يقول المحامي ثامر الجهماني ” تتدرج الإجراءات القانونية التي تتخذها دائرة الشؤون الاجتماعية فيما يخص مراعاة تربية الأطفال في الدول الأوروبية بين مجموعة تدابير، بما يتماشى مع معاهدة حقوق الطفل لعام 1990. وقد تصل إلى إلغاء حق الأب أو الأم برعاية أطفالهم وانتزاعهم من عائلاتهم، وهو أمر قانوني وشائع. وقد تلجأ إليه السلطات الاجتماعية عندما تقرر أن كلا الوالدين أو أحدهما، غير قادرين على رعاية الطفل”.
يجري الحديث كثيرًا خلال الفترة الأخيرة، وبعد ازدياد أعداد السوريين المهجرين إلى أوروبا وغيرها من بلاد اللجوء، في مجتمعات لها قوانينها، ولها قيمها المختلفة عن تلك التي عاشها السوري وتعود عليها، وخاصة ما يتعلق بالأطفال وحضانة الأطفال، ومن ثم إمكانية حرمان الأطفال من ذويهم في حال الانتهاك لأي قانون سائد في الدولة المضيفة، بما يتعلق بالأطفال وعدم إيذائهم، ومن ثم الاتكاء على اتفاقية حقوق الطفل في هذا الأمر. حول هذه المحاور المجتمعية والقانونية المهمة، تساءلنا جديًا مع بعض المحامين والقضاة السوريين الذين يعيشون في بلاد المهجر أو اللجوء، كيف ينظرون إلى مثل هذه الحالات؟ وهل يمكن أن تكون هناك بعض الحلول التي تساعد اللاجئ السوري، ولا تضر مباشرة بقيم السوريين، وبالتالي تتساوق مع القوانين السائدة في بلد اللجوء؟
المحامي السوري أحمد الجراح قال لجيرون يرى أن تلك البلاد، بلاد اللجوء ” مصنعة لأهلها وفق ما تقتضيه مصلحة وأعراف وقيم المجتمع الغربي. ولا شك أنه مجتمع حر يرتقي بالإنسان، ويعتني بالطفل، وتتساوى فيه حقوق المواطنين كالرجل والمرأة، وفق معايير مدروسة، ومتوافقة مع قيمهم وقوانينهم”. وقد أكد الجراح أنه ” في المبدأ تختلف معايير الإباحة والمنع، من حيث الزمان والمكان، أما نحن كمجتمع شرقي ومسلم فقد انتقلنا فجأة من الشرق إلى الغرب، ولا شك أننا نصطدم بقوانين وأعراف تختلف عن عاداتنا وتقاليدنا وموروثنا الشعبي، لذلك فإن هذا المجتمع الذي ينبذ العنف بكل أشكاله، ويعتمد على حل المشكلة بالنقاش والحوار والقانون دون تعنيف الآخر، سيكون مختلفًا عن مجتمعاتنا، ونحن نعرف أن الذين قدموا من مجتمعاتنا إلى أوروبا، يحملون معهم ذكوريّة المجتمع. لذلك يلجؤون إلى حلول أسرية بالإكراه والعنف، وهذا مرفوض هنا. لذلك تفككت الكثير من الأسر، أما إذا لم يحصل التعارض مع قوانين البلد المضيف، ولم يحصل العنف مع الأطفال أو الزوجة فلا أحد يتدخل بكيفية تربية أسرة اللاجئ، ضمن الإطار العام السائد”.
أما المحامي السوري ثامر الجهماني فقد نوه لجيرون بقوله ” تتدرج الإجراءات القانونية التي تتخذها دائرة الشؤون الاجتماعية فيما يخص مراعاة تربية الأطفال في الدول الأوروبية مجموعة تدابير، بما يتماشى مع معاهدة حقوق الطفل لعام 1990. وقد تصل إلى إلغاء حق الأب أو الأم برعاية أطفالهم وانتزاعهم من عائلاتهم، وهو أمر قانوني وشائع. وقد تلجأ إليه السلطات الاجتماعية عندما تقرر أن كلا الوالدين أو أحدهما، غير قادرين على رعاية وتربية الأطفال، فتقوم الدولة بتدبير أمور الأطفال والبحث عن عائلات بديلة. خصوصًا عندما يتوفر شك بوجود خطورة على الطفل، وذلك وفقًا للفصل 14 من قانون الرعاية الاجتماعية في السويد على سبيل المثال، وكذلك وفق قانون رعاية الأحداث”. ويضيف الجهماني أنه ” لتجنب كل ذلك، أو التقليل من حدوثه، يحتاج الأمر إلى ردم الهوّة الفاصلة بين ثقافتين، ومجتمعين متمايزين. لابد إذًا من التثقيف القانوني ضمن إطار الاندماج في المجتمعات الجديدة، وكذلك الايمان بأن الطفل هو إنسان له حقوق تخص كرامته وانسانيته، وليس متاعًا أو ملكًا خاصًا لأهله، كما أنه لابد من الايمان بأن المجتمعات الأوروبية تقدر دور العائلة والأهل في تكوين شخصية الطفل، لكن ضمن ثقافة وأسلوب مختلف، يستوجب البحث عن القواسم المشتركة، والابتعاد عن الأساليب
منفّرة، مع ضرورة التثقيف النفسي والقانوني السليم عبر برنامج التوجيه الاجتماعي للوافدين الجدد، لتمكينهم من التعرف على حقوقهم وواجباتهم”.
القاضي السوري أنور مجني أكد لجيرون قائلًا ” يعاني السوريون المهاجرون من فجوات كبيرة بين عاداتهم وقيمهم وبين المجتمع المضيف، قسم منها يعود لاختلاف الثقافات والقوانين والحضارة، وقسم سببه منظومة العادات السورية المغلفة بخطاب ديني ذكوري بعيد عن الدين نفسه ، منها ذكورية المجتمع وثقافة العنف والاستبداد وغيرها من الأمراض التي ساهم بتكريسها النظام الشمولي الذي عانى منه السوريون، لذلك شاهدنا تصدعًا في بنية الأسرة السورية عند وصولها لبلاد المهجر من كثرة حالات الطلاق ونفور الأولاد من منظومة الأسرة، إضافة لتدخل الدولة المضيفة بالكثير من الحالات، أدت لإبعاد الأولاد عن أسرتهم، لذلك أرى أنه يتوجب على اللاجئين فهم قوانين البلد المضيف وقيمه وعاداته، والانصياع لها بما لا يخالف قيمهم (وليس عاداتهم )، وقبول تدخل الدولة حتى بالعلاقة مع الزوجة والأولاد “. وانتهى مجني إلى القول ” أتمنى أن يكونوا سفراء لبلدهم يظهرون منظومة القيم ويبتعدون عن العادات البالية، مما يساهم في اندماجهم في المجتمع الجديد، ويخفف من أثر الاختلاف بينهم وبينه”.
أما المحامي أحمد صوان من تجمع المحامين الأحرار فقد تحدث قائلًا: ” في معظم الدول الأوربية يطبقون على اللاجئين مبدأ ( أطفالكم ليسوا لكم إن أسأتم معاملتهم ) ويعد هذا الأمر مصدر قلق لكثير من اللاجئين الذين لم يتمكنوا بعد من استيعاب هدف أو آلية تطبيق هذا القانون، الذي يحمي الأطفال من التعنيف اللفظي أو الجسدي أو إساءة المعاملة، حيث يتم سحب حضانة الأطفال من والديهم. واللاجئون الجُدد يعتبرون هذا القانون إفساداً لأطفالهم، وتكمن المشكلة في المراحل اللاحقة لنزع حضانة الطفل أو المراهق، لأن الطفل وبعد أن يختبر الحياة مع العائلة البديلة، تعجبه طريقة السويديين في تدليل أطفالهم فيختار العيش مع العائلة البديلة عن والديه، وهو ما يكفله له القانون الأوربي” وأضاف ” فيما يتعلق بتقبل هذه القوانين من قبل اللاجئ السوري فإن هذه القوانين تؤرق السوريين وتشكل هاجسًا مرعبًا لهم، ويحتار السوري كيف يوفق بين خصوصية موروثه من العادات في المجتمعات الغربية المنفتحة. والتي تهدده بسحب حضانة أطفاله منه عند مخالفة قوانين البلد المضيف” ثم انتهى للقول ” أنا أرى أن اللاجئ السوري الذي اختار اللجوء إلى أي بلد أوربي قد اختار ذلك بإرادته وبمجرد دخوله البلد الجديد يكون قد أعطى موافقة ضمنية لقبوله بقوانينها، مما يجعله ملزماً بها، وعليه الحرص والالتزام بهذه القوانين “.
المصدر: جيرون