أحمد مظهر سعدو
بعد أن تمت موافقة الاتحاد الروسي والولايات المتحدة على إرسال مستشاريهما للأمن القومي إلى القدس المحتلة للتباحث حول قضايا الشرق الأوسط الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتقاطعة خلال الشهر الجاري. تشير المعلومات إلى أن المؤتمر الذي سيحضره كل من جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، ونيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، ومئير بن شابات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، سيركز، بالدرجة الأولى، على مصير سورية.
كما سيجري الحديث حول دور إيران ووجودها ونفوذها في سورية والمنطقة، وفي خروج إيران من سورية. ويقول بعض المتابعين إلى أنه لم توافق روسيا على هذا الاجتماع وتتحمّس له، لو لم تكن لديها تأكيداتٌ بأنها ستنال مقايضة دسمة في ما يخص وجودها في سورية، وروسيا على علمٍ بالوعود الدولية لها في حال نجاحها بإخراج إيران، ولديها وعودٌ بتطويب سورية ملكاً لها حسب التأكيدات، ومنحها رخصة تشكيل النظام السياسي والتحكّم بالحياة السياسية السورية.
حول هذا الذي يحاك لسورية سألت جيرون بعض الساسة والباحثين والكتاب: هل يعني هذا الاجتماع المرتقب الموافقة على إعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه، فيما لو وافق ووافقت معه روسيا على إخراج الإيرانيين من سورية؟ وما مدى جدية هذه المسألة أميركيًا وعلاقتها بصفقة القرن؟
حازم لطفي الدبلوماسي السوري ونائب سفير الحكومة السورية المؤقتة في الدوحة تحدث لجيرون بقوله ” تزداد هيمنة المعادلة الدولية في سورية على الصعيدين العسكري والسياسي ويبدو أن لعبة الاستنزاف الدولي المتبادل وتصفية الخصوم على الأراضي السورية وحتى الحلفاء الذين انتهت الحاجة إليهم بات على أوجِه خلال عام 2019، وباتت نظرية البقاء للأقوى وكأنها النظرية الوحيدة القابلة للتطبيق ضمن المشهد السياسي القائم. إن قرار كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإسرائيل عقد اجتماع ثلاثي خلال الأيام القادمة يعتبر استمرارًا لنقاش قضايا الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط بشكل عام والذي بدأ في قمة هلنسكي التي جمعت الرئيسين الأميركي والروسي في تموز/يوليو 2018، ويأتي في سياق معالجة قضية صفقة القرن وتحجيم الدور الإيراني وتبادل المصالح للدول الأكثر تأثيرًا في المنطقة (أميركا، روسيا، الكيان الصهيوني) داخل سورية، والتي سعت إلى استنزاف القوى المحلية والإقليمية والخليجية تدريجيًا بغية ضمان الهيمنة الجيوسياسية لها على سورية المفصل الاستراتيجي الهام في منطقة الشرق الأوسط. إن الملف المركزي الذي تسعى أميركا لترسيخه وتمريره لأجل حليفها الرئيسي في المنطقة الكيان الصهيوني هو ملف صفقة القرن، ويأتي تثبيت حدود الجولان وسحب القوات الإيرانية ضمن هذا السياق، ويبدو أن روسيا أبدت استعدادًا للتخلي عن الحليف الإيراني مرارًا، وقالت إنها لا تتفق مع أجندة إيران المعادية لإسرائيل، وبالمقابل قال رئيس شعبة استخبارات الكيان الصهيوني في خطاب ألقاه الأربعاء الماضي أنه ليس لإسرائيل سبب يدفعها للشكوى بخصوص مستقبل إيران في سورية، لأن روسيا تقوم على العمل لتقييده، كما لفت أن إيران لا تملك عمليًا بفعل ارتباطها اليوم بروسيا وتجارة النفط الإيراني لروسيا خيارًا آخر. إن روسيا تسعى جاهدة بألا يذهب جهدها في دعم النظام هباء، ويبدو أنها ستطرح في القمة الثلاثية على إسرائيل والولايات المتحدة معادلة إبعاد إيران مقابل تثبيت النظام والاعتراف به، وقد تومئ الولايات المتحدة بالموافقة على المقترح ولكن الأمر برأيي لن يتجاوز مساعي الولايات المتحدة في استمرار استنزاف روسيا في المنطقة كما فعلت ذلك سابقًا مع إيران، وسيبقى ملف إخراج إيران هو الذريعة الأميركية والاسرائيلية لاستنزاف الروس في المنطقة”. وأضاف لطفي ” نستطيع أن نقرأ مؤشرات المحاولات الفاشلة التي بذلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مع المصري عبد الفتاح السيسي لتأهيل بشار الأسد وإعادة نظامه إلى الجامعة العربية في اجتماعها الأخير بتونس، وذلك بعد ترك الحبل الأميركي على الغرب بداية لإسرائيل وبعض دول الخليج بمشروع تعويم الأسد، ونتج عن ذلك انهيار مشروع تبنته موسكو خلال الأشهر الماضية والذي يقتضي بإعادة 8 ملايين لاجئ سوري. لقد أكدت الإدارة الأميركية بأن مبلغ العشرة مليارات دولار التي جمعت لإعادة إعمار سورية لن تصل ليد بشار الأسد أو لخزينة النظام السوري، بل سيتم انفاقها على إعادة توطين اللاجئين السوريين في البلدان المضيفة لهم. خلاصة القول أن الاجتماع المرتقب لن يفضي إلى إعادة تعويم الأسد وإن كانت مؤشراته الأولية تعلن ذلك، وعلى الغالب ستصب مخرجاته في تعزيز ملف صفقة القرن وتحجيم الدور الإيراني في المنطقة، وسيكون هناك استمرار لاستنزاف إيران وروسيا الذين ينتظران ملف إعادة الإعمار لأجل استرداد ما تم انفاقه على دعم نظام الإجرام السوري لتحقيق مصالحهم في المنطقة، ويبقى الدور الأهم دائمًا هو دورنا كسوريين ودور القوى الوطنية السورية في استثمار الأوقات الضائعة بتوحيد جهودها واستكمال بناء خطابها الوطني وقوة تضامنها الداخلي بصدق وبمسؤولية، ثم قدرتها على قراءة المصالح الدولية واستثمار الممكن بما يصب بالمصلحة الوطنية”.
الأكاديمي السوري طلال مصطفى قال لجيرون ” أعتقد أن الاجتماع الروسي الأميركي الإسرائيلي في القدس المحتلة على مستوى المستشارين للأمن القومي للتباحث فيما يتعلق بالشأن السوري وخاصة التواجد العسكري الإيراني له أهميته السياسية في الوقت الحاضر، ولكن لن يكون على مستوى التوقعات السياسية التي يتحدث البعض عنها فيما يتعلق بإخراج القوات الإيرانية وميليشياتها المذهبية الدينية من سورية مقابل إعادة تأهيل الأسد للاستمرار في الحكم في سورية، فسقف هذه الاجتماعات يتعلق بقضايا عسكرية فنية فقط وفي عدم حصول اصطدامات روسية إسرائيلية في حالات القصف الإسرائيلي للقواعد العسكرية الإيرانية في سورية. وهذا التنسيق الروسي الإسرائيلي لن يكون على حساب التحالف الروسي الإيراني في المنطقة وخاصة فيما يتعلق بالملف السوري، إنما تتعمد روسيا من فترة الى أخرى استخدام هكذا اجتماعات وتنسيقات كأداة ضغط على الوجود الإيراني في سورية، والذي يتعارض مع الوجود الروسي في بعض الأحيان. خاصة في حالة عدم وجود تصور سياسي شامل لحل القضية السورية، التي تحتاج إلى توافقات دولية (أميركية، أوروبية، روسية) وأيضًا إقليمية (خليجية، تركية، إيرانية). كما أن هذه الاجتماعات الروسية الإسرائيلية لا تعني الوصول إلى حالة من التوافق السياسي الشامل للوضع السوري، وإنما يتم استخدامها كنوع من الضغط على حليفيها سواء كان النظام الأسدي أو النظام الإيراني. المهددين دائمًا من قبل إسرائيل.” أضاف مصطفى ” ليس بالأمر السهل تفكيك التحالف بين النظامين الأسدي والإيراني، فقد أنفق النظام الإيراني عشرات المليارات لإنقاذ النظام السوري من الانهيار، عدا عن الخسائر البشرية بآلاف الجنود والضباط. بل أصبح لديه جيش من الميليشيات العسكرية الشيعية في المدن السورية كافة، وصولًا إلى تمثيل النظام السوري في المؤتمرات الإقليمية والدولية سياسيًا، وما مشاركة النظام الإيراني في مؤتمرات أستانا إلا خير دليل على هذا التمثيل. بالمقابل لن يتخلى بشار الأسد عن النظام الإيراني بعد أن لمس دوره الرئيسي في حمايته من السقوط إثر ثورة 2011، وبالتالي سيحاول بكل إمكانياته الحفاظ على هذا التحالف كحالة من الزواج الأبدي إذا صح التعبير، ولا انفصال بينهما دون وفاة أحدهما فتحالفه وجودي مع النظام الإيراني. أما التوجهات السياسية الروسية التي توحي بالعمل من أجل إخراج القوات الإيرانية من سورية فتقع في ميدان التكتيك السياسي الإعلامي فقط من قبل روسيا، من أجل عدم الاصطدام مع الولايات المتحدة الأميركية، وهناك تنسيق عسكري وسياسي واضح بينهما، وبالتالي الحديث الروسي عن نيتها إخراج القوات الإيرانية من سورية يدخل ضمن المناورات الروسية على الصعيد الإقليمي والدولي. وحتى لو فكرت بإخراجها لن تكون بالسهولة لا من قبل إيران ولا من النظام الأسدي. أما في الواقع هناك مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة بين النظام الروسي والإيراني في سورية والمنطقة بشكل عام، لا يمكن لروسيا أن تضحي بهما، حتى لو كان المقابل إعادة تأهيل الأسد في المستقبل، وهذا لن يحصل إلا في حل سياسي شامل في سورية وهذا غير واضح معالمه حتى الآن”.
أما المعارضة السورية ناديا عقيل فترى أن ” الصهاينة هم من يقود الحروب في العالم، وخاصة الوطن العربي، وهم أصحاب المال والنفوذ في أميركا وأوروبا وروسيا. وإيران شريكة تاريخية للصهاينة في العقيدة والمصلحة. ولا أعتقد مطلقًا أن الصهاينة على عداء، أو خلاف مع إيران، وهم من جاء بالأسد ومليشيات حزب الله، وهم من دمر العراق وسلمه لأزلام إيران. وكذلك اليمن وغيره ” ثم أشارت إلى أن ” صفقة القرن لا أحد يعرف تفاصيلها، لكنه من المعروف أن الكيان الصهيوني قد وصل إلى مجمل أهدافه في تصفية القضية العربية الفلسطينية بمجملها. كيف لا، والعرب إجمالاً في وضع هو الأسوأ في تاريخهم كله. الصهيونية تركز على تطبيق السيناريو العراقي في سورية وبهذا تكون هي القوة الوحيدة في كل الشرق الأوسط، الذي يملك الجو والبحر وعلى الأرض، ستبقى إيران لأنها السلاح الفتاك ضد العرب وضد الإسلام. إلا إذا اجتمع العرب الأحرار وقلبوا الطاولة على أعداء الإنسانية وأعداء الحضارات.”
الناشط السوري الدكتور زكوان بعاج أكد لجيرون أن ” الحالة التي أوصلتنا إليها العصابة الحاكمة في دمشق، نتيجة مواجهة مسلحة مع الشعب السوري وخسارة سورية القوة العسكرية الوطنية، دفعت إلى الاستعانة بقوى خارجية مثل الإيرانيين والروس والمليشيات التابعة لهم، حيث فقدت العصابة الحاكمة السيادة الوطنية على معظم دوائر الدولة السورية ومؤسساتها، وأصبحت إيران وروسيا المسيطرين الحقيقيين على مفاصل الدولة السورية والقرارات السيادية. النقاش الذي يدور اليوم في كواليس المؤتمرات الدولية يتمحور حول السؤال التالي: ماذا سنفعل بالحمل الثقيل الذي اوصلنا إليه بشار الأسد؟ هل تقبل الثورة السورية بإعادة تأهيله؟ وكيف يمكن أن نعيد الثقة بين العصابة الحاكمة والشعب السوري الذي خرج ضد ممارساتها الوحشية؟ أعتقد أن المجتمع الدولي يناقش حلولًا مختلفة من تجارب الدول، وأهمها بقاء بشار الأسد إن تم فسيكون لفترة قصيرة، مثل الحل البولندي مع ضمانات بعدم التعرض لرأس النظام الإجرامي وللمجموعة المقربة منه.” ثم قال” الاسراع في انعقاد مؤتمر وطني سوري يضم ممثلين عن الثورة السورية ومن سوريي الداخل المتواجدين تحت سيطرة النظام والذين يؤمنون بالتغيير، سيساعد على اختيار مجموعة وطنية ككتلة صلبة، تؤمن بضرورة التغيير وإنقاذ سورية، وتبحث عن حلول قابلة للتنفيذ والقبول من الشعب السوري، وسيوفر ذلك دعمًا دوليًا لإعادة بناء الدولة السورية وإعادة إعمارها، وتؤمن استقلالية الدولة السورية بعيدًا عن التأثيرات الاقليمية المختلفة، بالطبع ذلك يتطلب موافقة دولية وخاصة روسية وأميركية وأوروبية وتركية وخليجية. وبالنسبة لصفقة القرن، لا أستبعد صفقة أميركية إسرائيلية روسية في ربط حلحلة الأمور في سورية مقابل تنفيذها، حيث يرتبط ذلك بمساع أميركية روسية لإجبار القوات والمليشيات الإيرانية على الانسحاب من سورية والعراق واليمن ولبنان.”
الكاتب السوري أحمد قاسم نوه لجيرون إلى أن ” الكثير من الجوانب المهمة التي تمس بشكل مباشر طبيعة الصراع الدولي والإقليمي على سورية ومدى تأثير هذا ذلك على طبيعة الصراع الإسرائيلي العربي الذي بات يشكل عبئًا ثقيلاً على طبيعة العلاقات الدولية في المنطقة وأهميتها الإستراتيجية والجيوسياسية. أما بخصوص اللقاء الثلاثي المرتقب في إسرائيل بين (أميركا وروسيا وإسرائيل) فالهدف من هذا اللقاء ( والمعلن فيه ) هو مناقشة التواجد العسكري الإيراني في سورية للوصول إلى المشتركات فيما بينها حول عملية وآليات إفراغ سورية من هذا الوجود ” غير المرحب به أساسًا من قبل السوريين، وكذلك إقليميًا لما يشكل من خطر على أمن وسلامة المنطقة برمتها) إلا أن جوهر اللقاء أهم من ذلك بكثير، حيث سيكون الحوار الأساسي هو البحث عن آليات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهذا لا يمكن بحثه بمعزل عن المسألة السورية ودور إيران في إدارة ذلك واستثمارها خدمة لمشروعها الإقليمي واستمراريتها في تصدير الثورة، وكذلك الاستفادة من إطالة عمر الأزمة خدمة لاستكمال صناعة السلاح النووي الذي ترى فيه أساسًا لمواجهة من سيقف ضد مشروعها في المنطقة أو قد تتجاوز! ولا ننسى أبدا ربط أزمات المنطقة ببعضها البعض (ابتداء من سورية مرورًا بلبنان والعراق ثم اليمن وليبيا والسودان بدون أن ننسى سيناء المصرية، لنعود إلى الضفة وقطاع غزة) كل ذلك يشكل عقدًا يجب تفكيكها وحلحلتها بصبر وتأنٍ لما تحمل من مخاطر أقلها (التفجير المتعمد). ” ثم أكد أن ” روسيا تشكل إحدى إتكاءات إيران التي تستند عليها دبلوماسيًا (أقلُّها في مجلس الأمن) ويجب إزالة هذا المسند من خلال التوافق بين الأطراف الثلاثة من خلال المساومات على الكثير من الأوراق التي تمتلكها أميركا وإسرائيل لإقناع روسيا ووجودها في سورية. أي أن إخراج إيران من اللعبة في منطقة الصراع العربي الإسرائيلي قد يفْتح أبواب الحلول لكثير من الأزمات في المنطقة، وأهمها (السورية)، وبما أن سورية هي بوابة الحل للصراع العربي الإسرائيلي كما وصفها (كسنجر) يجب عزل سورية من كل المؤثرات الخارجية التي تعيق عملية السلام وأهمها التأثير الإيراني. بعد ذلك نستطيع أن نتكلم عن الآفاق والحلول، حيث بشار الأسد سيتعرى من الغطاء الإيراني، وكذلك الحماية الروسية، لما سيقدمونه لها بعد لقاء إسرائيل (هذا إن تم التوافق بين الأطراف الثلاثة، وأعتقد أن تركيا ستكون حاضرة بشكل غير مباشر لأهمية دورها) وبالتالي فلا أعتقد أن بشار الأسد سيقف بالضد مما سيطرح عليه من حلول حفاظًا على روحه ليس إلا، وهو يدرك جيدًا بأن سقوطه بالقوة سيعرضه إلى المحاكم وهو يتحمل مسؤولية كل تلك الجرائم التي ارتكبت في سورية طوال سنين الثورة. في حالة قبوله للتسوية والتخلي عن الإيرانيين”. ثم أضاف قاسم ” أعتقد بأن المرحلة الانتقالية للنظام ستكون بوجوده إرضاءً للمكون العلوي واطمئنانًا له على أنه بعد التغيير لا يمكن الإساءة للعلويين أو الانتقام منهم. إن لقاء إسرائيل له أهمية خاصة بالعلاقة مع مجمل الأزمات في المنطقة ومن ضمنها صفقة القرن التي يسعى دونالد ترامب لتحقيقها لأسباب كثيرة خاصة، تخصه وتخص المصلحة الأمريكية، ومن حق دول المنطقة أن تكون مشاركة للحفاظ على أمنها ومصالحها”.
المعارض والكاتب السوري نجيب سليقة قال ” ما يهم أميركا في منطقتنا هو مصالحها الاقتصادية أولًا والكيان الصهيوني، وانكفاء إيران ضمن حدودها واخراجها من مواقعها في سورية. وتدمير قدراتها العسكرية لتبقى اسرائيل السيد الوحيد والأقوى، ولا أرى صفقة القرن إلا بتوفر شرطين الأول وجود شريك فلسطيني موافق، والثاني إضعاف إيران حتى لا تتمكن من مواصلة دعمها لحلفائها الفلسطينيين والعرب، حيث إنها تتحرك وفق مصالحها كغيرها، فهي تملك مشروعًا قوميًا للوصول لدولة الأمة التي تكون شريكًا لأميركا وروسيا والصين، أما بقاء النظام عندنا في برنامجه ونهجه فهام جدًا للقوى الفاعلة دوليًا بغض النظر عن الأسماء”.
أما الباحث السوري المعارض محسن حزام أكد لجيرون أن ” لقاء مستشاري الأمن القومي الثلاثة (الأميركي، الروسي، الإسرائيلي) في القدس يُستدل من خلاله على حقائق لابد من التأكيد عليها: منها أن هذا اللقاء مهمته رسم معالم جديدة لخارطة المنطقة بمسمى (قضايا الأمن الإقليمي) بعد المتغيرات التي حدثت في بلدان الربيع العربي نتيجة حروب الوكالة التي فرضت عليها من قوى الخارج باستخدام أذرع إقليمية. وأيضًا الأولوية في أي لقاء من هذا النوع بين الأطراف المتنفذة على مستوى العالم هدفه الأساسي البحث في كيفية ضمان أمن إسرائيل وتثبيت وجودها. وهناك مصالح ما زالت متشابكة ومتعارضة بين الروسي والأميركي، لابد من فض الاشتباك فيما بينها وخاصة في الحالة السورية، تؤكدها المصالح السياسية التي تقول (حان قطاف منتج مواسم الدعم غير المحدود للنظام السوري. ” ثم قال ” وهناك نقطة القلق الإستراتيجي لهذا المحور بما يخص إيران تكمن في مسعاها للوصول إلى ممر بحري حتى المتوسط. يؤكد ذلك امتداداتها عبر الحرس الثوري والمليشيات التابعة لها من العراق حتى اليمن مرورًا بسورية ولبنان والبحرين، بهدف تصدير الثورة، ونقل خلافاتها الداخلية خارج حدودها من منطلق مذهبي استيطاني توسعي بغية إعادة إنتاج المشروع الفارسي. صحيح أن هذا الشعار لا تهتم به دول الحلف الجديد ولكن يشكل عامل إعاقة بنمو مفرداته. ولعل ما هو معلن بخصوص إعادة تأهيل نظام الأسد واستمراره مرتبط باتفاق أميركي روسي حسب المطلب الإسرائيلي بهدف تحجيم الدور الإيراني في سورية والعمل على إنهاء وجوده. لكن هذا المطلب ولو وافقت عليه روسيا وكان ضمن إستراتيجيتها الراهنة، لكن من الصعب تحقيقه على أرض الواقع بسبب تمدد الإيراني مجتمعيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا على المستوى اللوجستي، ومسألة فك الارتباط مع الأسد ليست بالأمر السهل وله تبعات مدمرة داخل سورية، علمًا أن روسيا هي المتصرف الحصري في سورية وليس الوحيد. هذا التوافق الجديد في المصالح له منعكساته أيضًا على الحالة الفلسطينية بمسمى صفقة القرن التي ظهرت ملامحها الأولية في اعتبار القدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال، إلى قانون الهوية اليهودية، إلى ضم مرتفعات الجولان السورية إلى مفردات الصفقة الجديدة، والاتفاق الأمني الإقليمي لرسم معالم المنطقة من جديد هدفها تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى مشكلة لاجئين يتم البحث عن موطن جديد لهم في الأردن وسيناء مقابل تعويضات تدفع لهم من خزائن دول الخليج قد تشمل حتى عرب 48. فهناك مخاطر كبيرة على سورية والمنطقة من هذه اللقاءات التي وقودها الشعوب دون أي وازع إنساني، الهدف تدمير إمكانات الأمة في الحؤول دون توحدها، والأيام القادمة ليست في صالح الشعوب على المدى المنظور.”
الإعلامية الفلسطينية كفاح كيال أكدت لجيرون أن ” ما يحدث في منطقتنا هذه الأيام يشبه إلى حد كبير ما حدث عشية اتفاقية سايكس بيكو، فالدول الأجنبية المحورية تحاول تقاسم أقطار عربية ومقدرات تلك الأقطار بحجج واهية وذرائع ليست سوى ديماغوجية استعمارية. فروسيا وإيران وأميركا وغيرها من دول المال والقرار تتعامل وفق مصالحها، وتحييد دولة دون أخرى واستئثار دولة بسورية عن دولة أخرى، ما هو إلا تقاسم مصلحي سيكون وفق أجندات دولية غير واضحة المعالم للآن. وسواء خرجت إيران من سورية أم لم تخرج فبقاء قوات احتلال أجنبية روسية أم أميركية أم إيرانية يعني بقاء سورية تحت الاحتلال الأجنبي. إن صفقة القرن المزعومة بدأت تكرس على الأرض منذ توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993 والمتتبع لمجريات الأمور على الأرض، يعرف أنه خلال العقد الأخير هناك توجه نحو صفقة سميت لاحقًا بصفقة القرن ولكن حيثياتها كانت تجسد على الأرض، عبر مصادرة القرار السياسي وتحويل قضية فلسطين إلى قضية إنسانية فارغة من محتواها الوطني وبعدها القومي، ولا يمكن فصل ما يحدث في فلسطين عما يحدث في سورية بطبيعة الحال، فجزء من صفقة القرن قد كرس بهدم مخيم اليرموك في العمق الجغرافي السوري، ومعه مخيمات اللجوء غالبيتها في سورية، وبالنسبة للكيان الصهيوني وحلفائه من دول استعمارية سواء كانت أميركا أم روسيا وغيرها، فسوريا تشكل هاجسًا استراتيجيًا لهم، والسيناريوهات التي ترسمها واشنطن أو طهران أو موسكو قد تتحطم عند أول مواجهة مع ثوار سورية على الأرض كما يحدث الآن في ريف حماة.” وأضافت كيال ” لكن هذه الدول ومعها لفيف من دول أجنبية وعربية معنية بوجود الأسد ولو ككيان كرتوني، ومحاولات إعادة تدويره واضحة. فتلك الدول لا تريد للثورة أن تظهر وكأنها انتصرت، فهذا يضرب عقائدية تلك الدول الاستعمارية من جهة وهي رسالة لشعوب تلك الدول التي بدأت تتململ أيضًا. فصفقة القرن كما يبدو سيكون لها حصة الأسد في سورية حيث هناك سيتم تحديد جغرافية المنطقة واستحكاماتها من أجل ضمان الحفاظ على الأمن القومي للكيان الصهيوني والدول الحليفة التي أثبت السياق بأنها عدو للشعب السوري وللشعب العربي عمومًا.”
الناشطة السورية أميمة الخش اكتفت بالقول ” هذه اتفاقات هامشية متفق عليها سابقًا، أما صفقة القرن فيا ويلنا من صفقة القرن! ولا نسأل أكثر من هذا “.
المصدر: جيرون