إسماعيل جمال
وصل هجوم النظام وروسيا على إدلب ومحيطها إلى ذروته مع الانتقال من الهجمات المدفعية والجوية إلى الهجوم البري وتغيير خريطة مناطق السيطرة في المنطقة، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول حقيقة وجود اتفاق تركي روسي على تبادل مناطق السيطرة، الأمر الذي يستبعده الكثيرون ويعتبرون ما يجري تفاوض بالنار وصل ذروته بين أنقرة وموسكو مع اتساع رقعة الخلافات بين البلدين الضامنين لاتفاق أستانة المُنظم الأبرز للخريطة السياسية والعسكرية في الملف السوري.
التصعيد الأخير جاء بدرجة أساسية عقب فشل الجولة الثانية عشرة من مباحثات أستانة ورفض تركيا البدء بعمل عسكري ضد هيئة تحرير الشام في إدلب، وعدم قبولها بدوريات روسية في المنطقة منزوعة السلاح، وإعاقتها أي تقدم في ملف الإعلان عن لجنة إعادة صياغة الدستور حسب الرؤية الروسية، بالتزامن مع الحديث عن قرب توصل تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لاتفاق حول إنشاء منطقة آمنة شرقي نهر الفرات بدون التنسيق مع موسكو، وهي جميعها مؤشرات على حجم الخلافات التي وصلت إليها العلاقات بين تركيا وروسيا حول الملف السوري.
في المقابل، تحركت روسيا الغاضبة من التعنت التركي الذي منعها من تحقيق أي تقدم عسكري أو سياسي على الأرض كانت في أشد الحاجة إليه، تحركت ضد تركيا في أكثر من اتجاه، حيث حركت حلفاءها على الأرض للضغط على تركيا عسكرياً في مناطق سيطرتها شمالي سوريا.
وفي هذا الإطار، كثفت روسيا قصفها الجوي على إدلب، ضاربة بعرض الحائط كافة الاتفاقيات الموقعة معها، بالتزامن مع ضربات النظام الجوية والمدفعية على المحافظة ومحيطها وتعمدت استهداف محيط نقاط المراقبة التركية، كما هاجم النظام مناطق تخضع للسيطرة التركية في محيط عفرين، بالتزامن مع تكثيف الوحدات الكردية لهجماتها ضد تركيا وحلفائها انطلاقاً مع منطقة تل رفعت.
ورداً على هذه الهجمات، نفذ الجيش التركي عملية برية خاطفة في مناطق داخل تل رفعت، فبعد قصف مكثف من المدفعية التركية، سيطرت قوات المعارضة السورية على مناطق من تل رفعت، لكنها انسحبت عقب ساعات، وسط حديث عن استعدادات مكثفة للجيش التركي والمعارضة السورية لتنفيذ عملية عسكرية واسعة للسيطرة على كامل تل رفعت.
يستند الكثيرون من أصحاب نظرية «اتفاق التسليم وتبادل الأراضي بين تركيا وروسيا» إلى أن روسيا تسعى عسكرياً للسيطرة على ريف حماة والمناطق الجنوبية من إدلب بما يشمل الطرق الدولية وتأمين قاعدة حميميم، مقابل السماح لتركيا بالسيطرة على منطقة تل رفعت وهو ما تطالب به أنقرة منذ أكثر من عام.
وبينما يرفض النظام السوري تسليم أي منطقة لتركيا، تجد روسيا أيضاً صعوبة في القبول بذلك لأنه ينسف نظريتها الأساسية التي تقوم على ضرورة سيطرة النظام على كافة أراضي سوريا.
وعلى الرغم من صعوبة نفي هذه النظرية بشكل مطلق وحاسم، إلا أن الكثير من التطورات على الأرض لا تدعم ذلك، فتركيا لم تبرر الهجوم الروسي على الإطلاق، واعتبرته انتهاكاً كبيراً لتفاهمات أستانة والمنطقة منزوعة السلاح، والأهم أن أنقرة لم تعمل أي شيء من أجل وقف هجمات المعارضة الانتقامية، بل تحدثت بعض أطراف المعارضة السورية عن دعم تركي خفي مكن المعارضة من توجيه ضربات موجعة للنظام السوري مع استمرار الهجمات على قاعدة حميميم الروسية.
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي زار الحدود السورية برفقة كبار قادة الجيش طالب روسيا باتخاذ تدابير فاعلة وحازمة من أجل إنهاء هجمات النظام على جنوبي محافظة إدلب السورية، مشدداً على أن بلاده تنتظر من روسيا أن تقوم بهذا الدور، وبينما أشار أكار إلى أن هجمات النظام تحولت إلى عملية برية منذ السادس من الشهر الجاري، لفت إلى أن «النظام يسعى لتوسعة مناطق سيطرته جنوبي إدلب على نحو ينتهك اتفاق أستانا» معتبراً أن تلك الهجمات تشكل خطرا على أمن نقاط المراقبة التركية، وتسبب تعطيل دوريات القوات المسلحة التركية وتنقلاتها مطالباً بعودة قوات النظام السوري لمواقعها السابقة.
كما جرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف أكدا فيه على أهمية تطبيق اتفاق التسوية في إدلب، وشددا على «أهمية تنسيق جهود البلدين بهدف تطبيق مذكرة إرساء الاستقرار في إدلب» وعقب ساعات من الاتصال أكد لافروف في تصريحات أخرى عزم بلاده مواصلة «توجيه ضرباتها للإرهابيين في إدلب» مشدداً على «ضرورة استئصال هذا الوكر الإرهابي».
وكتب العديد من الخبراء والمحللين الروس مقالات أكدوا فيها أن الحديث لا يدور في هذه المرحلة عن هجوم شامل على إدلب، بقدر ما هو هجوم يهدف إلى قضم جزء من أراضي جنوب إدلب وهو ما قد يترتب عليه سحب الجيش التركي لنقاط المراقبة المتقدمة التابعة له في تلك المناطق، وهو الهدف الذي فشلت روسيا في اقناع تركيا به طوال الأشهر الماضية، ويبدو أنها لجأت لتحقيقه عسكرياً على الأرض.
كل التطورات السابقة، لا تشير إلى وجود «صفقة» أو تنسيق وتوافق تركي روسي على ما يجري، بقدر ما تشير بقوة إلى صراع قوة وتفاوض بالنار في حدود مقيدة بين البلدين يسعى كل طرف من خلالها لتحسين شروطه وفرض رؤيته على شكل المرحلة المقبلة عسكرياً وسياسياً، وهي مناورة قد تنتج عنها تفاهمات وخريطة سيطرة جديدة أو تنزلق لتقود إلى نتائج خطيرة لا يستطيع الطرفان تحديد شكلها النهائي.
المصدر: القدس العربي