هبة محمد
تسارعت التطورات الميدانية في الشمال السوري، وتوسعت رقعة القصف الروسي والسوري العنيف والممنهج على مدن وبلدات محافظة إدلب الكبرى، شمال غربي سوريا، حتى تجاوزت نيران النظامين أرياف إدلب وحماة لتصل إلى ارياف حلب، وأوقعت عشرات الضحايا من الأطفال والمدنيين العزل، وذلك بعد خلاف تركي – روسي بدأ يظهر جلياً على السطح، في المنطقة التي تحولت إلى موقع تتبادل فيها الأطراف المتصارعة الرسائل الدموية، بعد فشلها في تطوير اتفاق السلام المؤقت، وتعقد التفاهمات التي تحمي مصالح الأطراف هناك، وعجز المباحثات الدولية عن حل عقدة اللجنة الدستورية.
مدير الدفاع المدني في إدلب مصطفى الحاج يوسف، قال ان الحملة الشرسة مستمرة ضد المدنيين في اغلب المناطق المحررة تجاوزت ريف ادلب الجنوبي وارياف حماة الشمالية والغربية، حيث انتقلت العمليات إلى ارياف حلب الجنوبية والغربية واستهدفت المنطقة امس بغارات عدة نفذتها مقاتلات «سوخوي 24 « على مدن محافظة حلب، وابرزها في الاتارب كما استهدف الطيران الحربي المنطقة بغارات بعضها حارق وأدت إلى اشتعال المحاصيل الزراعية.
وأكد مدير الخوذ البيضاء في إدلب لـ «القدس العربي» على كثافة الطائرات المروحية في الأجواء، حيث «ألقت 9 طائرات حمولتها دفعة واحدة على مدينة معرة حرمة، كذلك الامر في حزارين، وما تزال الهجمة متواصلة بكافة انواع الاسلحة اضافة إلى سياسية حرق محاصيل القمح والشعر في الاراضي الزراعية بهدف تجويع الناس في المناطق المحررة وطردهم منها».
وانتهت إحصائية فريق الدفاع المدني أمس بتوثيق مقتل 18 مدنياً بينهم سبعة أطفال، وست نساء، و32 مصاباً جلهم نساء وأطفال، وعدد من المفقودين جراء القصف وغارات الطيران الحربي.
قنابل عنقودية
وتأكد مقتل سبعة مدنيين بينهم امرأتان وطفلة وإصابة سبعة آخرين في بلدة حزارين التي تعرضت لقصف بستة صواريخ بعيدة المدى وشديدة الانفجار استهدفت البلدة وغارتين جويتين بالطيران الحربي نتج عنها دمار كبير في المنازل والممتلكات، كما ألقت سبع طائرات مروحية 14 برميلاً متفجراً دفعة واحدة على البلدة.
وطالت غارات الطيران الحربي والمروحي أمس مدينة خان شيخون ومحيطها وكفرسجنة بثلاث غارات نتج عنها حريق بالمحاصيل الزراعية، وباتنته قرب معرتمصرين، وعابدين ، والمردم ، والأوتستراد الدولي ومعرحطاط، والأطراف الجنوبية لبلدة احسم نتج عنها حريق في المحاصيل الزراعية، ومعرة الصين، وأرينبة، ومعرتحرمة وكفرعويد، والهبيط، وكرسعة، وسفوهن، وترملا، وقرية دار الكبيرة، والفطيرة.
وأكد مدير الخوذ البيضاء قصف 4 مناطق بقنابل عنقودية، حيث قال إن روسيا والنظام السوري «استهدفا قرية الشيخ مصطفى بثلاثة صواريخ محملة بقنابل عنقودية، وكفرنبل بثلاثة صواريخ شديدة الانفجار أحدها محمل بقنابل عنقودية، وعابدين بـ90 قذيفة و15 صاروخاً محملاً بالقنابل العنقودية، وأطرافها بخمس قذائف نتج عنها حريق».
ولم يكن التصعيد الأخير، متوقعاً بهذه الصورة، حسب خبراء ومراقبين بالرغم من أن روسيا لم تخف يوماً رغبتها في السيطرة على الشمال السوري، لكنها اصطدمت بمصالح تركيا، وتذرّعت مراراً بضرورة حماية قواعدها العسكرية في الساحل وفي محيط خطوط التماس، إلّا أنّ اصطدامها مجدداً بمصالح تركيا أعاق طموحها ودفعها للقبول بمقترح المنطقة العازلة الذي قدمته أنقرة.
هذا الاصطدام أنتج حسب الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي «التفافاً على أنقرة» إذ تدرك موسكو غالباً ضرورته، ومحاولة فرض أمر واقع وضغط واسع النطاق يجبرها على تغيير موقفها والقبول بجعل حماية مصالحها خاضعاً لإدارة مشتركة أو منفردة، لكن روسيا حسب المتحدث واجهت موقفاً غير مرن من تركيا إزاء الدوريات المشتركة ونقاط التفتيش وهي خطوة كانت تساعد على جعل المنطقة العازلة تخضع لحماية مشتركة تكون روسيا فيها قادرة على النفاذ إلى المنطقة وابتلاعها بشكل أو بآخر.
صمود المعارضة
فاللجوء إلى الخيار العسكري، كان امراً مرفوضاً بالنسبة إلى روسيا، في ظل استحقاقات كبيرة أمامها في المرحلة المقبلة المتعلّقة بالمسار السياسي والحل وإعادة الإعمار، إذ يرى عاصي ان موسكو مضطرة إلى «أن تعالج الأمر بشكل سريع أو القبول بالواقع المتمثل ببقاء مصالح تركيا في الشمال. وبالتالي فإنّ التحرّك العسكري للنظام السوري حالياً والمدعوم من روسيا هو محدود المدّة الزمنية لكنّ نطاقه الجغرافي غير محدود في حال تحققت نتائج ملموسة في التقدم والسيطرة على المنطقة منزوعة السلاح».
ومع بدء الحملة واجهت موسكو هذه المرّة الميدان ولم تستطع تحقيق خرق استراتيجي في الخطة العسكرية المتكاملة التي وضعتها والهادفة إلى فرض طوق على ريف حماة الشمالي بهدف السيطرة عليه، وإحراز تقدّم آخر في جبل الأكراد نحو جسر الشغور يؤدي لانهيار جبهة سهل الغاب والساحل ومن ثم الاتجاه نحو ريفي حلب الجنوبي وإدلب الجنوبي الشرقي، وبالتالي قضم المنطقة منزوعة السلاح من ثلاث اتجاهات.
وتعوّل روسيا حسب قراءة الباحث على انهيار الفصائل، ودفع تركيا للقبول بالواقع الميداني الجديد، لكنّ قدرة المعارضة السورية المسلحة على المواجهة وامتصاص الهجوم الكبير، وتحويله إلى ثغرة أدّت لاستنزاف القوّات المهاجمة، لتعزز بالتالي من موقف تركيا ودفعها لتقديم دعم واسع النطاق لتعزيز دفاعات المعارضة والهجمات الوقائية التي تساعد على استرداد المناطق التي تقدّم إليها النظام.
وحالياً، يبدو أنّ روسيا تستعد لتصعيد المواجهة في الميدان لتحقيق أهدافها، لكنّ ذلك يحمل مخاطر الانزلاق إلى معركة واسعة النطاق لا يُمكن السيطرة عليها بسهولة، وبالتالي احتمال تغيير معادلة موازين القوى على الأرض، أي أنها في حال فقدت القدرة على السيطرة ستتحول المعارضة من الهجمات الوقائية إلى الهجمات بهدف السيطرة وتوسيع نطاق النفوذ.
المصدر: القدس العربي