علاء الدين حسو
في عينتاب، هناك مساحة جغرافية لا تتجاوز مساحتها مئة متر مربع، بيتٌ من ثلاثة أدوار، تعبق من حجارته الأصالة. تشم من أخشاب سقوف الغرف رائحة التاريخ. تمتزج فيه كل العصور. لا يختلف عن بيت حلبي أو دمشقي. ويتفوق عن غيره من البيوت بإطلالة شهية رائعة على مسجد كورتولش(التحرر) الذي رمم حديثًا، ضمن بيوت عينتاب القديمة، في حي يعرف بمنطقة (ايبلا خان).
تجد على مدخل هذا البيت الجميل، الواقع في شارع أيوب أوغلو، لوحة صغيرة على مدخله، كتب عليه “ gate of sun” أي باب الشمس. ما إن تدخله حتى تشعر بأنك تحررت من شراسة المدينة وضغطها، نحو روحانية غربية شرقية، وهي ما تشتهر بها اسطنبول بشكل خاص.
تستقبلك مجموعة من الشباب الحالمة المتنورة. يعملون بصمت. وهم مصممون على حمل راية الأصالة والرقي في الفن والثقافة، من خلال امكانيات متواضعة، لكنها كافية أن تنقلك إلى فضاء فني ساحر، يتلاقح فيه الخيال مع الواقع، لينتج لنا انطباعًا عميقًا، يدفع الداخل إلى المكان للتفاعل الروحي مع ما يصادفه. بدءً من أصحاب المكان والغرف والأثاث والأدوات.
يقول مؤسس المكان، السيد عمر عجلوني، وهو فنان ومخرج مسرحي، بأنه حلم تحقق بصعوبة كبيرة، وإنه رغم التحديات فهم (هو ورفاقه) صامدون. إنهم شباب، يعبرون عن رؤيتهم وأحلامهم وأفكارهم وهواجسهم ويشاركون الآخرين.
تتنوع النشاطات فيه من مسرح تفاعلي، إلى جلسات في الفلسفة، ومشاركات في التصوير والاخراج، وأشياء أخرى تتعلق بالفن والأدب والفكر والثقافة.
غرفة السينما ساحرة أيضًا، وهي لا تتجاوز العشرين مترًا مربعًا كمساحة، لكنها مزودة بطاولات خشبية كأنها جذوع أشجار مصقولة ومتحركة، تتيح للمكان أن يتحول من قاعة سينما إلى رواق أدبي، أو جلسة سمر فنية.
كل يوم خميس، يكون موعد المهتمين مع حكاية تفاعلية جديدة، يقدمها شابان متميزان، فواز عمر، ومحمد الشمعة. حكاية تفاعلية يشارك الجمهور في أحداثها، فتختلط الأمور على الحضور، هو ممثل أم متفرج وأحيانًا يتم تبادل الأدوار بحيث يصبح الممثل متفرجًا والمتفرج ممثلاً.
لكل مدينة نهكة مميزة، وفي كل مدينة يتواجد فيها السوري تكون الميزة. ولكن من يأتي عينتاب ولا يمر على باب الشمس سيفقد الكثير، والكثير جدًا.