هبة محمد
وسط ضعف المتابعة الإعلامية لها وتدني التوقعات منها انطلقت في العاصمة الكازاخية نور سلطان، الجولة الثانية عشرة من المباحثات السورية حيث راوحت مقرراتها ضمن النصوص المكررة، في إطار مسار أستانة، حضرها وفدا المعارضة السورية والنظام، إضافة إلى وفود الدول الضامنة، حيث ترأس الوفد التركي مساعد وزير الخارجية للشؤون التركية ونائب وزير الخارجية، سيدات أونال، كما ترأس الوفد الإيراني، علي عسكر حاجي، وألكساندر لافريتييف، الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، كرئيس للوفد الروسي، حيث يبدو أن أمام ثلاثي أستانة (روسيا – تركيا – إيران) الكثير من الملفات المعقدة في الساحة السورية وخصوصاً اللجنة الدستورية، التي تشكل انعطافة سياسية، وملف إدلب الذي يخيم الغموض على مصيره حتى اليوم في ظل استمرار وجود منظمات مصنفة على قائمة الإرهاب في المنطقة وهو ما يجعلها هدفاً عسكرياً لأكثر من طرف. إضافة إلى إلحاح موسكو على رسم الأطر العامة لاستراتيجية عودة اللاجئين، وسبل التعاون بين الأطراف الفاعلة في إنجاز هذا الملف، اذ يأتي ذلك ضمن أولوية السياسة الروسية، من منطق «ما بعد الأزمة» بيد أن محاولات موسكو تصطدم بالعديد من العراقيل أهمها إزالة الأسباب السياسية والأمنية والاجتماعية الدافعة للجوء.
الأردن والصليب الأحمر
وإلى جانب وفود الدول الضامنة والمبعوث الأممي، حضر الاجتماع، ممثلون عن الأردن والصليب الأحمر الدولي ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين، بصفة مراقب.
حيث عقدت المباحثات في فندق الريتز كارلتون، وبدأت باجتماعات ثنائية وثلاثية مغلقة ضمت وفود الدول الضامنة الثلاث بالإضافة لممثلين عن الحكومة السورية وأخرى للمعارضة، وكذلك المبعوث الأممي غير بيدرسون، وقالت وزارة الخارجية الكازاخية إن الجولة الثانية عشرة ستختتم اليوم الجمعة، مع اعتماد وثيقة ختامية للمباحثات، ومن بين القضايا المطروحة للنقاش، ثلاثة ملفات حيوية وضعت على طاولة الجولة، وهي حسب المتحدث الرسمي باسم وفد المعارضة السورية لمباحثات «أستانة»، «ملف إدلب، الوضع الإنساني واللاجئين»، علاوة على ملف اللجنة الدستورية التي رجح المتحدث إحداث تقدم واضح فيه، بحيث يقرب احتمال الإعلان عنها.
وقال أيمن العاسمي لـ «القدس العربي»: إن الاجتماعات التقنية التي سبقت انطلاق جولة المباحثات، تناولت موضوع تشكيلة اللجنة الدستورية، وبحث إمكانية انضمام دولة جديدة بصفة مراقب، ودعوة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا «غير بيدرسون».
حيث كان الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، قد كشف عن مشاركة خمس دول جديدة في محادثات « أستانة» وقال في لقاء مع الصحافيين «قد تشارك خمس دول جديدة في المحادثات وهي الأردن، العراق، لبنان، ألمانيا والصين»، مؤكداً أن «القرارات التي سيتم التوصل إليها ستصبح أقوى على المستوى الدولي». لافتاً إلى تحضيرات لعقد قمة رئاسية تجمع قادة كل من روسيا، تركيا، فرنسا وألمانيا لمناقشة الوضع السوري، ما يلزم بإحراز تقدم في تشكيل لجنة دستورية معنية بسوريا. وأضاف المتحدث الرسمي، باسم الوفد العسكري، لـ»القدس العربي» ان المباحثات تناولت ملف إدلب وتثبيت الاتفاق ومنع الخروقات، وصولاً إلى زيادة الثقة بين أطراف القتال شمالي سوريا، وبحث الأوضاع الإنسانية وما يخص اللاجئين، ومن المنتظر كذلك أن يعقد خلال المباحثات الاجتماع الثامن لمجموعة العمل المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين.
وأشار العاسمي، إلى طرح قضايا جوهرية تتعلق بممارسات النظام السوري وانتهاكاته لحقوق المدنيين في المدن والبلدات التي سيطر عليها مؤخراً، ليبقى الحدث الأهم «اللجنة الدستورية» مرجحاً «امكانية الإعلان عنها خلال الجولة الحالية».
بيدرسون
إلا أن مصادر واسعة الاطلاع فضلت حجب اسمها، رجحت لـ»القدس العربي» ألا يكون هناك اعلان عن اللجنة الدستورية، بل مجرد مزيد من الدفع باتجاه توافقات حول الاسماء والقواعد الإجرائية، واعتبرت المصادر أن الأمور التي ستحددها جولة «أستانة»، لن تتجاوز حدود اتفاق على الخطوات التنفيذية المقبلة بشأن اللجنة الدستورية، وربما الولوج في الإطار السياسي الناظم لعملها والدفع باتجاه البدء باجتماعاتها، من أجل تسريع الملف.
ومنذ تولي المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا «جير بيدرسون»، مهمته وهو يكثف لقاءاته مع مختلف الفاعلين الدوليين في الملف السوري، كما تشاور وفريقه خلال الشهرين الماضيين مع أكثر من 200 جهة فاعلة في المجتمع المدني السوري الموجودة داخل سوريا وفي الشتات، الا انه لم يعطِ تصوراً واضحاً عن توجهاته المستقبلية بالرغم من جولاته المكوكية التي كان عنوانها الأبرز «الانتباه الشديد والتصريحات النادرة».
واستنتج مرصد «مينا» للدراسات الاستراتيجية، بعضاً من مشروع وتوجهات بيدرسون، ولعل ما يلفت الانتباه فيه هو «تعهده لمجلس الأمن العمل بحياد وعلى نحو حثيث للاضطلاع بمهمات الولاية المسندة إليه في القرار 2254 (2015) لتيسير العملية السياسية، وهذا يعني تجاهله تماماً لمسار أستانة، إذ انه لم يلتقِ برئيس وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات آستانة وسوتشي أحمد طعمة».
وطرح بيدرسون مقترحاً بمشاطرة أعضاء مجلس الأمن خمس أفكار أساسية بشأن المضي قدماً، فهو يقر بضرورة مشاركة مباشرة فاعلة من الحكومة السورية والمعارضة من أجل بناء الثقة وإقامة حوار مستمر مع الأطراف ودفع السوريين إلى مفاوضات حقيقية برعاية الأمم المتحدة لإنهاء الصراع.
وسيط… وإشارات
كما أكد أنه وسيط وميسر ومكلف بهذا من الأمم المتحدة وربما هذا الطرح يرسل إشارات تطمينية للروس الذين تصاعد الخلاف بينهم وبين دي ميستورا في الأشهر الأخيرة من عهده، حول مفهوم الوسيط والميسر حيث إن دي ميستورا لم يقبل أن يكون دوره الميسر محض منظم للإجراءات الإدارية داخل اللجنة الدستورية بل كان يرغب في أن يكون للأمم المتحدة دور توجيهي لمسار اللجنة من خلال تأثيرها في اختيار ممثلي الثلث الثالث الخاص بالمجتمع المدني في اللجنة الدستورية، وهذا ما رفضه الروس.
لقد شجع بيدرسون في مهمته، الإفراج مؤخراً عن 42 محتجزاً ومختطفاً في عملية إطلاق ثانية قامت بها روسيا وتركيا في إطار مجموعة العمل المعنية بالإفراج عن المختطفين والمحتجزين وتسليم الجثامين وتحديد المفقودين وعدّ ذلك خطوة إيجابية.
كما تحدث عن هذه المسألة بالقول إنهم منخرطون انخراطاً مكثفاً فيها مع الأطراف المتعددة. وربما يفهم من هذا أيضاً مع وجود معلومات عن توجهه، إلى أنه يريد توسيع هذا الملف خارج نطاق مسار آستانة الذي ترعاه تركيا وروسيا وبدرجة أقل إيران. ولعل لقاءه الأخير مع هيئة التفاوض السورية وإيماءته بإيجابية ما طرحته المسؤولة عن ملف المعتقلين في الهيئة أليس مفرج حول رغبتها في سحب الملف كاملاً من «أستانة» وإعادته إلى جنيف، ما يشي بكثير مما سيفعله بيدرسون في المستقبل القريب، وهو ما سيتضح في حجم مشاركة فريق بيدرسون في لقاء أستانة الجاري.
وأبدى بيدرسون رغبته في مشاركة جميع أطياف الشعب السوري وليس الأحزاب السياسية الرسمية فقط في الجهود الرامية إلى بناء الثقة والاطمئنان والسعي إلى السلام، وهو بعمله يحاول حسب مركز الدراسات إلى «توسيع نطاق الحوار مع الطرفين بعدما شعر بتقبل واسع النطاق لفكرة الدعوة إلى التئام لجنة دستورية في جنيف متوازنة وشاملة وذات صدقية وقابلة للاستمرار بقيادة سورية وبرعاية الأمم المتحدة، ويمكن أن تكون مهمة لتنشيط العملية السياسية ويمكنها أن تشرع الأبواب أمام حوار أعمق ومفاوضات حقيقية».
المصدر: القدس العربي