آلاء العبد
مع اقتراب الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة السورية، التي انطلقت أواسط آذار/ مارس 2011، يلج السوريون عامهم الجديد أمام خيارات مجهولة، فكان عام 2018 عاماً صعباً مرّت فيه على السوريين والثورة السورية أحداثاً كثيرة، غيرت من الجغرافيا السياسية وأعادت سيطرة النظام على الأراضي بعد خسارته لها لأكثر من 8 أعوام.
بعد سقوط حلب عام 2016 والكارثة التي تسببت في هذا السقوط، وبعد أن فقدت المعارضة أحد أهم معاقلها وهي بلدات الغوطة الشرقية إبان حصار وتشريد وقصف عنيف بجميع أنواع الاسلحة الكيماوية والثقيلة دام لأعوام، حيث شهدت الغوطة الشرقية مجزرة الكيماوي عام 2013، استشهد فيها حوالي 1500 شخص، ثم مجزرة دوما بالأسلحة الكيماوية، والتي انتهت بسقوط عدد من البلدات، وخروج المقاتلين إلى الشمال السوري، وسيطرة قوات النظام على كامل الغوطة الشرقية.
في منتصف العام 2018، وفي أيار تحديداً، خرج مقاتلو المعارضة السورية من ريف حمص الشمالي وسط سوريا باتفاق مع روسيا ينص على خروج من يرغب من المدنيين والمسلحين إلى الشمال السوري، على أن تتسلم الشرطة العسكرية الروسية إدارة المنطقة.
وفي أيار جرت عملية خروج (تنظيم الدولة) من مخيم اليرموك، بعد حصار قوات النظام للمخيم بذريعة التنظيم لأعوام مضت، حيث تم التوقيع على اتفاقية بين قوات النظام وقوات تنظيم الدولة/ داعش، يتم بموجبها خروج عناصر التنظيم إلى البادية السورية، والقيام بحالة استلام وتسليم بين النظام وداعش.
أما في تموز/يوليو من عام 2018 كانت الضربة الأقوى للثورة السورية فخسرت أهم معاقلها معنوياً وهي محافظة درعا وما تعنيه درعا للسوريين، وهي مهد الثورة السورية حيث البداية من الانعتاق، والتحرر من الاستبداد، كانت من درعا، وأولى المظاهرات خرجت من درعا، لتشمل جميع الأراضي السورية، وفي درعا استشهد أول متظاهر سلمي سوري، وفي درعا قصفت المساجد والمآذن والبيوت لأول مرة في تاريخ سورية الحديث، وفي درعا استشهد أول طفل سوري تحت التعذيب.!! وهو حمزة الخطيب، فما تعنيه درعا للسوريين له أهمية كبيرة في تاريخ الثورة السورية.
وبعد تطويق دام 8 أعوام خارج سيطرة النظام، استطاع نظام بشار أن يسيطر على البلدات كاملة، وعلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن ضمن اتفاقية أبرمت مع الجانب الروسي، تقضي بخروج من أراد من المقاتلين الى الشمال السوري في ادلب وتسوية أوضاع من أراد البقاء مع تسليم كافة الأسلحة الثقيلة الى روسيا، وهكذا تكون قد خسرت قوات المعارضة السورية أحد أهم معاقلها بعد مدينة حلب.
اقليميًا أعلنت القوات التركية دعمها لقوات الجيش الحر في مطلع العام مع عملية أسمتها (غصن الزيتون) لتحرير مدينة عفرين في الشمال السوري من قوات (سوريا الديمقراطية)، ودامت العملية حوالي شهرين انتهت بهروب عناصر قوات (سوريا الديمقراطية)، وسيطرة قوات المعارضة السورية على كامل مدينة عفرين.
بهذه العملية تكون تركيا قد أنهت الحلم الانفصالي القائم على إنشاء دويلة كردية عبر تنظيم انفصالي تعتبره تركيا مساً بأمنها القومي.
وفي نهاية العام أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزم بلاده عن انسحاب القوات الأميركية الموجودة في الأراضي السورية، ثم حدثت مراجعات لهذا القرار من جانب عدد من المؤسسات الأميركية، وبعض الرموز المحسوبة على الكونجرس الأميركي، رغم الترحيب المتحفظ بهذا القرار من جانب تركيا.
ومع تكرار العمليات الاسرائيلية على الأراضي السورية ومحاولات تقويض دور إيران في سوريا، جاءت عودة افتتاح دولة الامارات والبحرين سفاراتهما في دمشق، وسبق ذلك زيارة الرئيس السوداني عمر البشير للعاصمة السورية دمشق، وهو ما يعني الإعلان عن قبول عربي دولي ما لما يجري في سوريا من أحداث ومجازر ترتكب بحق الشعب السوري، ثم جاء تنظيم مؤتمر سوتشي المتعلق بمدينة إدلب خاصةً، والساعى نحو إقامة منطقة آمنة منزوعة السلاح، وبهذا الحدث انتهى العام 2018.
هذا العام الذي كان مليئاً بالأحداث والتحولات التي مرت على السوريين والثورة السورية، والذي ينظر إليه الكثير من السوريين على أنه عام التغييرات العميقة في مسار الثورة، وخاصة مع تقدم قوات النظام السوري في الجانب العسكري، مدعومة من قوات روسيا وسيطرتها على أجزاء واسعة من الجغرافيا السورية، ومع تقويض العملية السياسية حالياً، وفشل جميع المؤتمرات المتعلقة بالقضية السورية من جنيف وأستانة.
على الرغم من هذه التحولات، سياسياً وعسكرياً، لم يستطع النظام السوري وروسيا إعلان الانتصار، وانتهاء الحرب، فالظروف الداخلية وإصرار السوريين على التمسك بثورتهم، ووجود أطراف إقليمية ودولية، ما بين معارضة ومتحفظة على الوجود السوري والتمدد الإيراني، في سوريا، حالت دون هذا الاعلان، وتوقف الأمر عند نقاط محددة، مع تضييق وحصار سياسي دبلوماسي اقتصادي لنظام بشار، ثم بدأ يتحول هذا الحصار تدريجياً نحو إيران وميليشياتها.
وهنا تكمن الفرص ويكمن الأمل بظل آلام بعضها فوق بعض، حيث جاءت الاحتجاجات الشعبية في إيران، والعقوبات الأميركية عليها، ومحاولات الحشد الإقليمي والدولي المضاد لها، وتنفيذ عدد من العمليات الأمنية في الداخل الإيراني، وتفعيل قانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية، وهو بطريقه للتطبيق، والموقف العربي حول عودة النظام للجامعة العربية، ورفض الاتحاد الأوربي أي حديث عن إعادة الاعمار في سوريا قبل الحل السياسي، وفشل الروس بمشروع عودة اللاجئين حيث طرحوا مشروع عودة مليون ونصف لم يرجع منهم سوى 7 آلاف شخص. مع فرار أغلبهم نتيجة السوق الاجباري للتجنيد، والبنك المركزي خالي من العملة الصعبة وتنامي احتجاجات داخل صفوف الموالين للنظام، نتيجة غياب المواد الأولية من الغاز والوقود، وإذلال الناس وتنامي الخلاف الروسي الإيراني الذي طفا على السطح أكثر من مرة، ثم صمت الروس عن ضرب الإيرانيين ومواقعهم العسكرية، والتأكيد الأميركي أنه في حال الانسحاب من شرق الفرات، فلن يُسمح للنظام بدخول المنطقة وتعزيز القاعدة العسكرية الأمريكية بالتنف، وهي ممر عبور الطاقة.
وغيرها من أمور منعت النظام والروس، وأفشلت انتصارهم وفشل تعويم النظام، بل بدأت المحاكم الوطنية الأوربية تلاحق رموز النظام الأساسيين، ثم انقسام قوى النظام إلى قوى مرتبطة بالروس، وأخرى مرتبطة بإيران، وهم بحالة غير مستقرة.
كل هذا وغيره قد يعطي أملاً لقوى الثورة والمعارضة للعب دور سياسي وتفاوضي وحقوقي عبر أدوار ضاغطة كثيرة، لكن مازالت تحتاج إلى تجميع الصفوف والعمل الجمعي، الذي يُساعد في استمرار النضال لتحقيق الهدف التحرري من الاستبداد.
وإذا كان حلفاء النظام متوافقين، فإنهم ليسوا متفقين، ولاتزال بعض القوى الإقليمية والدولية تحول دون تفرد النظامين الروسي والإيراني في الساحة السورية، بل إن هناك مواجهة متصاعدة للنفوذ الإيراني، وربما يحمل عام 2019 في طياته آمالاً كبرى لهذا الشعب، الذي دفع الكثير من دماء وحرية وكرامة أبنائه للتخلص من الاستبداد والطغيان، وتبقى إرادة الشعب التي لم ولن تقهر، ورغم كل المخاضات العنيفة، فإن نظام بشار ومعه ثاني أقوى قوى عسكرية في العالم (روسيا) وواحدة من أقوى القوى الإقليمية في المنطقة (إيران)، لم يستطع بعد مرور ثماني سنوات، منذ بداية الثورة في 2011، وحتى اليوم تحقيق الانتصار على هذا الشعب الصامد، دفاعًا عن حريته وكرامته، وسعياً نحو تحقيق حلمه وترسيخ مبادئ ثورته، وكنس الاحتلال الأسدي للوطن السوري.