عدنان أحمد
تقدّمت قوات النظام السوري نحو المدن والبلدات التي كانت الفصائل المسلحة في ريف حماة الشمالي قد أخلتها، وحاصرت نقطة المراقبة التركية الموجودة في مدينة مورك، في وقت زادت هذه القوات من حدة قصفها إلى الشمال من مدينة خان شيخون، التي كانت دخلتها، الأربعاء الماضي، مركزة القصف على المدن والبلدات الواقعة على طول الطريق الدولي دمشق – حلب، خصوصاً معرة النعمان، كبرى المدن على هذا الطريق الذي يصل إدلب بمدينة سراقب. كما شمل القصف كل البلدات الواقعة شرق الطريق، في ما يمكن الاستدلال منه إلى أن الخطوة التالية للنظام وروسيا هي محاولة ضم هذه المناطق إلى سيطرتها، أي من ريف حماة الشمالي إلى سراقب، بما في ذلك كل المناطق الواقعة شرق الطريق الدولي.
وفيما تواصل تركيا القول إنها لن تسحب أياً من نقاط المراقبة التي أقامتها في سورية بموجب اتفاق سوتشي مع روسيا، بما في ذلك نقطة مورك المحاصرة، يكشف الاتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عن تواصل الخلاف بينهما بشأن إدلب، إذ إن البيان التركي أشار إلى أن أردوغان عبر عن قلقه من أزمة إنسانية جراء هجوم قوات النظام على إدلب، فيما تحدث بيان الكرملين عن اتفاقهما على “تفعيل الجهود المشتركة بهدف التخلص من التهديد الإرهابي القادم من تلك المنطقة”. وذكرت الرئاسة التركية، في بيان، أن أردوغان أبلغ بوتين، في اتصال هاتفي بينهما، أمس الجمعة، بأن “هجمات النظام السوري وخروقاته لوقف إطلاق النار في إدلب من شأنها أن تتسبب بأزمة إنسانية كبيرة”. وأضاف أنّ “هذه الهجمات تُضر بمساعي الحل، وتشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي التركي”. لكن بيان الكرملين أشار إلى أن الرئيسين “اتفقا على تفعيل الجهود من أجل القضاء على التهديدات الإرهابية التي تنطلق من منطقة خفض التصعيد في إدلب”. وقال البيان “إلى جانب القمة الخامسة المقبلة للدول الضامنة لعملية أستانة في (16) سبتمبر/ أيلول، تم النظر في جوانب أخرى من التسوية السورية، بما في ذلك العمل الذي تقوم به روسيا وتركيا وإيران بالتعاون مع الأمم المتحدة بشأن تشكيل وإطلاق لجنة دستورية”. وأضاف “كما تمت مناقشة قضايا التعاون الروسي التركي في سياق استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتم الاتفاق على تكثيف الجهود المشتركة للقضاء على التهديد الإرهابي الناشئ من هذه المنطقة، وضمان تنفيذ مذكرة سوتشي في 17 سبتمبر 2018”.
وقالت مصادر محلية إن قوات النظام سيطرت، أمس الجمعة، على آخر بلدة في ريف حماة الشمالي، وهي مورك، وكانت قد سيطرت قبل ذلك على كفرزيتا واللطامنة وقرى الصياد والبويضة ومعركبة ولطمين ولحايا، ليخضع بذلك كامل الريف الشمالي لحماة لسيطرة قوات النظام، للمرة الأولى منذ العام 2012، فيما لا يزال مجهولاً مصير نقطة المراقبة التركية والمقاتلين السوريين المرافقين لها، وهم من “فيلق الشام”، في مورك. وتنشر تركيا 12 نقطة مراقبة في منطقة خفض التصعيد، بموجب اتفاق سوتشي، في أرياف حلب وإدلب وحماة، بهدف مراقبة وقف إطلاق النار بين قوات النظام وفصائل المعارضة المسلحة.
وحتى الآن تقول تركيا إنها ستبقي وتدعم كل نقاط مراقبتها، بما فيها النقطة التاسعة في مورك. وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، من العاصمة اللبنانية بيروت، أمس الجمعة، أن الجنود الأتراك لن يغادروا نقطة المراقبة جنوب إدلب. وقال “لسنا هناك لأننا لا نستطيع المغادرة، ولكن لأننا لا نريد المغادرة”، نافياً أن تكون القوات التركية في مورك “معزولة”. وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن قد قال، الأربعاء الماضي، إن بلاده لن تُغلق أو تنقل نقطة المراقبة في مورك إلى مكان آخر، وإنها أبلغت الجانب الروسي استياءها من الهجمات على إدلب. من جهته، اعتبر رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير شامانوف أن الخطوات الأخيرة التي قامت بها تركيا في منطقة إدلب تتعارض مع اتفاق سوتشي بين البلدين، مضيفاً أن هناك اختلافاً في وجهات النظر مع أنقرة في هذا الشأن، وأن موسكو حذرت الجانب التركي مراراً من أن هذا الاختلاف سيؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى “تناقضات حقيقية”. واعتبر المسؤول الروسي أنه لا يمكن تجاهل موقف الجانب السوري، الذي تشمل سيادته منطقة إدلب أيضاً، وهو ما أدى إلى توجيه ضربة للقوات التركية أخيراً، حسب تعبيره.
وفي مؤشر على اتساع حدة الخلافات بين الطرفين، قصفت طائرات النظام السوري، الخميس الماضي، للمرة الأولى، محيط النقطة التركية المتمركزة في قرية الصرمان بريف إدلب الشرقي، وهي خطوة يرى مراقبون أن النظام السوري ما كان ليقدم عليها لولا وجود إشارة من روسيا. وتبرز تكهنات بأن ما يجري سببه إما أن الجانب التركي وقع في حرج وليس لديه الكثير ليفعله إزاء تصعيد النظام وروسيا، أو أن ذلك يتم بالاتفاق بين الجانبين. ورأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن روسيا انقلبت على كل التفاهمات مع تركيا، ونسفت كل الخرائط التي كانت تضبط منطقة خفض التصعيد، مشيراً إلى “وجود مؤشرات عدة حالياً على تصادم بين روسيا وتركيا، كاد يصل إلى المواجهة المسلحة، حين حلقت قبل أيام طائرات تركية لحماية الرتل التركي المتجه إلى ريف حماة الشمالي، فتصدت لها طائرات روسية وأجبرتها على التراجع، أضف إلى ذلك رد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن قوات بلاده موجودة على الأرض، إثر تصريح جاووش أوغلو بأن الجيش التركي سيحمي نقطة المراقبة في مورك، وهو أمر فسره البعض بأنه تحذير لتركيا من أن أي صدام مع قوات النظام، يعني الصدام مع روسيا نفسها، وهو ما اضطر أنقرة إلى التراجع عن موقفها”. وبشأن المفاوضات التي تجري بين تركيا وروسيا، قال رحال “يبدو أنها لم تتوصل إلى أي نتائج حتى الآن”. ورأى أن تكثيف القصف من قبل قوات النظام وروسيا على الريف الشرقي لإدلب يعني أن الروس يريدون هذه المناطق بعد تدميرها كلياً بهدف منع السكان من العودة إليها، لافتاً إلى أن الروس يستخدمون كل أسلحتهم الحديثة، وبعضها تتم تجربته للمرة الأولى، وهي أسلحة فتاكة جداً لدرجة أن قنبلة واحدة قادرة على تدمير حي كامل من البيوت البسيطة لسكان تلك المناطق.
في غضون ذلك، واصلت قوات النظام، مسنودة بالطيران الروسي، قصف مناطق مختلفة من ريف إدلب الجنوبي والشرقي، مع التركيز على المناطق الواقعة على الطريق الدولي دمشق – حلب، في مسعى كما يبدو لدفع سكان هذه المناطق للنزوح، والتقدّم عسكرياً للسيطرة عليها. وقُتل ثلاثة مدنيين، وجرح 8، جراء قصف جوي من النظام السوري على مدينة معرة النعمان الواقعة إلى الشمال من خان شيخون على الطريق بين دمشق وحلب. وذكرت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن طيران النظام المروحي ألقى، فجر أمس الجمعة، براميل متفجرة على منازل المدنيين في معرة النعمان، ما تسبب في دمار واسع في منازل المدنيين واندلاع حرائق. وطاول قصف مماثل قرية الدير الشرقي القريبة من الطريق الدولي، فيما استهدفت طائرات النظام الحربية بالصواريخ الأحياء السكنية في بلدة جرجناز، جنوب إدلب، إضافة إلى قصف مدفعي من قوات النظام المتمركزة في حاجز “النمر” قرب خان شيخون على قرية الدير الشرقي. كما قُتل مدني بقصف لقوات النظام السوري على قرية البوابية، جنوب مدينة حلب.
في غضون ذلك، تداول ناشطون وشبكات إخبارية شرائط مصورة وصوراً لعمليات السرقة التي تنفذها قوات النظام في مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، وذلك بعد دخولها إلى المدينة قبل يومين. وقالت مصادر محلية إن عناصر النظام أدخلوا سيارات “التعفيش” إلى المدينة قبل دخول قواتهم أو بمرافقتها، وهم يقومون بسرقة كل ما وقعت عليه أيديهم من أثاث وأدوات كهربائية ومحال تجارية، بعد تدمير منازل أهل المدينة. وأعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير”، عبر معرفاتها الرسمية، أنها قتلت عدداً من عناصر النظام والمليشيات، ليل الخميس الماضي، بالقرب من مدينة خان شيخون، مشيرة إلى استهداف سيارة تحمل عناصر من النظام كانت تقوم بسرقة منازل المدنيين على محور خان شيخون بالرشاشات الثقيلة، ما أدى إلى مقتل وجرح كل من فيها.
إلى ذلك، نفى فريق “منسقو الاستجابة” خروج أي مدني من المعبر الذي أعلن النظام عن افتتاحه بين صوران ومورك بريف حماة. وقال بيان الفريق، أمس الجمعة، إن “وسائل إعلام النظام السوري وروسيا تنشر الادعاءات وتزيف الحقائق من خلال افتتاح المعبر، وتكثيف الحضور الإعلامي في منطقة صوران”، مؤكداً عدم خروج أي مدني من مناطق ريف حماة الشمالي، وهي قرى وبلدات مورك واللطامنة وكفرزيتا ولطمين والصياء ولحايا، لأن المدنيين كانوا قد خرجوا أصلاً من هذه المناطق قبل تعرضها للحصار. واعتبر أن إعلان الطرف السوري عن افتتاح المعبر محاولة لتحقيق مكاسب سياسية تغطي على “أعماله الإرهابية” ضد المدنيين في المنطقة.
بالتزامن مع هذه التطورات في إدلب وريف حماة الشمالي، جرت اشتباكات عنيفة بين الفصائل المسلحة وقوات النظام على محور تلة الكبينة في جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي. وجاءت المعارك إثر محاولة تقدّم جديدة من قوات النظام بهدف السيطرة على التلة الاستراتيجية التي تشرف من مكان مرتفع على ريف إدلب الغربي الخاضع لسيطرة المعارضة و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً). وحسب مصادر مطلعة من المنطقة، فقد أسفرت الاشتباكات عن وقوع قتلى وجرحى من الطرفين، من دون أي تغيير في خارطة السيطرة هناك.
المصدر: العربي الجديد