فرزين نديمي
في 25 آذار/مارس، أعلنت فرنسا أنها ستوقف الرحلات الأسبوعية الأربع لشركة الطيران الإيرانية “ماهان للطيران” من المطارات الفرنسية وإليها اعتباراً من الأول من نيسان/أبريل. وأعقبت هذه الخطوة الحظر الذي فرضته ألمانيا في كانون الثاني/يناير على الرحلات التي تسيّرها هذه الشركة، في قرار استند إلى مخاوف أمنية وإلى تورّط “ماهان” في أنشطة غير مشروعة نفذها «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في سوريا.
لكن، حتى في ظل هذه الضغوط المتنامية، وجَدَ قطاع الطيران الإيراني سبلاً للالتفاف حول بعض العقوبات ومواصلة عملياته. فلا تزال شركة “ماهان” تسيّر رحلات إلى ميلانو وبرشلونة، على سبيل المثال، ويمكن للمسافرين بعدها مواصلة طريقهم إلى باريس عبر مسارات بديلة قصيرة. فضلاً عن ذلك، بالكاد تأثرت رحلات الشركة شبه اليومية إلى دمشق بصورة تذكر رغم ما كشفته وزارة الخزانة الأمريكية في الماضي بأن طائرات “ماهان” كانت “تنقل عناصر وأسلحة وأموال سراً على متن رحلاتها” إلى سوريا. وتوفّر نظرة أقرب إلى وضع القطاع الراهن المزيد من المعلومات المعمّقة حول مثل هذه الثغرات وما إذا كان بالإمكان إغلاقها.
قيود الأسطول
يرزح قطاع الطيران المدني الإيراني تحت وطأة قيود عملياتية فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا منذ أزمة الرهائن عام 1979، كما تمّ وضع نظام عقوبات أكثر انتظاماً في عام 2007. غير أن تدابير تخفيف العقوبات التي ضمنها الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 لم توفّر الكثير من الانفراج – فمن بين أكثر من 200 طائرة طلبتها إيران من شركات تصنيع غربية خلال فترة السماح اللاحقة، لم يتم تسليم سوى ثلاث طائرات “إيرباص” وثلاثة عشر محركاً ذوي مروحة توربينية من شركة “إي تي آر” الفرنسية-الإيطالية تمّ تسليمها فعلياً قبل أن تدخل العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ بصورة كاملة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ومنعت تلك العقوبات أيضاً توفير قطع الغيار والخدمات الفنية للطائرات الإيرانية التي تزور المطارات الأجنبية؛ حتى أن بعض المطارات رفضت تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود، مما أجبرها على السفر بحمولات وقود أكثر ثقلاً.
وحالياً، تُشَغّل ثلاث وعشرون شركة طيران إيرانية 156 طائرة مملوكة أو مستأجرة (26،626 مقعداً) من إجمالي أسطول يناهز مجموعه 300 طائرة (48،000 مقعد)، مما يعني أن نصف طائراتها تقريباً متوقفة عن الطيران بسبب نقص قطع الغيار. ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً، حيث من المرتقب أن تتوقف نسبة 8 في المائة إضافية من الأسطول عن الخدمة كل عام. وفي 14 آذار/مارس، تنبأ رئيس “هيئة الطيران المدني” الإيرانية علي عبد زاده عاماً صعباً لهذا القطاع بسبب العقوبات، مشيراً إلى أن أغلبية الرحلات المحلية تستخدم طائرات قديمة من نوع “فوكر 100″ و”بوينغ إم دي” التي لا بدّ من وقفها عن العمل قريباً.
وكانت العقوبات قد استهدفت بشكل أساسي عمليات شراء إيران لأي طائرة يكون أكثر من 10 في المائة من قطعها أمريكية الصنع. وحتى يكاد يكون من المستحيل أن تتمكن إيران من شراء الطائرات الروسية المنشأ على غرار “سوخوي سوبرجيت أس أس جي-100” إذ إن أكثر من 10 في المائة من قطعها وأنظمتها الفرعية أمريكية؛ ويمكن فقط لشركات الطيران غير الخاضعة للعقوبات شراؤها، وعليها خوض عملية الحصول على ترخيص لكل حالة على حدة عبر “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية للقيام بذلك. وتفيد بعض التقارير أن نسخة “روسية بالكامل” من الطائرة قيد التطوير وهي مخصصة للبلدان الخاضعة لعقوبات أمريكية، ولكن تشغيلها سيكون أكثر تكلفة من النسخة الأصلية أو من الطائرات الغربية المماثلة.
ووفقاً للتحليل الذي أجرته شركة “كلايد أند كومباني”، أعلنت الناقلة الوطنية “إيران للطيران” في عام 2016 أنها ستحتاج إلى ما يصل إلى 580 طائرة على مدار السنوات العشر المقبلة من أجل استبدال أسطولها القديم، والذي يشمل 300 طائرة بأسرع وقت ممكن في غضون السنوات الخمس المقبلة. لكن إيران بعيدة كل البعد عن تحقيق أي من هذه الأرقام اليوم. علاوةً على ذلك، لم تتوصل إلى حلّ بشأن ما إذا كان ترتيب الدفع الجديد بموجب “آلية دعم التبادل التجاري” (“إنستكس”) مع أوروبا سيسمح بشراء طائرات تجارية أو ما إذا كانت ستتمكن من الحصول على تراخيص “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” لشراء طائرات ستشمل من دون شك مكوّنات أمريكية أساسية.
مع ذلك، ينجح القطاع في المضي قدماً. فعلى الرغم من أن متوسط عمر أسطوله يبلغ 23 عاماً، إلّا أن شركات الطيران الإيرانية لم تواجه أي تدهور خطير في سجلات الأمان الخاصة بها بسبب العقوبات. وفي الواقع، تَراجع عدد الوفيات التي سببتها حوادث جوية في إيران خلال السنوات القليلة الماضية، بما يتفق مع التوجهات الدولية.
العقبات وعدم الكفاءة التشغيلية
في أيار/مايو وتشرين الثاني/نوفمبر 2018، شدّدت وزارة الخزانة الأمريكية من عقوباتها على شركات الطيران الإيرانية وعلى شركات الواجهة والطائرات الفردية. وفي السابق، كانت شركات الطيران الخاضعة للعقوبات قادرة على إرسال الطائرات التي استأجرتها من الشركات الأجنبية أو المسجلة على اسمها لإجراء عمليات صيانة دورية في الخارج. وقد دفع هذا التكتيك الحكومة الأمريكية على فرض عقوبات على الطائرات الفردية بشكل أكثر انتظاماً، مما تسبّب بمشاكل لشركات الطيران من خلال إيقاف المزيد من الطائرات عن العمل وتقليل العدد الإجمالي للإقلاع والهبوط والركاب وحمولات البضائع (على الرغم من أن الرحلات الجوية المحلية تمكنت من البقاء فوق مستويات ما قبل عام 2015).
كما تكبّدت شركات الطيران الإيرانية تكاليف باهظة من خلال صيانة أساطيلها المتقادمة بنفسها، ويعزى ذلك جزئياً إلى قيامها بذلك بشكل غير فعال للغاية. فعلى سبيل المثال، لقطاع الطيران في البلاد موظف واحد على جدول الرواتب لكل مقعد متوافر في الطائرة، مما يشير إلى تكاليف مرتفعة مخصصة للموارد البشرية على نحو غير منتظم.
كذلك، تحرق الطائرات القديمة وقوداً بكميات أكبر. فشركات الطيران الإيرانية تستهلك حالياً أكثر من 5 ملايين ليتر من الوقود يومياً، في زيادة بواقع 1.5 مرة عن المعايير الدولية. كما زادت طهران مؤخراً إنتاج وقود الطائرات في خمس مصافي تكرير للنفط لتلبية الطلب المحلي، لكن العقوبات تحظّر على النظام تصدير أي كميات وقود فائضة للتعويض عن التكاليف المتزايدة (باستثناء الشحنات المحدودة إلى أفغانستان وكردستان العراق وأرمينيا).
ووفقاً للإحصاءات الصادرة عن سلطات الطيران الإيرانية، تراجعت كل من عمليات المطارات وعدد المسافرين بنسبة 11 في المائة في الجزء الأكبر من العام الماضي مقارنة بعام 2017. وشهدت الفترة الممتدة من آذار/مارس إلى حزيران/يونيو انخفاضاً بمتوسط 6 في المائة في رحلات المسافرين (8 بالمائة للرحلات الدولية)، إلى جانب انخفاض بنسبة 9 في المائة في عدد المسافرين على متن الرحلات المجدولة. وبدورها، شهدت رحلات الشحن انخفاضاً بنسبة 7 في المائة.
إن هذه المشاكل – المترافقة مع واقع انخفاض سفر الإيرانيين إلى الخارج بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار تذاكر السفر وضرائب السفر وتكاليف المعيشة – تعني أن “هيئة الطيران المدني” لن تكون قادرة على الوفاء بخططها الرئيسية الرامية إلى التوسّع إلى وجهات دولية. وتشكّل فنزويلا الاستثناء الوحيد؛ فشركة “ماهان” سيّرت أولى رحلاتها المباشرة إلى كاراكاس في الثامن من نيسان/أبريل كما تأمل إيران في ترسيخ خدمة منتظمة لها هناك قريباً.
رسوم التحليق الإضافية
من المتوقع أن تخسر الحكومة الإيرانية بعضاً من دخلها من رسوم التحليق. وتفيد بعض التقارير إن أكثر من 1200 طائرة تحلّق فوق إيران يومياً، وقد تمّ تحويل العديد منها إلى هناك من مناطق نزاع إقليمية في السنوات الأخيرة. وتحصل إيران سنوياً مبلغاً ضخماً من هذه الممارسة يناهز 800 مليون دولار، حيث تتقاضى حوالي 1200 دولار لكل ساعة تحليق فوق أراضيها، أو زيادة بنسبة 20 في المائة بالمقارنة مع الدول المجاورة.
وهذا العام، تراجعت عمليات التحليق فوق الأجواء الإيرانية بمعدل 15 في المائة مقارنة بعام 2018، حتى في ظل الإضافة المؤقتة لما يصل إلى مائة رحلة إضافية بسبب الأزمة الهندية – الباكستانية التي اندلعت مؤخراً. ويمكن توقّع استمرار هذا الاتجاه إذ أن المزيد من شركات الطيران تسلك مجدداً طرقاً أقصر فوق شرق العراق من أجل توفير الوقت والوقود.
الخاتمة
حققت العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطيران الإيراني نتائج متباينة حتى الآن. فمن الواضح أن القطاع يواجه صعوبات تشغيلية مرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر بالعقوبات. ومع ذلك، فقد أظهر أيضاً قدرة على المقاومة، حيث وجد مراراً وتكراراً سبلاً لتسيير الرحلات بوتيرة شبه طبيعية. بيد أنه، لا يزال علينا الانتظار لرؤية كيف ستتعامل إيران مع الحاجة إلى وقف قسم كبير من أسطولها العامل خلال السنوات الثلاث المقبلة مع تجنّب أي تعثّرات كبيرة، خاصة إذا كانت العقوبات الجديدة تستهدف توفير الوقود لجميع شركات الطائرات الإيرانية في المطارات الدولية.
وأخيراً، يتعين على واشنطن أيضاً أن تأخذ في الاعتبار الإيرادات الكبيرة التي لا تزال تحققها طهران من الرسوم الإضافية المفروضة على التحليق فوق أجوائها، والتي يساعد جزء منها في تمويل جيشها. والآن وقد أصبح المجال الجوي العراقي مفتوحاً بالكامل أمام التحليق الدولي، على الحكومة الأمريكية الضغط على شركات الطيران من أجل التقليل من استخدام المجال الجوي الإيراني.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى