أمين العاصي
يُصعّد النظام السوري من حملته العسكرية في شمال غربي سورية، وسط إصرار على استعادة السيطرة على محافظة إدلب، في تجاوز لكل التفاهمات التركية الروسية حول المنطقة، وفي مقدمتها اتفاق “سوتشي” المبرم مع الجانب التركي في سبتمبر/أيلول الماضي. وينذر توسيع النظام وحلفائه الروس لدائرة استهداف المدن والبلدات المكتظة بالمدنيين بتفاقم الوضع الإنساني. بموازاة ذلك، انتقل ملف محافظة إدلب والوضع الإنساني المتأزم نتيجة التصعيد من قبل النظام وحلفائه إلى أروقة الأمم المتحدة، مع عقد مجلس الأمن الدولي جلسة أمس الثلاثاء، على أن يعقد أخرى مماثلة مساء اليوم الأربعاء، وذلك لمناقشة ما يجري في شمال غربي سورية. وذكرت مصادر إعلامية أن “الجلسة غير العلنية ضمّت كلا من: نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشنين، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، والمبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون”. ومن غير المتوقع اتخاذ مجلس الأمن في الجلستين موقفاً رادعاً للروس والنظام، الذي وصف الحراك الأممي بأنه “محاولة من الدول الغربية المعادية لسورية في محاولة وقف تقدم الجيش السوري في حربه على الإرهاب شمال حماة وجنوب إدلب”، وفق صحيفة “الوطن” التابعة للنظام. ولا يزال النظام السوري يصر على استعادة السيطرة على محافظة إدلب. ونقلت صحيفة “الوطن” عن نائب رئيس مجلس الشعب، التابع للنظام، نجدت إسماعيل أنزور، قوله إن “قوات النظام ستدير معركته إلى النهاية في إدلب وريفي حماة وحلب وصولاً إلى اللاذقية”، مشيراً إلى “وجود سيناريوهات مشابهة لما جرى في غوطة دمشق وحلب من فتح ممرات إنسانية لتجنيب المدنيين وخروجهم”.
في غضون ذلك، لا يزال النظام وحلفاؤه الروس يواصلون استهداف محافظة إدلب ومحيطها بالقصف الجوي الذي يقتل مدنيين بشكل يومي، ويعمّق المأساة الإنسانية في شمال غربي سورية الذي يضم نحو 4 ملايين مدني. وقُتلت امرأة وطفل وأصيب آخرون، بقصف طائرات النظام الحربية، أمس الثلاثاء، لقرية معرتماتر في ريف إدلب الجنوبي، وفق ناشطين إعلاميين محليين. كما أوضحوا أيضاً أن “قصفاً مماثلاً طاول مستشفى دار الحكمة في مدينة كفرنبل، ما أدى إلى تدمير أجزاء واسعة منه والعديد من سيارات الإسعاف، وخروجه من الخدمة”.
ويواصل طيران النظام ومقاتلات روسية استهداف المدن الآهلة بالسكان لقتل أكبر عدد من المدنيين، مع تعمّد النظام تنفيذ عمليات القصف في أوقات الذروة، تحديداً عند اكتظاظ الأسواق بالمدنيين قبل الإفطار في رمضان، فوثّق الدفاع المدني يوم الاثنين، مقتل 18 مدنياً معظمهم من النساء والأطفال في قصف بطائرات حربية ومروحية، طاول مناطق عدة في محافظة إدلب، أبرزها مدينة أريحا التي قُتل فيها 12 مدني بينهم 6 نساء و3 أطفال، وأصيب أكثر من 20 آخرين. ووسع النظام دائرة المناطق المستهدفة في مسعى لتحويل شمال سورية إلى منطقة غير آمنة ولو بالحد الأدنى لتهجير أكبر عدد ممكن من السكان وتأليب الحاضنة الشعبية على فصائل المعارضة السورية. وشمل القصف خلال الأيام الأخيرة بلدات ومدن: أريحا، كفرنبل، كفرسجنة، كفرعويد، سفوهن، إبلين، البارة، في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب.
وذكرت مراصد تابعة لفصائل المعارضة السورية أن 9 طائرات مروحية أقلعت من مطار حماة واستهدفت المنطقة في نفس الوقت، في تصعيد واسع من قوات النظام والروس. كما ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان أمس، أن أكثر من 15 طائرة مروحية تناوبت منذ ما بعد منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء وحتى صباح أمس الثلاثاء، على إلقاء أكثر من 49 برميلاً متفجراً على مناطق في بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي، والتي يبدو أنها ستكون هدف قوات النظام العتيد. وكشفت الوقائع الميدانية انخراط الجانب الروسي في المعارك الدائرة في ريف حماة جواً وبراً، مع إعلان “الجبهة الوطنية للتحرير”، أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في محافظة إدلب، التصدي لقوات روسية خاصة حاولت التقدم في سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، وقتل وجرح عدد من عناصرها وقعوا في كمين وصفته فصائل المعارضة المسلحة بـ “المحكم”.
وكانت وسائل إعلام روسية نشرت صوراً لمقاتلين من القوات الخاصة الروسية، على جبهات القتال ضد فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي. وفي تحليل لمركز “جسور” للدراسات التابع للمعارضة السورية فإن الجانب الروسي “لم يحقق نتائج ملموسة” من الحملة على شمال غربي سورية، مشيراً إلى أن “الاستمرار على ذلك يعني التأثير السلبي على العلاقة مع تركيا، أي وضع عثرة جديدة بين البلدين أمام الرغبة في تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية ونقلها إلى الإطار الاستراتيجي، بالإضافة إلى الانزلاق نحو مزيد من التعثّر في مسار أستانة والتشكيك بمدى قدرته على أن يكون مستنداً للحل، وبالتالي تكريس انسداد الأفق الذي يواجه ملفاته. وهذا يعني إخفاقاً في مقاربة روسيا إزاء إعادة الإعمار واللاجئين وغيرها”.
إلى ذلك، رسم فريق “منسقو الاستجابة في سورية” صورة قاتمة لمجمل الأوضاع الإنسانية في محافظة إدلب ومحيطها جراء عمليات القصف المدفعي والجوي من قبل قوات النظام والطيران الروسي المساند لها. وأوضح الفريق في تقرير له، يوم الإثنين، ارتفاع عدد الضحايا المدنيين إلى 568، بينهم 163 طفلاً في الفترة الممتدة من 2 فبراير/شباط الماضي، بدء التصعيد من قبل النظام، حتى 27 مايو/أيار الحالي، يتوزعون على محافظات إدلب وحماة واللاذقية وحلب. وحسب التقرير، فقد بلغ عدد النازحين الهاربين من قصف قوات النظام والمليشيات التي تساندها والمقاتلات الروسية 425438 شخصاً (65452 عائلة)، واصفاً استجابة المنظمات الإنسانية لاحتياجات النازحين بـ “الضعيفة”، مطالبا بمضاعفة الجهود لاحتواء مأساتهم.
وأوضح التقرير أن أكثر من 55 نقطة طبية تعرضت للاستهداف من قبل المليشيات خلال الحملة العسكرية، وأن 47.8 في المائة من المنشآت الطبية توقفت عن تقديم الخدمات، إما بسبب تعليق عملها خوفاً من القصف أو بسبب الأضرار التي لحقت بها نتيجة استهدافها. ولفت إلى أن 68 منشأة تعليمية تعرضت بدورها للقصف تضرر بعضها بنسبة تصل إلى 90 في المائة.
وأشار التقرير إلى أن أعداد القرى والبلدات المنكوبة وغير الصالحة للسكن نتيجة تدمير الأحياء السكنية والمرافق والبنى التحتية، أكثر من 21 قرية وبلدة ضمن المنطقة المنزوعة السلاح، إذ تم تهجير عشرات الآلاف من المدنيين من تلك البلدات واستهدافها بشكل متواصل وذلك لمنع عودة السكان المدنيين إليها.
وبلغ عدد المخيمات التي وثق استهدافها، وفق التقرير، في محافظتي حماة وإدلب أكثر من 7 مخيمات، تم استهدافها بشكل مباشر ما خلّف ضحايا عدة وإصابات في صفوف المدنيين النازحين. وكشف التقرير أن الطائرات الحربية استهدفت ستة مراكز للدفاع المدني، في حين بلغت أعداد مراكز ودور العبادة التي تم استهدافها خلال الفترة السابقة والتي تم توثيقها أكثر من 26 مسجداً. وفي السياق، ناشد المجلس المحلي لبلدة قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي الغربي التي سيطر عليها النظام في التاسع من الشهر الحالي، المنظمات الإنسانية، تقديم مساعدات عاجلة لأكثر من ألف عائلة نازحة إلى قرب قرية كفرلوسين على الحدود السورية – التركية (36 كيلومتراً شمال مدينة إدلب). ونزح كل سكان البلدة والمقدر عددهم بالآلاف، خشية قيام قوات النظام بعمليات انتقام جماعية بحقهم كعادتها عند دخول أي منطقة كانت خارجة عن سيطرتها.
المصدر: العربي الجديد