أحمد مظهر سعدو
مئات الآلاف من خيرة شباب ونساء وشيوخ وأطفال سورية، يعيشون منذ سنوات في غياهب السجون والأقبية تحت الأرض التي صنعها النظام الأمني السوري، ليُغيِّب فيها كل من يمكن أن يكون له رأي أو موقف إلى جانب ثورة الشعب السوري، التي انطلقت أواسط آذار / مارس 2011، والمشكلة في الواقع ليست فقط فيما يعانيه السجين السياسي داخل أقبية الموت الأسدي، ولا في أساليب التعذيب التي تمارس بحقهم، ولا مصيرهم المجهول وسط صمت العالم (المتحضر) فقط، بل هناك عذابات أخرى ومعاناة أشد وهي ما تعيشه أسر المعتقلين، التي تجاوزت أعدادها مئات الآلاف. هذه المعاناة التي تفقأ العيون، وتلفح الوجوه، فوجدنا أنه لابد من تسليط الأضواء عليها، في محاولة جادة للوقوف حقًا إلى جانب المعتقلين وقضيتهم العادلة، ومع أسرهم الذين يعيشون كل أنواع المآسي.
الصحفية السورية فرح عمورة التي تم اعتقال زوجها الطبيب سعيد النجار من العاصمة دمشق منذ ما يزيد عن 6 سنوات ونيف، تحدثت لجيرون بقولها ” زوجي طبيب ومعروف أنه يُطلب منه ومن كل الأطباء عند التخرج أن يقسم على قسم (أبقراط) ليساعد أي جريح أو مريض، لكنهم اليوم وفي اعتقاله الأول والثاني يحاسبوه ويعاقبوه بطرقهم التعسفية على شيء أقسم عليه أساسًا، وهو واجبه”. وأضافت عمورة ” لقد أخذوا زوجي من غرفة العمليات، وحرمونا منه لفترات طويلة، واليوم لا نستطيع أن نعرف عنه أو عن مصيره أي شيء، كما أن التعذيب الذي تعرض له في الاعتقال الأول إجرام لا يستوعبه عقل، وهو شيء غير موجود بقانون الإنسانية، ولابد أن يتم تقديمهم للعدالة، ولكن أي عدالة أساسًا يمكن أن تُحاسب مثل هكذا أشخاص أو هكذا عصابة، يجب أن يكون هناك إدانة مباشرة لا تسامح، وليس هذا حقنا الشخصي فقط بل هو حقوق البشر والوطن”. ثم تحدثت عن معاناتها بعد الاعتقال فقالت” لما كنت أتردد على الشرطة العسكرية بدمشق لأسأل عن مصيره، كنت أشاهد وأشعر أن كل سورية موجودة ى أبواب الشرطة العسكرية، ولديها معتقلين تسأل عنهم، ومن كل المحافظات، وبكل المآسي، وكان التعامل السيء جدًا من قبل الشرطة العسكرية مع أسر المعتقلين، وبدلًا من أن يراعونا وهم من أخذ معتقلينا، كانوا يتعاملون معنا بطريقة تعسفية وبطريقة سيئة، وكلام غير لائق، وطريقة غير لائقة، وانتظار طويل، وإهانات، وطوابير بشر، لساعات طوال ينتظر الأهالي كي يحاولوا فقط أن يروا أسماء أبنائهم، كنا نرى اللؤم والفظاظة والحقد، إنهم فعلًا عصابة، وحتى قانون الغاب فيه شيء اسمه قانون الغاب، لكنهم كانوا يتعاملون معنا بطريقة غوغائية لا يوجد فيها أي إنسانية، أي بلا قانون” كما أن عمورة وجهت نقدًا للمعارضة والمنظمات حيث اتهمتها ب ” الإهمال والتخلي عن ذوي المعتقلين، فليس هناك منظمات تسأل عنا أو هيئات معارضة تهتم لأسر المعتقلين بكل أسف “.وقدTop of FormBottom of Formوقدى
أما سليم أبو النصر ابن المعتقل سعد الله أبو النصر والمعتقل منذ أكثر من سبع سنين من مدينته أريحا فقال ” نأمل من الله عودته سالمًا مع أن الموضوع مضى عليه قرابة سبع سنوات وهو مريض بالقلب” ثم أضاف : ليس الأمر لي وحدي فلكل أبنائه وأقربائه الحق في القصاص، لكن المسامحة صعبة للغاية، إلا إذا كانت في سبيل تعافي بلادنا من جديد بتحقيق الأهداف التي خرج شعبنا من أجلها، وعلى ما عانينا بفقدان والدنا فإننا نكره هذا النظام الفاجر، كما يكره المؤمن أن يُقذف في النار بعد أن أخرج منها، حيث أوصلنا اعتقال والدنا إلى الحالة النفسية السيئة، فلا يكاد يغادر طيفه أذهاننا وخاصة والدتنا زوجته، علاوة على التخلي وعدم الاهتمام بنا من أطراف المعارضة كافة”.
الطبيب البيطري خليل سيد خليل من مدينة كفر تخاريم والمعتقل السابق في العديد من أفرع الأمن، والذي عانى ما عانى، كما عانت أسرته بغيابه يتحدث لجيرون بقوله” حياة المعتقلين في السجون السورية شديدة الأهوال، لكن معاناة أسرة المعتقل أثناء فترة الاعتقال لا تقل عن معاناة المعتقل، إن تأمين المعيشة اليومية للأسرة، وتأمين السكن وتربية الأطفال، بعيدًا عن مد العون لهم، إلا ما ندر، من تقديم بعض التعاطف، وفي أغلب الأحيان يدير المجتمع ظهره لهذه الأسر، فتكون النتيجة تحمل الأعباء، من أجل تأمين المعيشة اليومية للأسرة، وتأمين السكن وتربية الأطفال”. وتابع يقول ” لو كانت منظمات المجتمع المدني تهتم بهؤلاء الأسر للمعتقلين لكان الوضع أفضل بكثير، كما أنه حتى المعتقلين وبعد خروجهم من السجن يعانون كثيرًا بتأمين الحياة اليومية، والمسؤولية تقع على الجميع، المجتمع والمنظمات المدنية “.
الكاتبة الصحفية ياسمينا البنشي المعتقلة السابقة أكدت لجيرون” أن معاناة أهالي المعتقلين تفوق الحدود، معاناة الفقد والتغييب القسري والتعذيب والقتل تحت التعذيب وحتى الحرمان من تسليم جثة المعتقل لدفنها بشكل إنساني. أما المعاناة الأكبر لهم فهو استغلال المحامين في مناطق النظام، والسماسرة، وابتزاز الأهل ليحصلوا على معلومة عن معتقلهم وزادت عمليات النصب والكذب على عائلات المعتقلين في الآونة الأخيرة على خلفية توق الأهل وشوقهم لأبنائهم وذويهم المغيبين في سجون النظام السوري. ” ثم تحدثت عن التخلي بقولها ” هناك تخلي عن هذه القضية سواء من المجتمع الدولي، أو من المنظمات الدولية، وحتى الواجهة السياسية للمعارضة السورية، التي فضلت العمل على حقيبة الدستور والانتخابات التي تؤمن استدامة لمناصبهم وسفرهم. “.
أما موسى الهايس رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان فرع الخارج فأكد لجيرون أنه ” لم تحظ قضية المعتقلين بالاهتمام المطلوب لا من المعارضة السورية المتصدرة للمشهد السياسي، ولا من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ذات الشأن، التي اقتصرت على التذكير بهم بيانات خجولة كالبيانات التي تصدر عن المنظمات الحقوقية والتي توثق أعدادهم كمنظمة العفو الدولية ، وغيرها من المنظمات الحقوقية السورية، الأمر الذي كان سببًا في الكثير من المآسي على أسرهم، سواء عل الصعيد الانساني أو الحقوقي ، ومما زاد في معاناة ذوي المعتقلين ما قام به النظام مؤخرًا بإبلاغ أسر بعض المعتقلين لديه، بضرورة الشروع بإجراءات تثبيت وفاة ذويهم، الذين كانوا رهن الاعتقال في السجون والمعتقلات. وذلك بطريقة مهينة وتتنافى وجميع المواثيق الانسانية والأعراف الاجتماعية حيث قام النظام بالكشف عن قوائم تضم أسماء نشطاء كانت أجهزته قد اعتقلتهم، تبين أنهم لقوا حتفهم أثناء الاعتقال وإرسالها إلى دوائر سجلات الأحوال المدنية في المحافظات والمدن السورية مرفقة ببيان موحد عن سبب الوفاة على أنه طبيعي، وذلك دون تسليم جثثهم.”.
المصدر: جيرون