عمرو حلبي
عندما قررت موسكو حماية النظام السوري من السقوط لم تكن تقدم عملا خيريا ولا تدافع عن أجندات مذهبية، وإنما تبحث عن مصالح اقتصادية وسياسية وتغتنم الفرصة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وفق العديد من المراقبين.
وما إن تأكد بقاء النظام وخذلان الغرب والعرب للثورة، حتى سارعت موسكو لرسم خططها الاقتصادية والسياسية على أنقاض سوريا التي دمرتها الحرب وهجرها أهلها.
وقد كشف يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء الروسي أن بلاده ستستأجر ميناء طرطوس في سوريا لمدة 49 عاما، وذلك عقب لقائه بالرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة السورية دمشق السبت الماضي.
وفي تصريحات نقلتها وكالة سبوتنيك الروسية، قال بوريسوف إن اتفاقا أبرم على تولي موسكو مهام توسيع الميناء وتحديث إمكانياته لاستخدامه في أغراض اقتصادية ولوجستية.
تصريحات بوريسوف أثارت ضجة كبيرة في الوسط الإعلامي السوري، مما اضطر وزير النقل السوري علي حمود للتعليق على تصريحات المسؤول الروسي.
فخلال حديثه لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، قال حمود إن ما جرى بين الطرفين هو “عقد استثمار لشراكة في إدارة وتوسيع وتشغيل مرفأ طرطوس وفق نظام عقود التشاركية بين القطاع العام والخاص المعمول به في سوريا”، مضيفا أن العقد تم توقيعه مع شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية الخاصة.
أطماع روسية
لكن مراقبين وخبراء يرون أن نظام الأسد بدأ بدفع ثمن الدعم الروسي له خلال السنوات الماضية، معتبرين أن اتفاق ميناء طرطوس حلقة في سلسلة اتفاقيات تجارية بين روسيا والنظام.
هذه الاتفاقيات أبرمت في الربع الأول من العام الماضي حين بدأت شركات روسية بأعمال التنقيب عن النفط والغاز في سوريا، إلى جانب اتفاق يمنحها حق استخراج الفوسفات مدة خمسين عاما من مدينة تدمر وسط البلاد.
ويؤكّد الصحفي أحمد سعدو أن “النظام السوري منذ أن قرر دعوة الروس لاحتلال سوريا، كان يدرك أنه ليس لديهم مشروع طائفي كالإيرانيين، بل يملكون مشروعًا نفعيًّا مصلحيًّا يواكب حالة تمددهم في المنطقة”.
ويرى سعدو أن الروس يتنافسون بشكل مباشر مع الوجود الإيراني في سوريا، خاصة بعد تسريب فحوى اتفاق سيطرة الإيرانيين على مرفأ اللاذقية قبل أشهر، ليكون منفذهم على البحر المتوسط، الذي طالما حلموا به.
لذلك كان من الأهمية بمكان بالنسبة لموسكو أن تنقضّ هي الأخرى على ميناء طرطوس الواقع جغرافيًا على مقربة من قاعدة حميميم الروسية، وفي ذلك فوائد اقتصادية وجيوسياسية روسية بامتياز.
خيانة عظمى
من جانبه اعتبر عضو اللجنة القانونية في الائتلاف السوري المعارض ياسر الفرحان أن “تلك الاتفاقيات باطلة ولا تحظى بالشرعية الكافية لاستمرارها، ذلك أن النظام فاقد للشرعية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أنه في ظروف الحرب لا يمكن التوقيع على اتفاقيات طويلة المدى تصادر حق الأجيال”.
ويضيف الفرحان أن “النظام ارتكب خيانة عظمى فلم يؤجّر سوريا لحلفائه فحسب، بل باعها ليبقى عندما استدعى القوات الروسية والإيرانية والمليشيات الأجنبية، كما أنه لم يكشف حقيقة الاتفاقيات المبرمة معها ولم يعرضها على مجلس شعبه كي لا يكشف تفاصيلها، وهذا يعتبر خيانة عظمى بموجب دستوره ومواده القانونية المقررة عام 2012”.
ولا يبدو أن سلسلة الامتيازات التجارية التي يقدمها النظام لحلفائه ستقف عند هذا الحد، بل ستتبعها -برأي خبراء ومراقبين- خطوات أخرى لن تكون أقل خطرًا على واقع سوريا ومستقبلها في قادم الأيام.
المصدر: الجزيرة