أمين العاصي
لم تكد تمضي أيام قليلة على انتهاء اجتماع أمني ثلاثي جمع روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة في القدس المحتلة، حتى عاود الطيران الإسرائيلي استهداف مواقع عسكرية لقوات النظام السوري، يُعتقد أنها تحوّلت إلى نقاط تمركز لمليشيات يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني، في رسالة واضحة من تل أبيب لطهران مفادها أنه من غير المقبول ترسيخ وجودها العسكري في جنوب ووسط سورية.
وتضاربت الأنباء حول عدد القتلى في القصف الجوي بعشرات الصواريخ الموجهة من الطيران الإسرائيلي، فجر أمس الإثنين، على العديد من المواقع العسكرية التابعة للنظام في ريف دمشق وحمص. وأكدت وسائل إعلام تابعة للنظام مقتل أربعة مدنيين في محيط دمشق، مضيفة أن بعض الأشخاص أصيبوا في الضربات الإسرائيلية، في حين أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 6 مدنيين، بينهم 3 أطفال وامرأة، قرب منطقة صحنايا بريف العاصمة دمشق و9 مسلحين من المليشيات الموالية للنظام السوري نتيجة قيام طائرات وبوارج إسرائيلية باستهداف مواقع تابعة لجيش النظام والمليشيات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني ضمن ريفي حمص ودمشق.
وأشار المرصد السوري إلى أن ما لا يقل عن 10 أهداف تم استهدافها في محيط العاصمة دمشق، وهي الفرقة الأولى بمنطقة الكسوة، جنوب العاصمة، ومقرات للحرس الثوري الإيراني في اللواء 91 جنوب دمشق أيضاً، ومركز البحوث العلمية في جمرايا بريف دمشق والبساتين الواصلة بين جديدة عرطوز وصحنايا بريف دمشق. كما طاول القصف الإسرائيلي مواقع عسكرية تابعة لـ”حزب الله” اللبناني في جرود بلدتي قارة وفليطة في القلمون الغربي. وأشار المرصد إلى أن الغارات أدت إلى اندلاع حرائق ضخمة نتيجة انفجار مستودعات للذخيرة، مرجحاً مقتل وإصابة عدد من عناصر “حزب الله”. كما أكد استهداف الطائرات الإسرائيلية مركز البحوث العلمية في قرية أم حارتين بريف حمص الغربي، ومطار عسكري بريف حمص الجنوبي، يضم عناصر من “حزب الله” ومليشيات إيرانية.
من جانبها، ذكرت وكالة أنباء النظام الرسمية “سانا” أن “الدفاعات الجوية التابعة للجيش تصدت لصواريخ في محيط دمشق وحمص وأسقطت تسعة منها”. وذكرت مصادر إعلامية معارضة أن انفجارات، وصفتها بـ”الضخمة”، هزت مقرات “الفرقة 18” في ريف حمص، وسط البلاد، مشيرة إلى أن دفاعات النظام السوري الجوية في منطقة مسكنة، جنوب غرب حمص، أطلقت عدة صواريخ مضادة. وقالت “شبكة صوت العاصمة” إن قصفاً صاروخياً استهدف الفرقة الأولى التابعة لقوات بشار الأسد في محيط الكسوة بثلاث غارات جويّة، يُعتقد أنها إسرائيلية. كما طاولت الغارات مواقع عسكرية لـ”حزب الله” في جرود بلدتي قارة وفليطة في القلمون الغربي، أدت إلى اندلاع حرائق نتيجة انفجار مستودعات للذخيرة. وأضافت الشبكة أن قصفاً استهدف أيضاً “اللواء 91” التابع للفرقة الأولى بغارة جويّة. كما استهدفت غارة أخرى بساتين جديدة عرطوز، غربي العاصمة دمشق، بالتزامن مع إطلاق صواريخ مضادة من ثكنات “سرايا الصراع” و”الفوج 100″ في ريف دمشق الغربي.
إلى ذلك، أعلنت وزارة خارجية قبرص التركية غير المعترف بها دولياً إلا من قبل أنقرة، أن صاروخاً من منظومة الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري سقط في قبرص بعدما أخطأ هدفه، فجر أمس الاثنين. وبحسب نائب رئيس حكومة قبرص التركية، فإن الصاروخ الذي سقط من منظومة الدفاع الجوي “أس 200″، الروسية الصنع، التابعة للنظام السوري. ورفض الجيش الإسرائيلي التعقيب على التقارير الإعلامية بشأن القصف على أهداف في محيط دمشق وحمص، في استمرار للنهج الإسرائيلي بعدم الإعلان رسمياً أو تبني اعتداءات على سورية وأهداف إيرانية أو تابعة لمليشيات موالية لإيران. ولا يمكن عزل ما جرى في ريفي دمشق وحمص عن القمة الثلاثية لمستشاري الأمن القومي لكل من إسرائيل مئير بن شبات، وروسيا نيكولاي باتروشيف، والولايات المتحدة جون بولتون، الأسبوع الماضي في القدس المحتلة. وكرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال كلمته عند افتتاح اللقاء، أن إسرائيل لن تقبل بتموضع إيران في سورية. وأعلن، في وقت لاحق، أن هناك إجماعاً على إخراج القوات الإيرانية من سورية، وأن الخلاف هو حول الطريقة.
ومن الواضح أن موسكو وواشنطن متفقتان على ضمان أمن إسرائيل، عبر الإقرار بسيادتها على الجولان السوري المحتل، وتزويدها بأحدث الأسلحة، والسماح لها بالعمل بحرية في الأجواء السورية لضرب أي أهداف تعتقد تل أبيب أنها تشكل خطراً على أمنها. لكن الكاتب المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد يرى، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “لا يمكن القول إن الغارات الإسرائيلية جاءت نتيجة الاجتماع، بمعنى أنه تم الاتفاق خلاله بشكل مباشر وواضح مع الروس على أن إسرائيل ستواصل القصف”، مضيفاً “روسيا ليست مرتاحة للقصف الإسرائيلي لأنه يحرجها أمام حلفائها”. ويعتقد عبد الواحد أن الغارات الإسرائيلية “مؤشر على فشل اجتماع القدس الثلاثي في تحقيق تقدم بشأن آليات مشتركة مع دور روسي لإنهاء الوجود الإيراني في المنطقة، لذلك تواصل إسرائيل القصف، وهو ما أعلنت عنه على لسان نتنياهو خلال محادثات القدس وفي أعقابها”. ونفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس الاثنين، وجود صلة بين محادثات الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب وموضوع الغارات على سورية. وأشار إلى عدم امتلاكه المعلومات الكافية حول الحادث، موصياً بالتوجه إلى العسكريين كونهم يملكون معلومات أدق حول الهجوم.
ومن الواضح أن القصف الإسرائيلي طاول العديد من المواقع التي سبق وتعرضت لقصف مماثل، خصوصاً مقرات الفرقة الأولى في محيط مدينة الكسوة، جنوب دمشق، والتي يُعتقد أن الإيرانيين حولوها، خلال سنوات الصراع، إلى نقطة تمركز رئيسية لهم في جنوب سورية، وهو ما يعتبر مصدر قلق دائم لإسرائيل تحاول تبديده من خلال الضربات المتلاحقة. ولطالما تعرض مركز البحوث العلمية في جمرايا بريف دمشق لقصف إسرائيلي خلال السنوات الثماني الماضية، حيث يعد هذا المكان هدفاً دائماً للطيران الإسرائيلي.
من جهته، يرى المحلل العسكري السوري العميد أحمد رحال، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الغارات الإسرائيلية على مواقع لقوات النظام “لم تعد مفاجئة بل باتت حدثاً عادياً”، مضيفاً “لكن هناك مستجدان، الأول أن الضربات جاءت عقب اجتماع القدس الثلاثي الأمني، والثاني أنه بات من الواضح أن لدى إسرائيل قناعة كاملة أن إيران تغلغلت بمفاصل الدولة السورية، ومن ضمنها وزارة الدفاع، بحيث أصبحت كل مراكز التصنيع العسكري والبحوث العلمية، إضافة للثكنات والقواعد الجوية تحت تصرف الإيرانيين، ومن ثم قصف أي موقع تابع لنظام بشار الأسد يعني قصف الإيرانيين”. ويوضح رحال أن الطيران الإسرائيلي “يقصف المراكز الأكثر أهمية”، مضيفاً أن “الهدف الأبرز الذي قُصف فجر الإثنين غربي مدينة حمص، قرب بحيرة قطنية. هناك في هذا الموقع منشأة كيميائية، حيث يبدو أن الإيرانيين بصدد تطوير أسلحة كيميائية”. ويشير رحال إلى أنه من اللافت استخدام إسرائيل للبوارج والزوارق البحرية العسكرية في القصف. ويبيّن أن غارات فجر الإثنين تعد استمراراً لمهمة إسرائيلية لضرب مواقع تابعة لـ”حزب الله” وإيران و”هذا ما يفسر انسحاب الأخير من محيط العاصمة السورية دمشق باتجاه القلمون الغربي لأنه لا يتحمل الخسائر الكبيرة”.
المصدر: العربي الجديد