طه عبد الواحد
يبدو أن سوريا ستنضم قريباً إلى قائمة الدول التي شكلت النزاعات المسلحة فيها «مادة دسمة» لأفلام سينمائية، تروج للقوة العسكرية التي تملكها هذه الدولة أو تلك. وبعد أن كانت صناعة السينما الغربية المنتج الرئيسي لهذا النوع من الأعمال الفنية، تخطط روسيا للمنافسة في هذا المجال، وجني «ثمرة جديدة» تُضاف إلى قائمة طويلة من «الثمار الروسية» للعملية في سوريا، عبر إنتاج سلسلة من الأفلام «الفنية» السينمائية والتلفزيونية، التي تعتمد في حبكتها على نشاط القوات الروسية هناك.
وتأتي خطة تصوير هذا النوع من الأفلام في إطار تسخير جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك الأدوات الثقافية والفنية المتنوعة، في حملة ترويج لمنتجات مجمع الصناعات الحربية الروسي، وتعزيز هيبة المؤسسة العسكرية الروسية داخليا وخارجيا.
وبعد استغلالها العمليات العسكرية على الأراضي السورية في الترويج لمنتجات مجمع صناعاتها الحربية، تخطط روسيا حاليا لاستغلال تلك العملية في حملة دعائية لقواتها المسلحة. وكانت وزارة الدفاع الروسية كشفت في وقت سابق عن عزمها إنتاج سلسلة أفلام «فنية» حول ما وصفته «نجاح القوات الروسية في التصدي للإرهاب في سوريا». وظهر الحديث حول هذه الخطة أول مرة ضمن تصريحات أطلقها الجنرال أندريه كارتابولوف، مدير الدائرة السياسية في وزارة الدفاع الروسية، في ختام العرض العسكري في الساحة الحمراء بمناسبة عيد النصر في الحرب العالمية الثانية. حينها، أكد الجنرال الروسي للصحافيين العمل على إنتاج سلسلة من الأفلام «الفنية» عن العملية في سوريا، وقال: «أعتقد أنكم ستتمكنون من مشاهدتها في وقت قريب»، مؤكداً أن «العمل يجري، وستظهر النتائج في وقت قريب»، ووصف إنتاج تلك الأفلام بأنه «عمل إبداعي فني».
وإلى جانب الاستفادة من خطة تصوير تلك الأفلام في «إعادة تأهيل» الاستوديوهات السينمائية التابعة لوزارة الدفاع، فإن الهدف الرئيسي منها الترويج للقوة العسكرية الروسية. وقال كارتابولوف: «يوجد استوديو سينمائي تابع للوزارة، سنقوم الآن بإعادة تأهيله وتشغيله»، أما الهدف من ذلك على حد قوله «العمل على أعمال أكثر فاعلية، في الدعاية لمكوننا العسكري»، في إشارة إلى الترويج للعمليات العسكرية والمعدات الحربية على حدٍ سواء.
وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أكد في وقت سابق بدء العمل قريبا على خطة إعادة تأهيل وإحياء الاستوديو السينمائي التابع للوزارة، بغية تصوير مجموعة من الأفلام «الفنية»، حول الجيش الروسي.
ومن غير الواضح بعد طبيعة الحبكة في الأفلام التي تخطط الوزارة لإنتاجها في حملة «البروباغندا» السينمائية، بيد أن الأكيد، وفق تصريحات المسؤولين الروس، أن الحديث لا يدور عن إنتاج أفلام وثائقية، مثل تلك التي تنتجها وتعرضها وسائل إعلام روسية، وإنما عن أفلام «فنية» لعرضها عبر الشاشات، وليس في روسيا فقط وإنما في دول أخرى، بغية تقديم الجندي الروسي في سوريا بصورة «البطل الذي انتصر على الإرهاب»، في تقليد لسلسلة أفلام هوليوودية مثل «رامبو» وغيرها من أفلام عن الجنود الأميركيين في أفغانستان والعراق، والأكيد سيتم عرض كل شيء من وجهة النظر الروسية، وبما يتماشى مع الهدف من تلك الأفلام من ترويج للقوة العسكرية الروسية.
وروسيا ليست الوحيدة التي قررت استغلال العمليات العسكرية في سوريا ضمن حملة ترويج لقوتها العسكرية. ومع أن القوات الكازاخية لم تشارك في العمليات القتالية إلى جانب القوات الروسية دعما للنظام السوري، وجد مسؤولون من المؤسسة الإعلامية الكازاخية في استعادة مواطنين «الدواعش» من سوريا، ضمن «العملية الخاصة» التي حملت اسم «جوسان»، حدثا مناسباً لتصوير فيلم سينمائي (غير وثائقي)، يروي تفاصيل تلك العملية، في محاولة لإظهار «بطولة» الجنود الكازاخيين خلال استعادة «دواعشهم».
وكان يرلان كارين، مدير مؤسسة الإذاعة والراديو في «كازاخستان»، قال في وقت سابق إن عمليات تصوير هذا الفيلم ستبدأ صيف العام الجاري، أو مطلع الخريف في سبتمبر (أيلول). وأكد الانتهاء من إعداد السيناريو، وعرضه على أكثر من مخرج لسماع رؤيتهم والاتفاق مع واحد منهم لإخراجه، لافتاً إلى أنه «عمل يتمتع بخصوصية» الأمر الذي يتطلب استقطاب فريق إنتاج فني مناسب. وأشار إلى أن التصوير سيجري في كازاخستان وخارجها. وكانت كازاخستان أعلنت عن استعادة 47 من مواطنيها من سوريا، قالت إنهم كانوا محتجزين لدى «داعش»، وأطلقت على عملية استعادتهم اسم «جوسان»، وتعني «الشيح المر». ولم تكشف السلطات الكازاخية تفاصيل تلك العملية الخاصة.
المصدر: الشرق الأوسط