أحمد مظهر سعدو
تتبدى الحالة السلطوية الأسدية / المخلوفية على مدى عمر اختطاف المجتمع السوري، ومؤسساته الوطنية، وميادين اقتصاده السوري برمته، ضمن انبثاقات نهبوية لكل ما يقع تحت ناظريها، وعبر أدوات الدولة الأمنية (العتيدة)، التي بناها حافظ الأسد منذ اعتلى السلطة، وزج كل أصدقائه السابقين في غياهب السجون من الدكتور نور الدين الأتاسي ، إلى صلاح جديد ، رباح الطويل والكثير الكثير ممن كانوا في قيادة البعث في تلك المرحل، ثم أعاد ترتيب المسألة المجتمعية والسياسية والعسكرية السورية، فجاء بالأُمعة مصطفى طلاس لوزارة الدفاع، والأمعة الآخر عبد الله الأحمر لأمانة البعث، وكذلك المتسلق الشيخ أحمد كفتارو، للامساك بتلابيب المسألة الدينية وتدجينها كما يرغب ويريد صاحب الانقلاب العسكري، كل ذلك كان وفق آليات النهب المنظم، الذي طالما حلم به وأدوات حكمه، مع بدايات تنطع حزب البعث للسلطة، مع انقلاب 8 آذار/ مارس 1963 المخطوف بعثيًا وطائفيًا، وتغول العسكرياتريا على كل مفاصل المجتمع السوري، ثم تصفية كل من يعارض ذلك منذ محاولة حركة (جاسم علوان) الوحدوية الفاشلة والتي جاءت ارتدادًا ومنعًا للسرقة الموصوفة للسلطة والوطن السوري، من قبل البعثيين وأتباعهم وأدواتهم الطائفية. ثم الاشتغال الأسدي السري ضد كل البعثيين القدامى وصولًا إلى الاختطاف الكامل للوطن والسلطة، مع يوم 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970، وتمكن الأسد الأب من كل الحالة السياسية والوطنية السورية، عبر قبوله بالدور الوظيفي المنوط به، الذي أسس له من خلال التخلي عن الجولان لإسرائيل، وهو المسؤول عن أوامر الانسحاب من القنيطرة، في حرب حزيران/ يونيو 1967.
لم يكن البناء (العصاباتي) للدولة الأمنية السورية، بالاشتراك مع أخيه رفعت الأسد، وإقامة عصابة ( سرايا الدفاع) إلا أحد أجزاء المدحلة الفاسدة التي ما برحت تنهب خيرات الوطن، وتقتل وتعتقل كل من تسول له نفسه الاشتغال بالسياسة، أو محاولة البناء التنظيمي للتخلص من حكم الطغاة الأسديين، ليتم تكوين ما سمي بالجبهة الوطنية التقدمية، التي عملت وفق أوامر أمنية أسدية على تفتيت الأحزاب السورية، ولجم أي رأي مستقل أو مناقض لرأي الأسد، ومن ثم إقامة دستور جديد للوطن بمادته الثامنة سيئة الذكر، لتتم الهيمنة على كل شيء في المجتمع السوري، دستوريًا هذه المرة، فما كان من الدكتور جمال الأتاسي وحزبه إلا أن رفضوا ذلك وخرجوا من الجبهة وعليها، رافضين الإندراج (مع الكثير من الشرفاء السوريين) في أتون الدولة التسلطية الأمنية التي أرادها حافظ الأسد، ثم كانت أحداث الثمانينات من القرن الفائت، ومجزرة حماة وجسر الشغور ومقبرة هنانو في حلب، ثم مجزرة سجن تدمر، ليتم الإجهاز على كل مفاصل السياسة في الشارع السوري.
لقد كان المجتمع السوري يغلي ويفور جراء كل هذا الحجم الكبير من الضغط والتغول، حيث كانت الأمور جاهزة لانطلاق ثورته ثورة الحرية والكرامة في أواسط آذار/ مارس 2011 ، ومن ثم المحاولة الأسدية / المخلوفية النهبوية، تحويل الثورة إلى العسكرة بعد أن كانت سلمية، ليسهل عليهم اقتلاعها، وإنهاء أي تحرك وطني ثوري، لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم، من تدمير أسدي مخلوفي ممنهج ، للبنية التحتية السورية، والاقتصاد، والإنسان، ليصل عدد الشهداء إلى ما ينوف عن المليون شهيد، وليتجاوز عدد المعتقلين ال 400 ألف مازالوا داخل الزنازين، ناهيك عن الذين استشهدوا داخل السجون أو الذين تم الافراج عنهم في غير مناسبة، حيث يقدر العدد الإجمالي للسجناء بعد الثورة بالمليون ونيف، وتهجير ما يزيد عن 14 مليون سوري، داخليًا وخارجيًا.
هذه الحالة من الواقع السوري الذي أوصلنا إليه آل الأسد، كان نتاج تزاوج المال مع العسكر مع السياسة، عبر تحالف حاقد وبائس، ألغى كل ما هو جميل في الواحة السورية الديمقراطية، نتاج مرحلة الخمسينيات، ليكون الوضع السوري الحالي هو الأسوأ عربيًا، وعالميًا، وهو الأشد وطأة على حيوات السوريين، بينما تستمر المقتلة الأسدية/ المخلوفية اليوم في ريف حماة الشمالي، وكل ادلب، وريف حلب الغربي، وسرقة كل الوطن وجغرافيته، وموارده البشرية والمالية والثرواتية، حيث تهيمن الشبيحة والمليشيات الطائفية التي استجلبها بشار الأسد من كل بقاع الدنيا لقتل الشعب السوري على مفاصل الواقع السوري وكل نهاراته ومساءاته، في وقت مازال فيه الشارع السوري ثائرًا ولم يتراجع عن ثوابت ثورته رغم كل هذا الهدر لإنسانيته ولوطنه.
المصدر: صحيفة إشراق