حسين عبد العزيز
يشهد الملف السوري منذ أشهر حالة من الجمود السياسي والعسكري بشكل ملحوظ، إلى درجة يستدعي الأمر التوقف لقراءة ذلك. جبهة إدلب متوقفة على ما هي عليه منذ اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا، فلا روسيا قادرةٌ على ضرب الاتفاق، فذلك يكسر التفاهمات مع تركيا، الأمر الذي ينعكس في ملفاتٍ كثيرة، خصوصا أن موسكو تبدو بحاجة إلى أنقرة في المراحل المقبلة أكثر من حاجتها إلى إيران، ولأن تركيا قادرة على تغيير موازين القوى داخل المحافظة. مسألة الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، وما تلاها من الحديث عن إنشاء منطقة آمنة، ومن ثم تدخل عسكري تركي، أصبحت في حالة سبات، وترتب على ذلك توقف الحراك المحلي والإقليمي والدولي حيال هذه المنطقة: تركيا غير قادرة على انتزاع تنازلات من روسيا والولايات المتحدة، في حين يبدو أن واشنطن وموسكو تميلان إلى بقاء الأكراد قوة عسكرية ذات وزن في المعادلة الجغرافية لشمال سورية. كذلك شهد الانفتاح السياسي والاقتصادي العربي على دمشق تراجعا حادا، نتيجة الضغوط الأميركية على مصر والأردن ودول الخليج. وتسود حالة تريث واضحة في عملية التفاوض السوري، بدأت قبل أشهر من ترك مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، منصبه، وهي مستمرة، ولا يبدو في الأفق أن ثمّة رغبة دولية بإعادة تحريك المفاوضات في هذه المرحلة، لعدم توفر الشروط السياسية لذلك.
من الواضح أن الجغرافيا العسكرية السورية ستشهد ثباتا إلى أجل غير معلوم، ولن يستطيع المحور الروسي الإيراني السوري تغييره، في وقتٍ تبدو الإدارة الأميركية بصدد التمسّك بحضورها الاستراتيجي في الشمال السوري، بغض النظر عن شكل هذا الحضور، لأن ذلك سيكون أداة قوية في تنفيذ سياساتها السياسية والاقتصادية الخانقة ضد النظام السوري.
يترافق ذلك مع لجوء الولايات المتحدة إلى اعتماد القوة الناعمة استراتيجيةً لممارسة ضغوطٍ كبيرة على النظام السوري وإيران وروسيا، ويمكن تحديد القوة الناعمة هذه في ثلاثة مستويات:
سياسي، تمثل واضحا في الضغوط الأميركية من جهة، والأوروبية من جهة ثانية، تجاه بعض الدول العربية المهرولة نحو النظام. وقد بدأت ملامح هذا التوجه تؤتي ثمارها، فقد جمّدت جامعة الدول العربية فكرة مناقشة دعوة النظام السوري لحضور القمة العربية، في وقت جمّدت الإمارات عملية الانفتاح، وكذلك الأردن إلى حد ما. وقد استطاعت المؤسسات الأميركية المختلفة إقناع الرئيس ترامب بأن تطبيق سياسة القوة الناعمة تجاه النظام السوري لا تكفي، إن لم تكن هناك قوة عسكرية على الأرض، تحمي الإنجازات العسكرية التي تحققت.
اقتصادي، تمثل في الخناق الكبير الذي يعانيه النظام السوري، وأزمة الكهرباء والغاز أكبر مثال على تأثير العامل الاقتصادي. وقد نجحت الولايات المتحدة في دفع الأردن إلى تجميد عملية الانفتاح الاقتصادي تجاه سورية، وقد اجتمع لأجل ذلك الملحق التجاري الأميركي لدى عمّان، مع ممثلين عن قطاع الصناعة والتجارة، وما صدر عنه من توجيهاتٍ بقصر التبادل التجاري والمساهمات في الإعمار على العراق.
وجاء التحذير الأميركي واضحا، من حيث أن التبادل الاقتصادي يشكل خرقا للقوانين الأميركية ذات الصلة، ويضع من يخترق هذه القوانين تحت طائلة العقوبات الأميركية المباشرة. ويعتبر الموقف الأميركي هذا تحذيرا لحلفائه في المنطقة، قبيل إقرار قانون “قيصر” في الكونغرس الأميركي، والذي ستوازي قوته فعالية العقوبات المفروضة على إيران وكوريا الشمالية.
المستوى الثالث هو المستوى القانوني، إذ شهدت مؤسسات الأمم المتحدة حراكا قانونيا متسارعا لم تعرفه السنوات الماضية، فقد عقد مجلس الأمن منذ أكثر من شهر اجتماعا لبحث استخدام السلاح الكيميائي في سورية.
ومع أن مجلس الأمن لم يحدد مسؤولية الطرف الذي استخدم الأسلحة الكيميائية، إلا أن اللافت هو تحرّك منظمة حظر السلاح الكيميائي نحو تشكيل فريق لتحديد مسؤولية من استخدم هذا السلاح في سورية، وقد كانت هذه إشكالية كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا، فالأخيرة تطالب دائما بأن تحديد المسؤولية يجب أن يكون من اختصاص مجلس الأمن، أي الدول الرئيسة فيه، مع ما يعنيه ذلك من تسييس هذا الملف، في حين تطالب واشنطن، ومعها باريس ولندن وبرلين، أن تكون مهمة تحديد المسؤولية من منظمة حظر السلاح الكيميائي.
استُتبعت هذه الخطوات برفع دعويين في محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد أركان النظام السوري، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية. وعلى الرغم من أن الدعويين جاءتا بمبادراتٍ فردية من محامين، إلا أنهما تعكسان المناخ الدولي المتبلور نحو تفعيل القوة الناعمة ضد دمشق.
المصدر: العربي الجديد