آلاء العابد
لعبت المرأة عموماً دوراً في تطور المجتمعات أو حتى تراجعها، وعند الحديث عن المرأة لا نستطيع أن نغفل مساهمات المرأة السورية. فقد ساهمت المرأة السورية في التطور السياسي والثقافي والاجتماعي في سوريا. وأسست المرأة السورية عددًا كبيرًا من المجلات والصالونات الأدبية التي أثرت الحياة السياسية، عبر مشاركة الهموم العامة للمجتمع، ومن أهم المجلات (مجلة الشرق) التي أسستها “لبية هاشم” عام 1908م، و (مجلة العروس) التي أسستها ماري عجمي، وفي عام 1915 تم انشاء جمعية يقظة الفتاة العربية في دمشق وبيروت، وكانت هذه الجمعية من أول الجمعيات النسائية في الوطن العربي. وهناك عدة صالونات ثقافية لعبت دوراً كبيراً في زمن الاحتلال الفرنسي. كما لعبت المرأة اثناء التحرر من الاحتلال الفرنسي دوراً كبيراً، وهذا الدور الذي كان نابعاً من ثقافتها ووعيها السياسي وقراءتها للواقع وانفتاحها على العلم والعالم. أخذت المرأة السورية حقها في الانتخاب عام 1950، وحقها في الترشح عام 1953م وبذلك تكون المرأة في سوريا من أوائل السيدات العربيات التي أخذن حقهن في الانتخاب والترشح والحصول على المناصب السياسية. إضافة الى الحقوق الطبيعية مثل حق العمل والتعليم والتفكير وتبني المعتقدات.
كان دور المرأة كبير في الثورة السورية فكانت الثائرة المناضلة، شاركت في المظاهرات التي بدأت في آذار عام 2011 ونادت بالحرية واسقاط النظام، وتم اعتقال المئات من النساء من قبل النظام السوري، وعانت المرأة السورية من التعذيب والقتل داخل سجون النظام.
بعد اندلاع الحرب في سوريا بين قوات المعارضة وقوات النظام، ووقوع محافظات كبيرة بيد قوات المعارضة، وبعد عدة أحداث دراماتيكية، عمَّ السواد أغلب المناطق السورية وسيطرت الجماعات المتطرفة وأولها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتنظيم الدولة في العراق والشام المعروف بـ داعش.
وقد فرضت هذه الجماعات المتطرفة أنظمة وقوانين على النساء في المناطق التي يسيطرون عليها، ومنها ارتداء النقاب وعدم الذهاب الى المدارس وسوء الرعاية الصحية وغيرها.
وعانت المرأة في العراق والشام وتحديداً في مناطق سيطرة داعش من التعذيب والاتجار بها، واليوم ومع طي هذه الصفحة المؤلمة نستذكر بعض الحوادث، لكن لابد من إعادة النظر بدور المرأة وإلى أين تسير وستسير، ففي عام 2015 خطفت داعش ما يزيد عن 1800 امرأة أيزيدية وعرضتهم للبيع في سوق معروف أسموه سوق النخاسة، في هذا السوق يستطيع أي شخص شراء أي امرأة مقابل مبلغ من المال، كما فرضت داعش مجموعة قيود مجحفة لا تقبلها شرائع السماء ولا قوانين الأرض.
قيود داعش على تنقل النساء ولباسهم:
فرضت داعش قيود مشددة على اللباس وحرية التنقل في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وكان على النساء إذا ما أرادو الخروج فعليهم ارتداء النقاب، وارتداء لباس يغطي كامل الجسد ويجب أن تكون (حصرًا) باللون الأسود، مع اصطحاب مرافق (محرم) لها من أحد الذكور في العائلة، ويمنع الخروج من غير مرافق ومن لا يلتزم بالتعليمات يفرض عقوبات على أحد ذكور العائلة التي تصل حد الجلد أو دفع غرامة ماليةّ!!
كل هذه الأفعال زادت من عزلة المرأة عن الحياة العامة وحدت من ممارسة حياتها الطبيعية.
قيود داعش على التعليم والصحة:
فرضت داعش القيود والتعليمات على الرعاية الصحية للنساء، فقد منع التنظيم كل النساء من الذهاب الى طبيب/ رجل، وكانت غالبية الأطباء من الذكور، وكانوا يرفضن فحص النساء خشية العقاب، إلا في بعض الأحيان حيث يسمح للأطباء الأجانب المنتميين الى التنظيم لفحص المريضات لكن فقط في حالة الطوارئ. القيود على الصحة أيضاً زادت من تفشي الأمراض وتدني جودة الخدمات الصحية لاسيما أن عدد الطبيبات النساء كان قليل في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، مما يضطر أحياناً بعض النساء الانتظار لأسبوع كامل من أجل مقابلة إحدى الطبيبات، بسبب كثرة الأعداد المنتظرة وكان بعض النساء يضطرون أحياناً لزيارة أطباء رجال او صيدليات سراً ومن يكشف أمره يتعرض إما للقتل او للتعذيب.
أما التعليم فقد كانت بعض العائلات تمنع أبنائها من الذهاب الى المدارس وذلك بسبب الخوف من الغارات الجوية، ونقص المعلمين لأن غالبيتهم فروا الى مناطق آمنة خارج سيطرة التنظيم.
وبعد سيطرة داعش على بعض المناطق غيرت المناهج الدراسية واقتصر التعليم فقط على حفظ القرآن وبعض التعاليم الدينة حسب نظرتهم للعلم، وبعض العلوم الكونية وتدريب الأطفال على فنون الاقتتال. وعمل التنظيم على غرس أفكاره في أدمغة الأطفال من خلال العملية التعليمية. وقد منع التنظيم الفتيات اللواتي هن فوق سن 12 من الذهاب الى المدارس.
هروب النساء وبعض العائلات من سيطرة التنظيم:
وثَّقت منظمة هيومن رايتس ووتش العديد من الانتهاكات بحق النساء في زمن داعش، ومنها الاختطاف، وتزويجهن لأحد عناصر التنظيم أو أخد الاطفال من النساء واجبارهم الدخول في كتائب للقتال.
استطاعت الكثيرات من النساء الهروب من سجون داعش وتحدثن عن تصرفات التنظيم بحقهن من تعذيب واغتصاب وبيع وشراء لهن من شخص الى آخر.
تجنيد النساء في التنظيمات الإرهابية:
اهتم التنظيم بتفعيل دور النساء المنتميات الى صفوفه، وركز على استغلال الفتيات الأجنبيات لنشر أفكار التنظيم المتطرفة، واقناع المراهقات بالالتحاق بالتنظيم عن طريق تزويجهن لمقاتلي التنظيم، وقد حثَّت القيادات في داعش النساء على الانجاب والزواج، وقامت بعدة تسهيلات للزواج من النساء اللواتي يتم أسرهن حسب زعمهم.
أما بالنسبة لنشاط النساء في التنظيم فإنه متعدد، حيث توجد نساء انتسبن إلى جهاز أمني نسائي، ومنهن من تكون مهمتها الرئيسية استقطاب النساء الأجنبيات عبر الانترنت، وكانت هذه الكتيبة معروفة باسم كتيبة الخنساء التي تتبع لجهاز الحسبة.
وجهاز الحسبة هو بمثابة شرطة آداب تشارك فيه مقاتلات أجنبيات مهمتهن مراقبة النساء في أمور اللباس والسلوك، وفي العيادات والمستشفيات والشوارع.
وقد وضعت داعش شروط للالتحاق ب كتيبة الخنساء من ضمنها أن تكون الفتاة عزباء ولا يزيد عمرها عن 25 عام ولا يقل عن 18 عام. وتعددت مهام كتيبة الخنساء الى تنفيذ العقوبات بحق النساء من جلد وحبس وتعذيب وتزويج عناصر التنظيم وجمع المعلومات واستقطاب المراهقات عبر الانترنت.
بعد فشل التنظيم في إقامة دولة العراق والشام وانحساره في مناطق قليلة وإعلان ترامب القضاء على داعش في سوريا، تواجه النساء اللواتي كن تقطن في مناطق سيطرة داعش عدة خيارات وتحديات صعبة؛ فقد أصبحت المرأة مهمشة اجتماعياً، أولا لعدم تقبل المجتمع لها لأنها كانت تعيش في تلك المناطق، وثانيًا بسبب الأمراض النفسية التي أصبحت تعاني منها، وخرجت أيضًا فئة أمية كبيرة من النساء، وأصبحت جميع النساء اللواتي خرجن من مناطق سيطرة داعش يعشن في مخيمات شرق الفرات من خلال أوضاع صعبة للغاية.
أما عن النساء اللواتي تعرضن لجميع انواع الاضطهاد من داعش يجب على المجتمعات العربية والغربية بناء أماكن تستوعبهن واخضاعهن لعلاجات واختبارات نفسية لإعادة دمجهن. وعلينا جميعًا إدراك أن تطور المرأة علميًا هو تطور للمجتمع، وبناء المجتمع المتماسك يقوم على بناء الأسرة المتماسكة، والأسرة المتماسكة تقوم بوجود إمرأة متعلمة.
ومن الضرورة بمكان العمل على عودة دور المرأة السورية وتدريبها وصقلها لتعود المرأة السورية الرائدة بمشاركتها الفاعلة في المجتمع وبناء الإنسان والدولة والمجتمع الواعي المدرك لدورها.