لا تزال المهمة المركزية المتعلقة بنهوض قوى الثورة السورية، للقيام بدورها الوطني على الصعيدين الميداني والسياسي، من أبرز التحديّات التي تواجه الثورة في واقعها الحالي، بعد أن أصبح معلوماً أكثر من أي وقت مضى، مدى تحكم اللاعبين الدوليين والإقليميين، في تحديد خيارات الحلول المقترحة للقضية السورية رغم تبايناتهم حولها، وفي ظل استمرار الضغوط السياسية لقبول أطراف المعارضة السورية، ببقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، ومحاولات تهميش القوى الثورية الرافضة لإعادة تأهيل النظام بأي حل سياسي. إن البيان الرئاسي الصادر عن اللقاء الذي جمع ترامب وبوتين في قمة آبيك في الفيتنام بتاريخ 11/11/ 2017، ورغم أنه يُوضح نقاط التوافق المُعلنة بين الطرفين الأكثر نفوذاً في الساحة السورية، دون تجاهل فروقات التأويل الخاص لكلٍ منها، في معرض تطبيق تلك النقاط، في حال أصبحت الأساس المعتمد للحل السوري، فمن الواضح أيضاً أن التفاف البيان الرئاسي على مصير بشار الأسد وعلى هيئة الحكم الانتقالي، مما لا يجوز إغفاله في قراءة مضمون وأبعاد ذاك البيان، بل يتوجب النظر لهذه المسألة كمؤشر خطير، على تغييب الحل العادل للقضية السورية، وتجهيل المطالب المشروعة للثورة، وفي مقدمتها محاسبة الأسد وطغمته الحاكمة على جرائمهم بحق الشعب السوري. إن النسخة الأحدث للرؤية الأمريكية – الروسية الواردة في البيان الرئاسي، إنما قامت على الوقائع والنتائج التي حققها مسار آستانة، ودوره في إعادة تعريف الصراع السوري، وفق حسابات المصالح الدولية والإقليمية على حساب حقوق وتضحيات السوريين وتطلعاتهم المشروعة، وليس مسار جنيف في جولاته السابقة ما يشكل تعارضاً مع تلك الرؤية، طالما أنه لم يحقق اختراقاً يزحزح صخرة الاستعصاء، ولم يكن مرجعية قادرة على تنفيذ بيان جنيف1 والقرارات الدولية ذات الصلة، بحكم غياب إرادة دولية تسعى إلى إجبار النظام على الوفاء بالتزاماته
في ضوء ذلك من المُرجّح استمرار خطط وقف التصعيد، وشمولها المنطقة الجنوبية الغربية من سورية ( الحرمون وريف القنيطرة الشمالي ) لاستكمال ترتيبات الاتفاق الثلاثي بين أمريكا وروسيا والأردن، بخصوص خفض التصعيد المؤقت للمنطقة الجنوبية في سورية، بما يضمن تطمين الهواجس والمخاوف الإسرائيلية المستقبلية، وكيفية تمرير خفض التصعيد في مدينة أدلب وفق خطوات تواجه تعقيدات حادة بحكم سيطرة (هيئة تحرير الشام ) على المدينة، ومن المهم للغاية متابعة التطورات الساخنة في المنطقة الشرقية، لاسيما بعد معارك البوكمال، لاستكشاف الموقف الأميركي الحقيقي من مستقبل النفوذ الإيراني في سورية والمنطقة، وأبعد من ذلك فهم تداعيات الوقائع الميدانية على وحدة الجغرافية السورية، على وقع ترسيمات نهائية، تحدد مناطق نفوذ ومصالح القوى الدولية والإقليمية، وأدوات كل منها في تحديد إدارة المناطق الخاضعة لنفوذها، وهي المشكلة الأعقد في مدينتي الرقة ودير الزور بسبب التفويض الأمريكي لقوات (قسد) في تلك المناطق، وهو ما يتضارب مع مواقف الغالبية العربية الرافضة لذاك التفويض، ويتعارض كذلك مع محاولات النظام والإيرانيين إبعاد ( قسد ) عن حقول النفط والثروة الزراعية وطرق الإمداد الاستراتيجية في الشرق السوري.
إن استعراض تلك المعطيات المؤثرة بصورة ملموسة على الواقع السوري، من شأنها توضيح الحقائق والمتغيرات التي تنعكس على واقع الثورة عموماً، وعلى حواضن الثورة في المناطق المحررة على وجه الخصوص، وتكشف تلك المعطيات بمجملها عن حجم الصعوبات والتعقيدات التي أحدثتها سياسات وقف التصعيد، ودورها في تجميد وتحييد فصائل الثورة عن مواجهة النظام والميليشيات الإيرانية، في حين يتواصل مسلسل تهجير أهالي المنطقة الشرقية، وربط عودتهم إلى مدنهم وبيوتهم بعد إخراج ( داعش ) منها، باستحقاق إعادة الإعمار والصعوبات الكبيرة أمام ذلك في المدى المنظور، وآثار سياسة المصالحات القسرية، التي يتولاها الروس بصورة رئيسية مع النظام، وبدور مصري ملحوظ فيها، بهدف إخضاع المناطق الثائرة، وتشديد قبضة الحصار والتجويع عليها، كما يجري في الغوطة الشرقية ومخيم اليرموك في جنوب دمشق، ومناطق في ريف حمص الشمالي، ولا زال النظام يواصل ارتكاب المجازر بحق المدنيين تحت غطاء اتفاقات وقف التصعيد، كالمجزرة المروعة التي شهدتها مدينة الأتارب في الشمال السوري يوم 13/11/2017، مما يكشف عملياً استثمار كل تلك الوقائع الميدانية على الأرض السورية، والتي تجري لغير صالح الثورة، وتضاعف من التحديات التي تواجهها، في خلق مناخات سياسية تُفضي إلى شرعنة تحويل سورية إلى مناطق نفوذ وسيطرة، بين القوى الدولية والإقليمية مباشرةً، أو عبر ادواتها المتواجدة على الأرض السورية، من خلال حل سياسي ظاهره الحفاظ على وحدة الجغرافية السورية، ووضعها على سكة الاستقرار والأمن والسلام، بينما في حقيقته وفقاً للوقائع والمعطيات السالفة، إعادة تدوير النظام السياسي في سورية، بالضد من تحقيق انتقال سياسي حقيقي، وتوظيف النظام مجدداً مع معارضات شكلية، في عملية سياسية تُبقي سورية في فلك الاستبداد بعد إعادة تأهيله وتجميله، وفي فلك الهيمنة والنفوذ الخارجي، لاستكمال نهب واستغلال موارد وثروات البلد، بعد تكبيل إرادتها الوطنية، وإغراقها في ديون ثقيلة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب
لا يخرج مؤتمر سوتشي الذي دعت إليه روسيا، وقبلهُ وبموازاته مسار آستانة، عن خطوات حثيثة على طريق الحل النهائي ” لسورية المفيدة ” كما يريدونها، وليس البيان الرئاسي الأميركي – الروسي الأخير ببعيد عنها، وكذلك التباينات والمساومات بين مختلف الأطراف، حول ضمانات الحل المرتقب لمصالح كلٍ منها، مما يدعو إلى صعوبة التعويل على مسار سياسي آخر يحقق تطلعات الشعب السوري وأهداف ثورته، ولذلك من الوهم أيضاً التعويل على لقاء الرياض2، باعتبار أن الدعوة إليه تحت عنوان توحيد المعارضة، لا تجيز أبداً حرف الأنظار عن دوره المتساوق مع التوافقات والتحركات الدولية، لدفع قوى المعارضة للموافقة على بقاء الأسد المجرم في المرحلة الانتقالية، ودون أي ضمان بخروجه من الحكم بعد انتهائها، طالما أن التوافق الأميركي – الروسي، يتجاهل أي حديث عن هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ولا يتحدث عن انتخابات لا تستثني الأسد منها، مع أن مكانه الطبيعي يجب أن يكون في المحاكم الدولية، لمحاسبته عن جرائم الحرب وعن استخدامه السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري.
في مقابل هذا المشهد الميداني والسياسي الذي يعكس حجم تدويل القضية السورية، وحجم توظيف الصراعات القائمة في لعبة النفوذ والمصالح بين الدول، وفي ظل المخاطر الفعلية على مشروع الثورة، الذي قام على الربط الجدلي بين إسقاط نظام الاستبداد الأسدي، وإقامة نظام وطني ديمقراطي بديل عنه، وبوضوح التحديات الجديّة التي تهدد وحدة سورية أرضاً وشعباً، فإن العمل على مواجهة سياسات استنزاف وإنهاء الثورة، والوقوف في وجه محاولات إعادة تأهيل النظام، والتصدي لمشاريع الهيمنة وتحويل سورية إلى مناطق نفوذ خارجي، يتطلب بالضرورة توفير شروط ومقومات استنهاض مجتمع وقوى الثورة السورية، والبناء على صمود الشعب السوري، وتمسك حواضنه المجتمعية بمشروع الثورة، رغم المآسي والنكبات والأوجاع التي عاشتها المدن والمناطق الثائرة طيلة السنوات الماضية، ولكن هذا يشترط أن تقوم عملية الاستنهاض على أسس واقعية وعقلانية، وأن تقترن بإصلاح بنيوي يطال كافة بنى ومستويات الحراك الثوري، وإعادة تصويب المشروع الوطني الذي تبنته الثورة، وإعادة فرز القوى المعبرة عنه، وتصحيح الخلل في التمثيل السياسي، إذ من غير المعقول والمقبول بعد كل التجارب التي مرت فيها الثورة، والأخطاء التي تراكمت وأدت إلى تراجعات وانكسارات مؤلمة في مسيرتها الكفاحية، أن تبقى نزعات الفوضى والارتجال والتجريبية هي الدليل المعتمد في التعامل مع مشكلات الثورة وأزماتها الحادة، وأن يتواصل تشتت القوى الثورية، على حساب تأخر الفرز المطلوب، بين المستمسكين بمبادئ واهداف الثورة، وبين من يحملون باسمها زوراً وخداعاً مواقف ومشاريع بعيدة عن روحها وبوصلتها، كبعض القوى التي تسمّى منصات مُعارِضة للنظام، فيما هي تساوم على قضايا الثورة الجوهرية، حين تتساوق مع طروحات بقاء المجرم بشار الأسد، عدا عن تفشي ظواهر وأمراض في أجسام الثورة، أضرت بصورتها واساءت إلى تضحيات الثورة والشعب،
إننا في تجمع مصير نستشعر مع كل الأحرار السوريين، جسامة المسؤولية الوطنية، التي تقع على عاتقنا جميعاً في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها الثورة، ونرى أن الخروج من أزمة الثورة على الصعيد الذاتي، هو شرط قدرتها على التعامل مع الظروف الموضوعية، ومواجهة التداعيات الخطيرة على مشروع الثورة، ولذلك نقترح وندعو أنفسنا وكل القوى الثورية التي تجمعنا واياها قضية الدفاع عن مبادئ الثورة واهدافها، والوفاء للتضحيات الغزيرة التي قدمها شعبنا على مذبح الكرامة والحرية، إلى تحشيد طاقاتنا وجهودنا وكل إمكانياتنا، للعمل على إنجاز المهام التالية بناءً على ثوابت وطنية واخلاقية، ومواقف سياسية واضحة:
أولاً : عقد لقاء وطني يجمع كافة القوى الثورية الرافضة لإعادة تأهيل نظام الأسد بأي حل سياسي، وإن تعذر ذلك في مكان واحد، عقد لقاءات متزامنة في الداخل السوري وفي دول اللجوء مثل تركيا وأوروبا وأمريكا، بحيث تخرج عن تلك ( اللقاء أو اللقاءات ) رسالة واضحة للمجتمع الدولي، تؤكد على رفض قوى الثورة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية وكل ما يليها، والتأكيد على مرجعية بيان جنيف1،كاساس للحل في سورية، وتفعيل مطلب محاسبة الأسد وكل رموز حكمه الإجرامي عن الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري. ودعم المؤسسات والأفراد التي تقيم دعاوى قضائية في أوروبا، دفاعاً عن حقوق المعتقلين ومن تعرضوا لجرائم وانتهاكات على يد قوات النظام وميليشياته
ثانياً : اعتبار كل من يشاركون في مؤتمر( سوتشي ) الذي دعته له روسيا، أنهم لا يمثلون الثورة، بل التعامل معهم كأدوات لخدمة الثورة المضادة، بكل ما يترتب على ذلك من تحميلهم مسؤولية وطنية وأخلاقية بسبب مشاركتهم في مؤتمر يتعارض في توجّهاته وأعماله، مع مبادئ واهداف الثورة، والبدء الجدي بحملة ثورية مُنظّمة، تهدف إلى فرز القوى الثورية المتمسكة بمطلب إسقاط النظام، عن الشخصيات والجهات التي تشارك في أي لقاء أو تحرك أو مؤتمر، بهدف إعادة تأهيل النظام الأسدي المجرم
ثالثاً : مطالبة كافة الفصائل العسكرية المُنخرطة في مسار آستانة بالانسحاب منه، وعدم حضور جولاته القادمة، بعد وضوح المرامي الخبيثة من وراء هذا المسار واتفاقيات خفض التصعيد المُقترنة به، وإيصال رسالة واضحة للطرف الروسي الضامن، بأن الانتهاكات المتتالية لاتفاقات خفض التصعيد من قبل قوات النظام، سواء بقصف المناطق المشمولة به، أو تشديد الخناق على المناطق المحاصرة، لا تجعل منه طرفاً ضامناً بل شريكاً للنظام في التغطية على استمرار جرائمه بحق المدنيين الأبرياء
رابعاً : الطلب من كافة الشخصيات والقوى المدعوة لمؤتمر الرياض2، اشتراط حضورها اللقاء بأن يكون هناك ضمانات من المملكة السعودية، بعدم تمرير أي صيغة من شأنها قبول بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وما يليها، وفي حال عدم توفر مثل هذه الضمانة يجب اتخاذ موقف بمقاطعة المؤتمر، واعتبار مخرجاته غير مُلزمة لقوى الثورة، ودون أي يؤدي هذا الموقف إلى استخدامه من قبل أي طرف في إطار الصراع الخليجي، والحفاظ على مسافة واحدة من الجميع لما فيه مصلحة الثورة.
خامساً : إيجاد آلية تنسيق فاعلة بين كافة قوى الثورة في الداخل والخارج، يكون من مهامها إعادة تنظيم صفوف الثورة، والتوافق على أشكال تصعيد الحراك الثوري المدني في مناطق الداخل، وفي ساحات الخارج، من خلال فعّاليات موحّدة، تُركّز على قضايا المعتقلين والحصار والقضايا الإنسانية، وتربط بينها وإصرار الشعب السوري في مختلف مناطق تواجده، على إسقاط النظام ونيل الحرية، وعلى إخراج إيران وميليشياتها من الأراضي السورية
سادساً : مطالبة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والهيئة العليا للمفاوضات، بإطلاق ورشة عمل داخلية بمشاركة ممثلين عن القوى السياسية والعسكرية والمدنية، يكون من أولوياتها بحث المتغيرات السياسية وتأثيراتها على واقع الثورة، وإصلاح بنية المؤسستين وتصحيح الخلل الفادح في التمثيل، وإعادة تحديد المهام الاستراتيجية والتكتيكية التي يجب تبنيها والعمل وفقاً لها، بما يؤدي إلى استنهاض قوى الثورة ومشروعها التحرري الوطني.
I like this blog very much, Its a very nice post to read and receive information.Money from blog