بشير البكر
سورية جرحٌ مفتوح على اتساعه، بعد مرور ثماني سنوات من الثورة. سقط أكثر من مليون قتيل، وتهجّر حوالي عشرة ملايين، وتدمّر ثلث العمران. هل يمكن أن يكون هناك ما هو أكثر وقعاً من الأرقام؟ إذا تركنا الأرقام تتحدث وحدها، فلن يجد السوري أمامه فسحة أملٍ، في ظل تخلٍ عربي ودولي عن المسؤولية السياسية والأخلاقية تجاه هذا البلد وأهله. ولكن الثورة لا تقاس بالأرقام، لأنها حركة الشعب في التاريخ، وهي مستمرة، طالما أن الأهداف لم تتحقق.
بات في حكم العادة في كل سنة، إجراء جردةٍ للسنوات التي مضت، ومحاولة استشراف ما تحمله السنة المقبلة. في كل وقفةٍ، هناك شعور يخامر السوريين بأن السنة الآتية ربما تكون مختلفةً عن بقية السنوات التي انقضت. وعلى أرضية هذا الأمل، يبدأون ببناء أحلام بشأن اقتراب الفرج وخاتمة المأساة التي طالت، ولم تتوقف تداعياتها الكارثية، إلا أنه في كل سنة تمر ينخفض سقف الطموحات. والثابت اليوم أنه لم يعد أحد يضع في حسابه نهاية تامّة للكارثة. وهناك إجماع بين السوريين على أن استعادة سورية كما كانت أمر مستحيل، ولكن هذا لا يمنع من الأمل بنهاية الحروب على الأرض السورية أولاً، وبعد ذلك على السوريين انتظار نوافذ أخرى، يمكن أن تنفتح على حلول. ومهما حصل، ليس أمامهم سوى استيعاب الدروس التي تعلموها على دروب النكبة. ومن هنا، فقط، يمكن لهم أن يؤسّسوا لمستقبل بلدهم.
وفي ظل الحال القائم على الأرض، لا أحد من السوريين يتوهم أن موازين القوى تبشر برحيل النظام قريباً، وذلك ليس لأنه نظامٌ تجاوز آثار الحرب، وبدأ يستعيد عافيته، وإنما لأن له وظيفة مرسومة، عليه أن يؤديها، وهذا الدور يحدّده له الروس الذين يمتلكون أوراق القوة، ويتحكّمون بمفاتيح النظام الأمنية والعسكرية والسياسية، فهم يحمون الأسد، ويؤمنون له الغطاءين، المحلي والدولي. وسبب دفاعهم عنه هو استعادة رأس المال الذي صرفوه، من أجل إعادته إلى المشهد من جهة، ومن جهة ثانية استخدام سورية قاعدة لهم، في ظل التجاذب مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ويكفي هنا تصريح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بأن وزارته جربت 360 سلاحاً في سورية. وفي جميع الأحوال، لا يمكن مقارنة حجم التأثير الروسي بنظيره الإيراني الذي بات في الدرجة الثانية من حيث النفوذ، ويتراجع تبعاً للحصار الاقتصادي المضروب على إيران.
إلى ذلك، لا أحد من السوريين يصدّق أن النظام سوف يعود إلى ما كان عليه قبل ثماني سنوات. وحتى لو عادت الأجهزة التي كان يعتمد عليها، لن يكون في وسعها أن تمارس السطوة نفسها التي كانت تتمتع بها قبل الثورة، لأن السوري كسر جدار الخوف من جانب، وعلى الجانب الآخر لم يعد لدى النظام الأدوات اللازمة لتركيز أدوات الاستبداد من جديد، وفي الوقت ذاته، لن يسمح له الروس بأن يعود إلى ماضي عهده، ومثال ذلك ما حدث في درعا أخيراً، حين حاول النظام أن يعيد نصب تمثال لحافظ الأسد في درعا البلد، وكانت النتيجة أن أبناء درعا نزلوا إلى الشارع، وهم يردّدون هتافات الثورة في أول أيامها، حين انطلقت شرارتها الأولى من حوران عام 2011. وكان جديراً بالملاحظة أن الشرطة العسكرية الروسية هي التي قامت بتهدئة الموقف، وهذا ما يحصل في المدن الأخرى.
مضت ثماني سنوات على الثورة، ولكن النظام لم يتغير ويستوعب ما حصل. ومع أنه انكسر، فقد تراجع إلى الخلف نحو زمن حافظ الأسد، في حين أن السوريين يدركون أن الحل ليس بيدهم، ولكن أي حلٍ لن يكون على هوى الأسد وروسيا وإيران.
المصدر: العربي الجديد