراءها من إسرائيل.
المصدر: المدن