قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، إنه تم الاتفاق بين روسيا وتركيا على هدنة لمدة ثلاثة أيام في إدلب، يتم خلالها وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أنه سيكون هناك محادثات مع الجانب التركي بخصوص مستقبل سوريا في اليومين المقبلين.
ولم يصدر بشأن هذه الهدنة، التي سبق الإعلان عنها من قبل مصادر إعلامية مقربة من النظام السوري، أي رد فعل من قبل الفصائل المعارضة في إدلب، ولا يبدو أنها ستخلص إلى تسوية جوهرية تنقذ إدلب من الهجوم العنيف لقوات النظام، لكنها تريد أن ترمي الكرة في الملعب التركي للوصول إلى فصل الفصائل الجهادية عن تلك المقربة من تركيا كالجبهة الوطنية، وصولا لتسليم المنطقة العازلة التي تم الاتفاق عليها مسبقا ضمن “خفض التصعيد” إلى النظام السوري، وهو ما سيلقى معارضة من معظم الفصائل.
يكمن في تعقيدات إدلب مستقبل المشهد السوري، أكثر مما هو في العملية السياسية للأمم المتحدة بقيادة الدبلوماسي النرويجي الجديد غير بيدرسون.
ويعلق الباحث السوري حسن حسن قائلا “من الصعب معرفة أين تسير الأمور في هذه اللحظة المُربكة، لكن من المستحيل أن ينسى الناس ما فعله الأسد بهم وببيوتهم”.
الحرب المدعومة بمفاوضات إقليمية ودولية، تناور فيها السياسة الخارجية الروسية عبر مؤتمرات متعددة في أستانا وسوتشي وطهران أو اسطنبول، و”من خلال التلاعب بالتدخلات الإقليمية التي تفاقمت بسبب اتفاق وقف التصعيد، استعاد الروس سيطرة النظام على مناطق كثيرة للثوار”، وفقا لتقديرات الباحث السياسي الفرنسي، فيليب دروز فنسنت، الذي أضاف أن “الحرب السورية أخذت شكلا جديدا في 2016-2017، نتيجة للتدخل الروسي الإيراني في سبتمبر/ أيلول 2015، ما جعلها أكثر تعقيدًا ومُشكَلة “. واستدرك قائلا “لكن معارك ريف حماة وإدلب تنبئ أن الحرب لم تنته بعد، وأن مستقبل سوريا يُرسم في منطقة إدلب”.
وكان هجوم قوات وميلشيات النظام في محيط إدلب، بدعم مكثف من روسيا، جوا وبرا، متوقعا منذ الصيف الماضي، إلا أنه لم يتحقق بشكل تدريجي إلا في الشهرين الماضيين. وروسيا معنية بمساعدة بشار الأسد في استعادة السيطرة على جميع الأراضي السورية، بما في ذلك إدلب والشمال الشرقي، لكن هذا لا يعني أن موسكو مستعجلة للحسم العسكري اليوم قبل الغد، وإن كانت مشاركتها لافتة في المعارك الأخيرة في الدفاع والهجوم والتمهيد الناري الهائل، وتفضل النهج التدريجي للسيطرة عليها. ثم إن نظام الأسد لا يقوى على شن حملة أو هجوم بري بهذه الحدة في المواجهات من دون القوة الجوية الروسية. وتفضل روسيا مواصلة استغلال الفجوات بين مصالح السياسة الخارجية التركية والأمريكية في سوريا ودفع تركيا للارتباط أكثر بروسيا، لكن لا تزال إدلب تثير الخلاف بين أنقرة وموسكو، وهو ما ظهر جليَا في الفترة الأخيرة.
وهنا، أوضح المحلل الروسي، مكسيم سوشكوف، أن بوتين رأى في معضلة إدلب فرصة للانغماس في لعبة سياسة خارجية كبيرة مع تركيا، ومثل هذه اللعبة من شأنها أن تقرب موسكو وأنقرة في القضايا الأخرى، ولعل من أبرزها التعاون الثنائي والعسكري التقني. ففي سبتمبر/ أيلول 2018، وقَع بوتين وأردوغان على اتفاقية سوتشي بشأن إدلب على أن تتحمل أنقرة بعض الالتزامات، بما في ذلك حل معضلة “هيئة تحرير الشام”، وكان من الصعب، ابتداء، الوفاء بهذه الالتزامات كاملة غير منقوصة. وأما الآن، “ومع نهاية الانتخابات، ضغطت موسكو بشدة من أجل اتخاذ إجراءات أكثر قوة”، وفقا لتقديرات الكاتب الروسي “سوشكوف”، وأضاف أن “موسكو تشعر بأن الوضع في إدلب قد خرج عن نطاق السيطرة”.
ومع ذلك، فإن الوجود الفعلي للقوات التركية داخل شمال غرب سوريا ربما هو السبب الأبرز لعدم حدوث هجوم بري مباشر على المنطقة من قبل نظام الأسد بإسناد روسي ودعم إيراني، وإن كان لم يمنع قوات النظام والروس من الاستمرار في شن غارات جوية على المنطقة. قد لا يهتم نظام الأسد، وربما إيران معه، بالضرر الجانبي التركي، ولكن على الأقل في الوقت الحالي، فإن روسيا تراعي ذلك، وليست مستعدة لخسارة الموقف والتعاون التركيين.
صحيح، كما يرى محللون، أن أحد أكبر انتصارات روسيا حتى الآن في تورطها في الصراع السوري هو ما دفع تركيا والولايات المتحدة إلى التباعد والتنافر، وإحداث تصدع داخل الناتو، ولكن المكاسب التي حققتها روسيا مع تركيا قد تتلاشى إذا تحرك نظام الأسد والميلشيات المدعومة من إيران للسيطرة على إدلب، إذ لا تزال موسكو، على الأقل حتى الآن، ترى في أنقرة ذات قيمة إستراتيجية، وهذا لا يمنعها من التحرك لقضم مساحات ومناطق في المعاقل الأخيرة للثوار وتحقيق مكاسب ميدانية لتضييق الخناق، تدريجيا، على الثوار، ليسهل عليها بعد ذلك فرض خيارها، وهو ما سعت إليه في المعارك الأخيرة.
وهنا يرى محللون أن هذا قد يجبر موسكو على الانخراط في حملة مكلفة ربما ما كانت عازمة على تخصيص موارد لها، ثم إن شراسة المقاومة وحجم المواجهة كشفا لها أن عملية إدلب أصعب وأطول مما كانت تتصور، وحساباتها أكثر تعقيدا وتشابكا.
ويقول الصحافي في فرانس 24، وسيم نصر، عن هجوم الفصائل وانغماسهم في خضم المعارك الأخيرة، إنه “يمثل تحولا حقيقيا في معركة إدلب”. ورأى أن “الهيئة (تحرير الشام) قد تمكنت من قيادة الثوار لمواجهة قوات النظام المدعومة من روسيا لاستعادة بعض المواقع التابعة لمحافظة إدلب، وحتى في شن هجوم واقتحام أجزاء من مناطق سيطرة النظام، على الرغم من التكهنات بأن تركيا قد تحاول زرع قوات صديقة بين الهيئة ومناطق النظام، قد تنقلب عليها يوم ما، وأثبتوا بهذا قدرتهم على الهجوم والاقتحام رغم الثقل الروسي في المعركة وزخم قوات النظام”، وما بدا لافتا أيضا، وفقا للصحافي المتخصص في الجماعات الجهادية، في هذه المعركة، أن نقاط المراقبة الروسية باتت مُهددة من هجوم الجهاديين والثوار. وأضاف أن الفصائل والمجموعات المرابطة في إدلب تنسق فيما بينها في هذه المعركة، بغرف عملياتها الثلاث، واحدة من الإسلاميين والثوار، وأخرى من هيئة تحرير الشام والحزب التركستاني، وثالثة من المجموعات الجهادية القريبة من القاعدة.
وأوضح أن “هيئة تحرير الشام” طورت قدراتها العسكرية وخططها الحربية، بما لديها اليوم من مهارات قتالية وموارد بشرية وما تحوزه من معدات وأسلحة، ثم تخطيط الاقتحام والانسحاب تحت القصف الكثيف وإدارة العملية والتنسيق بين مجموعات الثوار بطريقة احترافية، في مواجهة قوات النظام وطيران الروس الذي لا يكاد يهدأ. لكن “ومع كل هذا الزخم، فإننا أمام عملية محدودة في جبهة واحدة، نتحدث فيها عن قرى وبلدات قليلة”.
المصدر: القدس العربي