أحمد مظهر سعدو
لعل انعقاد ورشة البحرين الاقتصادية التطبيعية، في العاصمة المنامة، كانت بمثابة أول الرقص العربي على أنغام صفقة القرن ذائعة الصيت وسيئته، ويبدو أن الأميركان لم يجدوا صعوبة في تقبل ذلك من بعض الأنظمة العربية، وأولها نظام البحرين، الذي قبل صاغرًا أو مقتنعًا، ليكون صاحب الشوط الأول في الإعلان عن صفقة القرن، التي يريد عبرها الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) إنهاء القضية الفلسطينية برمتها، وإعادة رسم خارطة الطريق للعرب والمسلمين، ومنهم بكل تأكيد الفلسطينيين، ليتم إعادة بناء دولة الاحتلال الصهيوني ، على أرضية توافقية، وبعد استراتيجي يحاول الإجهاز على ما تبقى من الأمة مترامية الأطراف، وفي سياقات الهزيمة والايديولوجيا المهزومة، حسب الراحل (ياسين الحافظ)، ولتكون التصفية للقضية بأسرها، على أيدي حكام العرب، المتهالكين على أبواب واشنطن.
لم تكن حالة التهيئة لتصفية القضية، سوى أحد أبواب العبور، نحو تثبيت وجود الكيان الإسرائيلي، في وسط العالم العربي، وضمن محددات ونتاجات الهزائم المتتالية تلك، وليست محاولات الإجهاز اليوم على معظم ثورات الربيع العربي من سورية إلى اليمن، إلى ليبيا وقبل ذلك مصر وتونس، واليوم ما يجري في السودان، إلا ضمن تلك السياقات، وفي أتون محاولة القضاء على البعد الثوري الديمقراطي المنتفض للأمة، وهو بُعد بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، المنعتقة من كل الترهلات الاستبدادية، التي ما برحت السياسات الأميركية في المنطقة، تمسك بها، وتحرص على استمرار كيانات الاستبداد المشرقي، سيء الصيت، وعبر تمليك الدور الوظيفي لغير نظام عربي، كان أوله نظام القهر والاستبداد الأسدي الطائفي منذ 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970 وحتى اليوم، مع الدور المناط بوريث النظام الأسدي الاستبدادي، الذي أنهى القضية الفلسطينية وألغى السياسة من المجتمع السوري، ودمر العمارة المجتمعية السورية، وساهم فيما ساهم فيه على الساحة اللبنانية في تصحر الواحة الديمقراطية العربية التي كانت وحيدة، في لبنان العربي الديمقراطي يومًا ما.
لذلك فإن ورشة عمل البحرين التصفوية، كانت بداية لمسار سوف نشهد تبعاته، يومًا إثر يوم، وكسرة إثر كسرة، إن لم يتمكن الشارع الشعبي العربي من الإمساك بمقدراته، والعودة إلى مآلات الثورة الأولى، التي أشعلها البوعزيزي في تونس، ومن ثم القدرة على إنهاء كل منتجات صفقة القرن ومحدداتها، وأولاها التطبيع مع الكيان الصهيوني وقبوله في الواقع الإقليمي العربي.
الكاتب والأديب السوري المهندس بسام محمد شلبي يرى أن ” من خطط لعقد مؤتمر المنامة ليس في ذهنه تسويق هذه الأفكار أو الخطط لدى الشعوب العربية على المدى القريب، لأن ذلك صعبًا، لعلمهم باستمرار حالة الرفض الشعبي لها، لكنه فكر في اقتناص فرصة ذهبية في ظل وجود إدارة أميركية يمينية متصهينة، ووجود حكومة احتلال يمينية أيضًا في “اسرائيل” بالتوازي مع وجود أنظمة عربية مختلة التوازن، ومثقلة بالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبعد سنوات من بدء ثورات الربيع العربي التي خلخلت الشرعية لكافة الأنظمة العربية من الخليج إلى المحيط، وهي بحاجة لإعادة ترميم وضعها، إما بالانفتاح إلى الداخل نحو شعوبها وإيجاد حلول داخلية لأزماتها، أو الاتكال على الخارج في الاحتماء، وحل الأزمات المستعصية. وفي ما يبدو إنها فضلت الحل الثاني، باتخاذ مواقف من قضية محورية (شكلت على مدى عقود جزءً من الوجدان العربي) أقل ما يمكن وصفها بأنها غير مقبولة شعبيًا أو مستفزة، وهي بالحقيقة ترقى لمستوى الخيانة العظمى. وهي تعلق آمالها على المساعدات والهبات التي سوف تحصل عليها من هذه الصفقة الكبرى، لحل مشاكلها الاقتصادية، وإسكات شعوبها عبر رشوة صغيرة، وأنا أعتقد أنها سوف تكون الخاسر الأكبر”. ويضيف شلبي ” لكن بالمقابل فإنه لا يكفي التعويل على حالة الرفض الشعبي الصامت، بل يجب تفعيل كل أشكال التعبير عن هذا الرفض، وبكل الوسائل السلمية ليلًا ونهارًا. كي لا يسبب كبتها الطويل انفجارات عنيفة، قد لا تكون في صالح الشعوب أو الدول العربية عمومًا. إن ما يحدث هو حلقة من مسلسل الصراع بين إرادة الشعوب العربية وأنظمتها المتحكمة، وسورية بالطبع ليست بمنأى عن ذلك، بل كانت دائمًا كشعب في قلب القضية الفلسطينية مؤثرة ومتأثرة وسوف تبقى لأن هذا هو حكم التاريخ والجغرافيا”.
أما المعارض والباحث السوري فراس المصري فقال ” بالنسبة للشعوب سيبقى هذا الرفض لمدة طويلة فالمنظومة القيمية التي تحكم الشعوب العربية والإسلامية، رغم التشوه الكبير الذي نالها والتغريب الذي أصابها ما زالت تحتفظ بمفاصل مبدئية مهمة، منها الموقف من الكيان الصهيوني وقضية فلسطين، وقد ساهمت حكوماتها كثيرًا في تثبيت هذه المفاصل في سبيل الدعاية، وأعتقد أن العديد من النخب يعتبرون هذه القضايا جزء من شخصيتهم التي يقدمونها أمام البسطاء، سواء عن قناعة أو عن تزلف، وانتشار الفقر والجهل والطبقية الاجتماعية ساهم لحد كبير في عدم وصول الدعاية، التي ترحب بالتطبيع للعامة والبسطاء وحفاظ هؤلاء على فطريتهم، أما بالنسبة للحكومات فانتشار التيارات المعادية لها والمعارضات وضع هذا الأمر في خانة المزايدة والتخوين لذلك هي ما تزال تحافظ عليه.” وعن صفقة القرن أكد أنها ” في أحسن أحوالها كوعد بلفور، مئة عام مرت على الوعد ولم تنس الشعوب حقوقها وما زالت هناك فئات تقاوم، حتى وإن تم تنفيذها، ستبقى الشعوب ترفضها، وستبقى هناك مجموعات تقاوم وربما تزداد هذه المجموعات، من زيادة المساحة والشعوب المتورطة بالقضية. وهناك حقيقة مهمة هي أن الحقوق لا تختفي من وجدان الناس، مهما طال عليها الزمن، وسترى إلى اليوم هناك من يستعرض الأندلس بأشعاره، وكتاباته ودراساته التاريخية وإسقاطاته الواقعية، وهذا الأمر ليس من فراغ هناك، ولو لم يكن هناك استجابة لهذه الاستدعاءات لما وردت الحقوق محفوظة بشكل جيد في وجدان الأمة وذاكرتها. وهذا ما يضمن لها القدرة على المقاومة تجاه من يسلبها”.
وسيكون الرفض الشعبي مستمرًا، لكل ما خرج ويخرج عن ورشة البحرين، ما قبلها وما بعدها، واستشراف المستقبل يقول إن صفقة القرن سيسقطها الشارع العربي، حتى لو قبل بها كل أركان النظام العربي الرسمي.
المصدر: المدار نت