أيمن أبو هاشم
من طاوعته نفسه على تبني مواقف وسلوكيات تشبيحية، تصب في طاحونة الإجرام الأسدي، فلن يتحرّج أبداً من اختلاق الأباطيل والأكاذيب، حتى لو فقأت الحقائق الساطعة عينيه. هذا حال أنور رجا البوق الإعلامي للجبهة الشعبية / القيادة العامة، الذي يثير مجرد ذكره مشاعر الاشمئزاز، وهو الضالع منذ بداية الثورة السورية، في التغطية على جرائم النظام السوري، والمشاركة مع تنظيمه المأجور في استباحة الدم الفلسطيني. من آخر هرطقات خائب الرجا ولن تكون الأخيرة، تصريحاته حول تسليم رفاة الجندي الإسرائيلي زخاريا باوميل، الذي كان من بين قتلى معركة السلطان يعقوب عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والتي أكد فيها رجا بأسلوبه الحاسم في المخاتلة والتلفيق، ( أن تنظيمي ” داعش وجبهة النصرة ” هما من نبشا مقبرة مخيم اليرموك القديمة، وعثرا على جثة القتيل الإسرائيلي فيها، ثم قاما بتسليمها إلى الموساد الإسرائيلي، بعد خروجهما من المخيم، وتهجير من تبقى من أهله إلى الشمال السوري، عشية استعادة السيطرة على المخيم في شهر أيار 2018، وأيضاً حسب رجا فقد تمت العملية من خلال التنسيق مع تركيا ونقل الرفاة إلى إسرائيل عبر أراضيها ).
لم تمضِ بضع ساعات على هذه التصريحات التي نقلتها وسائل إعلام حزب الله “المنار والميادين” على لسان رجا في ليلة الثالث من نيسان الجاري، حتى استيقظ الناس في صباح اليوم التالي على تصريحات روسية رسمية، تؤكد بلا مواربة أو غموض أن ( روسيا وبالتعاون مع النظام الأسدي، هي من عثرت على الرفاة، دون تحديد المكان، وهي من قامت بتسليمه إلى الحكومة الإسرائيلية.. ). هكذا وبلا فاصل زمني أطول، يتيح نسيان ما تفوه به رجا من أكاذيب على الملأ، جاءت التصريحات الروسية، قاطعةً وغير مترددة قيد أنملة، في الكشف عن حقيقة العملية ومن يقف وراء هذه “الهدية” التي قدمها بوتين والأسد، حليفي فريق المقاومة المأجور، إلى نتنياهو على اعتاب انتخابات الكنيست الإسرائيلي.
ليست “الهدية” الأولى التي يقدمها بوتين إلى صديقه نتنياهو، كعربون على التفاهمات العلنية والسرية بينهما، فقد سبق وأن أعادت روسيا “الممتلكات الشخصية” للجاسوس الإسرائيلي كوهين، ثم قامت بإعادة دبابة “الميركافا” التي كانت من غنائم الفدائيين الفلسطينيين في مواجهات العام 1982، وكل تلك التقديمات الروسية، ذات الدلالات الرمزية الكبرى في السردية الصهيونية، بدأت منذ أن استدعى بشار الأسد القوات الروسية، لمساندته في حربه الشعواء ضد شعبه. في الوقت الذي كانت ماكينة النظام الإعلامية، تستخدم أنور رجا وغيره من مقاومجية العار، في تسويغ المجازر الروسية بحق الشعب السوري، على أنها ” انتصارات عظيمة على “الإرهاب” الذي أتت به المؤامرة الخارجية، لضرب محور المقاومة الذي يقوده النظام السوري”. تأملوا يرعاكم الله بهذه الرواية التي جعلت من أبو علي بوتين، حامي حما المقاومة من القوى الخارجية التي تستهدف ضربها وهزيمتها، وطبعا لابد – حسب مخيلة أصحاب الرواية – أن تقف روسيا في مواجهة العدوان الصهيوني بوصفه رأس حربة المؤامرة الخارجية !!.
في المقابل كانت حقائق السلوك الروسي في سورية، تؤكد حرص بوتين الشديد على استرضاء نتنياهو وحكومته العنصرية، وتكشف عن تهافت رواية النظام الممانعجي وأتباعه، وما أكثر الوقائع المشهودة على انبطاح نظام الأسد وإذلال مؤيديه، مع الصفعات التي تلقوها على وجوههم واحدةً تلو الأخرى، بعد أن استحالت الأراضي السورية، إلى حقل رماية للجيش الإسرائيلي، بموافقة وعلم القوات الروسية، وحال كل “هدية” كان يتلقاها رأس حربة المؤامرة الخارجية، من الضامن الروسي لأمن إسرائيل، بما لا يقل عن رسائل الضامن الأمريكي، وآخرها إقراره بسلخ الجولان عن الوطن السوري. كل تلك الفضائح المدويّة، كانت تقول لأنور رجا وأمثاله آما آن لكم أن تخرسوا.. وفضيحة تسليم رفاة الجندي الإسرائيلي، تكفي لوحدها كي تطمروا رؤوسكم في الوحل وللأبد.
على أن السخرية من مهازل الطبول الجوفاء، وهي تتعرى من كل أردية الكذب والنفاق التي لبستها لإخفاء بشاعتها الأخلاقية، لا تخفف من فداحة الخيانة الوطنية، التي اقترفها كل من شاركوا في هذه اللعبة الدموية المروّعة، التي دفع ثمنها غير المحتمل الشعبين السوري والفلسطيني. والتي لاتزال ألسنة التزوير والتزييف لرجا وأمثاله، تعلّق جرائم نظامهم المتوحش، على مشجب التنظيمات المتطرفة، وهم يعرفون من غض الطرف عنها وسهّل دخولها إلى مخيم اليرموك والبقاع السورية الأخرى. يكثف شاب فلسطيني مهجّر من مخيم اليرموك، الدور القذر الذي اضطلعت به أصوات الزور والبهتان، في معرض تعليقه على أكاذيب رجا المتواترة، ويرد عليها قائلاً: “حين كنّا نحاصر ونجوع على يد شبيحة تنظيمك، كنت تجعجع حينها، أن “الإرهابيين” من يقومون بذلك، وحين دمر النظام وروسيا المخيم عن بكرة أبيه في معركتهم المفبركة مع داعش في نيسان 2018، سمعتك تهلل بالنصر على أشلاء المخيم ودماء الأبرياء، وها أنت اليوم تريدنا أن نصدق روايتك عن تسليم الجندي الإسرائيلي، وأنت تتجاهل بكل وقاحة، أن أبي ورفاقه كانوا من أبطال معركة السلطان يعقوب، وقد ضحوا بدمائهم في مواجهة العدو الصهيوني، لا كي يقوم بوتين بتسليم قتلى العدو معززين مكرمين بعد كل هذه السنوات، ولا كي يتحدث أمثالك من الجبناء عن مقاومة لا تمت لها بصلة، فقد بذل شهداءنا الأبطال تلك التضحيات، كي نبادل أسراهم وقتلاهم، بمعتقلاتنا ومعتقلينا في سجون الاحتلال “.
هذه الشهادة تؤكدها وتصادق عليها، آلاف شهادات الفلسطينيين الأحياء من أبناء مخيم اليرموك، الذين عاشوا لحظات دخول الفدائيين مخيم اليرموك خلال الاجتياح الإسرائيلي قبل 37 عاماً، وهم يقودون إحدى الدبابات الإسرائيلية التي اغتنموها في معركة السلطان يعقوب، وفيها جنديين إسرائيليين تم قتلهم في تلك المعركة، إضافة إلى قتيل ثالث، وكانت تلك الواقعة المعروفة، أن دفعت المقبور شارون ليقول عبارته المشهورة وقتذاك ” لك يومٌ يا مخيم اليرموك”.
كان يدرك أهل المخيم، أن المخابرات السورية تعلم بمكان دفن القتلى في مقبرة اليرموك القديمة، وقد شاهد الكثيرون منهم، في عام 1999 بعد مفاوضات الشرع- باراك، قيام المخابرات السورية، باقتحام المقبرة وتغطيتها بسرادق، كي لا يرى سكان البنايات المحيطة بها، ما يجري بداخلها من نبش لقبور معينة، وخروج عناصر المخابرات وبأيديهم أكياس سوداء. تكرر هذا المشهد في عام 2007، ولكن بترتيبات أمنية أكبر، شملت إغلاق كافة الحارات المؤدية للمقبرة، أما آخر هذه المشاهد فقد تمت في 19 آذار من العام الجاري، حين قامت القوات الروسية بالدخول إلى نفس المقبرة، وإبعاد عناصر النظام والميليشيات عن المنطقة، وبقيت داخل المقبرة لمدة ثلاثة أيام متواصلة، قبل أن تغادرها بعد إنجاز مهمة خاصة، يبدو أنها كانت وثيقة الصلة بعملية تسليم رفاة زخاريا باوميل، والتي أعلنت عنها روسيا مؤخراً، وكشفت في تصريحاتها، دور النظام ومساعدته في إتمام هذه “العملية الهدية “.
ليس الإعلان الروسي من دحض أكاذيب أنور رجا، فذاكرة اليرموك عصيّة على التحريف، وستبقى الشاهد الأكبر على تواطئ روسيا مع النظام على تدمير مخيم اليرموك، وغيره من المناطق والمدن السورية المنكوبة، وعلى أدوارهما في استرضاء العدو الصهيوني على حساب تضحيات الفدائيين الفلسطينيين، وستبقى الشاهد الحي على كل من خان شعبه وشارك في قتله وطعن تضحياته..
Comments 1