تفاوضت روسيا وتركيا، باعتبارهما القوتين الضامنتين لوقف التصعيد في محافظة إدلب، على وقف إطلاق النار، وهذا من أجل إنهاء أكثر من ستة أسابيع من القتال والقصف، تحركت خلالها قوات النظام لاستعادة أجزاء من الشمال الغربي، لكن في غضون ساعات من الإعلان عن الهدنة، أطلقت قوات النظام النار على مواقع الثوار ونقاط المراقبة التابعة لمواقع الجيش التركي، وفي ثلاثة أيام فقط، استُهدفت نقاط المراقبة التركية في إدلب مرّتين، بقذائف صاروخية، في ظلّ هدنة مفترضة أعلن عنها الجانب الروسي، وجاء الرد التركي ضعيفاً ومحدوداً.
ولا تكمن مشكلة روسيا مع إدلب، كما يرى محللون، في هذا الاستهداف لبعض مواقع المراقبة التركية، هل هو بإيعاز من الروس للضغط على أنقرة لحملها على تنفيذ المتفق عليه في «سوتشي»، أم تصرف من النظام لخلط الأوراق وتصعيد الوضع الميداني أكثر. فالمشكلة الرئيسية لروسيا في شمال غربي سوريا، كما يراها الباحث في الشأن السوري، ساشا غوش سيمينوف رئيس منظمة «الشعب يطلب التغيير» الأمريكية أعمق ومتعددة الأوجه، منها «أن الأسد ليس حليفًا موثوقًا به، إذ يحاول، في بعض الأحيان، التحرك بعيداً عن المتفق عليه أو خارج قواعد اللعبة التي فرضها التدخل الروسي والإيراني في الصراع إنقاذاً لنظام الأسد، وهذا بحثًا عن مصالحه الخاصة ومصالح عشيرته»، و»أن التورط في حملة عسكرية ضد إدلب مكلفة دفعة واحدة قد يؤدي إلى فقدان النفوذ الثمين مع تركيا، وهناك أيضاً التكلفة المستنزفة للسيطرة على المناطق المحررة للثوار شمال غربي سوريا».
وهنا أشار كبير محللي شؤون المنطقة في صحيفة «هآرتس» العبرية، تسيفي باريل، إلى أن «العلاقة بين إيرانوروسيا ليست كالسابق.. الروس توقفوا مؤخراً عن الاحتجاج على الهجمات الجوية المنسوبة لإسرائيل على القواعد الإيرانية في سوريا. واللقاء الثلاثي لمستشاري الأمن القومي من إسرائيل وأمريكا وروسيا الذي سيعقد في إسرائيل نهاية الشهر لا يُفرح الإيرانيين». ثم إن إيران، كما رأى المحلل الإسرائيلي، على الرغم من أنها آثرت الصمت علنًا بشأن ضربات إسرائيل في سوريا «إلا أنها تعرب دائمًا عن قلقها لموسكو من كونها قريبة من إسرائيل».
أما مراكز المراقبة التركية، بشكل عام، فقد استخدمتها أنقرة لمراقبة الوحدات الكردية القتالية، قبل عمليتها للسيطرة على مدينة عفرين، أو عرقلة محاولات توغل النظام داخل مناطق الثوار في محافظة إدلب. ولكن يبدو أن بعض مراكز المراقبة مُصمَمة كما لو أنها أنظمة إنذار مبكر، ولا يبدو أنها موجهة للدفاع إذا حاول النظام شن هجوم في هذه المناطق. ويبقى الأمر مرتبطاً بالتقدير الروسي إذا كان يستحق المخاطرة لضرب القوات التركية، عن طريق الخطأ زعماً، في محاولة للسيطرة على إدلب. وتمتلك تركيا حالياً 12 نقطة للمراقبة تتمركز، بشكل إستراتيجي، في جميع أنحاء مناطق الثوار في شمال غربي سوريا، بطريقة لا يمكن لأي مسار يتبعه نظام الأسد وحلفاؤه، من أجل التوغل في المعقل، تفادي المرور قريباً من مركز مراقبة تركي.
وما ظهر حتى الآن أن نظام الأسد وحلفاءه يتبعون نهجاً تدريجياً في محاولة السيطرة على إدلب، فهم يستهدفون الأطراف أولاً قبل التقدم إلى المركز، وهذا يمكن النظام من جمع أكثر قوته ليحشدها في المعقل الأخير للثوار في إدلب بالشمال الغربي السوري. وستكون الأجزاء المركزية في إدلب وقلب المدينة أصعب المواقع وربما تُترك إلى آخر مرحلة، ولكن كل هذا، وفقاً لمحللين، يعتمد على نوع العلاقة التي تريدها روسيا مع تركيا الآن وفي المستقبل، وهي العلاقة التي تراعيها روسيا أكثر من علاقتها بنظام الأسد، ثم ما مدى أهمية المعقل الشمالي الغربي للثوار، أو على الأقل محافظة إدلب، بالنسبة لتركيا وخططها طويلة الأجل للمناطق السورية التي تسيطر عليها الآن، وما مدى استعداد روسيا أو إيران أو النظام للمخاطرة في مواجهة عسكرية مع تركيا حال وصولهم إلى موقع مراقبة أثناء محاولة الاستيلاء على الجيب قبل حدوث انسحاب تركي محتمل.
وهنا، يستحضر المراقبون التعاون الدفاعي التركي الروسي الوثيق، فلا موسكو مستعدة، بأي حال، للتضحية به، على الأقل الآن، ولا أنقرة يُتوقع لها أن تخضع لتهديدات واشنطن بفرض عقوبات إن هي أتمَت الصفقة، وفي هذا كتب الباحث، يكولاس دانفورث، الخبير في شؤون تركيا لدى «مركز سياسة الحزبين في واشنطن»، أنه «مع إصرار تركيا على استلام صواريخ S-400 الروسية كما هو مخطط لها، تصر الولايات المتحدة على أن هذا سيؤدي إلى فرض عقوبات خطيرة ، هناك ما يدعو إلى الخوف من حدوث أزمة حقيقية»، وأضاف أنه «بالنسبة لواضعي السياسات في كلا البلدين الذين يقدرون قيمة العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، فقد حان الوقت الآن لبدء التفكير في كيفية احتواء العواقب إذا حدث ذلك. الخطر هو أن كلا الطرفين، بعد أن وصلا إلى هذه النقطة عن طريق سوء فهم الطرف الآخر بشكل منهجي، يمكن أن يتفاعل بسهولة مع الأزمة من خلال جعلها أسوأ بكثير».
وخلاصة القول في أمر هذه الصفقة، وفقا لتقديرات الباحث «آرون شتاين»، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن» أنها «غير مسبوقة بالنسبة لتركيا وروسيا، وأن الطبيعة التصاعدية للصفقة، ومدى سرعة إبرامها، وموافقة روسيا على تسريع الطلب (ربما حتى الانسحاب من أسهم الشركات الروسية للوفاء بالموعد النهائي المحدد في يوليو) تؤكد أهمية ذلك للجانبين».
المصدر: القدس العربي