أحمد مظهر سعدو
يتعين المعطى الإشكالي في سورية، بدلالة وجود الاستبداد المشرقي الأسدي، الذي ترك ذيوله في الممارسة التطبيقية على كل الجغرافيا السورية، منذ صعود حافظ الأسد/ الأب في انقلابه سيء الذكر صبيحة 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1970. والذي تجسد فيما بعد في غياب الحريات وحقوق المواطنة بشكل مطلق، وزج كل من يعارضه في غياهب السجون والمعتقلات، من سجن تدمر الشهير، إلى سجون المزة، وصيدنايا، وكل معتقلات أفرعه الأمنية، العسكرية والسياسية، والأمن دولتية.
إذًا فجذر المسألة السورية ، ومحركات ثورتها، ثورة الحرية والكرامة، أواسط آذار/ مارس 2011، لم يكن إلا في سياق الحريات المفتقدة في الساحة السورية، وضمن مآلات أوضاع سلطوية باتت ناهبة لكل شيء في الوطن، وعابثة بمقدرات سورية الوطنية، ومُدخلة إياها ضمن دور وظيفي آلا على نفسه فيه، المستبد الأول حافظ الأسد، كي يلعبه، وينجز من خلاله ما قيل إنه البقاء الطائفي، وتمركز وتثبيت أركان الدولة الأمنية، بل الأصح (دولة العصابة)، وهي التي ساهم (ومنذ البداية) في بناء أركانها، حافظ ورفعت أخيه ، في استباحة مباشرة لإنسانية الإنسان السوري وهدر كرامته، وربطه بمصالح إقليمية ودولية تبتز وتستنفذ كل شيء، تحت شعارات كبرى كاذبة عوَّد الناس عليها، ليس أولها (المقاومة والممانعة)، وتحرير فلسطين والجولان، في وقت يقوم فيه ببيع كل شيء من هذه القضية الأساس، في واقع الشعوب العربية، ومنها بكل تأكيد الشعب السوري، المنتمي لأمته، والمدافع عن قضيته وقضيتها المركزية قضية فلسطين، حيث تسلق عليها الانقلابي حافظ الأسد، لكنه في الوقت عينه، كان يساهم في تفتيت منظمة التحرير الفلسطينية، ويقتل الآلاف من الشعب الفلسطيني، في المعتقلات أولًا ، وفي تل الزعتر، ومعارك طرابلس ثانيًا، حتى إنه ساهم في ترحيل المقاتلين الفلسطينيين إلى تونس واليونان وكل بقاع الدنيا. وأخيرًا عبر المحرقة والمقتلة التي فعلها في مخيم اليرموك بدمشق، وأنهى ظاهرة المخيم/ الثورة، ليشرد أهله مرة جديدة.
عمل النظام السوري المدعوم إيرانيًا وأميركيًا وروسيًا، على إلغاء السياسة من المجتمع السوري كليةً، وشيد عمارات دولة النهب والاستثمار النهبوي المنظم، واشتغل بكل ما أمكنه على إفقار الشعب السوري، وفتح الجراح وعدم الموافقة على إغلاقها بل تغذيتها في الساحة اللبنانية، وتفتيت الوضع العراقي المقاوم ضد الوجود الأميركي بعد 2003، وشيطنة كل ما هو وطني في سورية، حتى باتت ثورة الحرية والكرامة بنظره حركة إرهابية، وسوق هذه الفكرة عالميًا، عبر فتح السجون وإطلاق سراح المتشددين الإسلاميين، ليعملوا على ذلك عبر داعش وما يلوذ بها.
كانت الحرية ومازالت بالنسبة للنظام السوري، جريمة لا تغتفر، وأضحت الديمقراطية في الممارسة اليومية لديه، ليست أكثر من تأييد واتباع وارتزاق، على أبواب السلطات المخابراتية السورية، وتلطي للمثقفين والأدباء والكتاب وبعض المفكرين، على أبواب جنرالات أمنه. هذا النظام/ العصابة من كان يخاف أولًا وآخرًا من الحرية، فما كان من المعارضة الوطنية السورية ومنذ البداية أن اعتبرتها شعارها الذي لابد من العمل عليه، فكان شعار (الحرية أولًا) الذي رفعه الراحل الدكتور جمال الأتاسي، في وجه الجلاد، مع قوى التجمع الوطني الديمقراطي، منذ أواخر السبعينيات.
الحرية أولًا والديمقراطية غاية وطريق ، كانت ما حاول ما تبقى من قوى حية معارضة العمل عليه، في مرحلة كانت من أشد مراحل العمل الوطني في سورية وطأة وقسوة، وهو ما أسس ليكون جذر المسألة السورية، ومسارًا يوميًا للثورة السورية ، مع بدايات ثورات الربيع العربي، الذي يحاول النظام الرسمي العربي قتله وإنهاءه، فقط لأنه ينادي بالحريات وسيادة القانون، ومنع التغول على حيوات الناس، وهدر كراماتها، وإذا كانت الحرية أولًا شعارًا ضروريًا ولازمًا، في سبعينيات القرن الفائت، فإنها اليوم أكثر ضرورة وأشد حاجة، بعد كل عمليات هدر الانسان السوري، والعربي، وبعد أن بات نظام (الممانعة والمقاومة)، يحاور أهالي سورية وإدلب وحماة وحلب بالبراميل، والصواريخ، والكيماوي إذا اقتضت حاجة بقائه إلى ذلك.
ولعل جذر المسألة السورية اليوم وكل يوم الحرية والديمقراطية، وسيادة القانون، وحق المواطنة، قَبِل المستبد أم لم يقبل، سواء وعى ذلك أم لم يعيه. وسيكون استمرار ثورة الشعب السوري، دلالة أكيدة على أن مليون شهيد و400 ألف معتقل، وتهجير قسري لنصف الشعب السورين، لن يثنيه على الوصول إلى مبتغاه في الحرية والكرامة، يرونه بعيدًا ونراه قريبًا.
المصدر: المدار نت