هبة محمد
تعكس التطورات العسكرية في إدلب وحماة شمال غربي سوريا، وتوغل قوات النظام بدعم روسي في 29 قرية وبلدة كانت تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من تركيا، عمق الخلاف بين أهم الفاعلين الدوليين، وتباين مصالح الجانبين التركي والروسي وفشلهما في التوصل إلى اتفاق تهدئة حيال المنطقة، ما دفع تركيا إلى حسم مصير نقطة المراقبة التاسعة في مورك في ريف حماة، ودعم قواتها هناك بالمزيد من التعزيزات، وإنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها شمال مدينة خان شيخون، رغم إطباق حصار النظام السوري على القطاع الجنوبي لمنطقة خفض التصعيد، وسط استمرار الهجمات الروسية والسورية على المنطقة، وهو ما يشير حسب خبراء إلى إدراك أنقرة بعدم جدوى الحلول الدبلوماسية مع حليف الضرورة، وسعيه إلى إعادة التوازن لقواعد التفاوض عبر الميدان.
اردوغان في اتصال مع بوتين: النظام السوري يهدد أمننا القومي
الرئيس رجب طيب اردوغان، أعرب الجمعة عن بالغ قلقه من هجمات النظام السوري التي اعتبرها «تهديداً حقيقياً» للأمن القومي التركي، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، محذراً من «أزمة إنسانية كبيرة» جراء ذلك.
أزمة إنسانية كبيرة
وحسب بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فإن اردوغان قال للرئيس الروسي، إنّ «هجمات النظام السوري وخروقاته لوقف إطلاق النار في إدلب من شأنها أن تتسبب بأزمة إنسانية كبيرة» لافتاً حسب وكالة الأناضول التركية إلى أنّ هذه الهجمات «تضر بمساعي الحل وتشكل تهديداً حقيقياً على الأمن القومي التركي».
الاتصال بين الزعيمين التركي والروسي، جاء غداة دعم أنقرة لجنودها بقوات مسلحة إضافية، حيث أرسلت تعزيزات عسكرية لنقطة المراقبة التركية ضمت آليات عسكرية، ومدرعات، وذخائر قادمة من مختلف المناطق التركية، مشيرة إلى أن هذه التعزيزات جاءت بعد تعرض رتل عسكري تركي، لهجوم جوي وهو في طريقه إلى نقطة المراقبة التاسعة جنوبي محافظة إدلب؛ وفق بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية.
وقابل الغليان التركي الناتج عن تهديد قواعد أنقرة العسكرية شمال سوريا، ترحيب روسي من الكرملين بما وصفه بالانتصارات، وتأكيد على دعم النظام السوري في بسط سيطرته على المنطقة، بعد انتزاع مدينة خان شيخون الاستراتيجية جنوب إدلب، والتي استعصت لسنوات أمام ترسانة النظامين الروسي والسوري.
محاصرة مورك
ويقرأ مراقبون الحسم التركي إزاء إصرارها على المحافظة على نقطة المراقبة التاسعة في مورك، بعد قطع قوات النظام السوري الطريق السريع، وتدخّل أنقرة بإرسال المزيد من التعزيزات والشروع بإنشاء نقطة مراقبة في بلدة حيش شمال خان شيخون تماماً، سببه توصلها إلى قناعة بعدم جدوى إيقاف الحملة العسكرية التي يقودها النظام السوري بدعم من روسيا عبر السبل السياسية مع هذه الأخيرة، وهو ما عبّر عنه الخبير السياسي محمد سرميني الذي اعتبر في حديث مع «القدس العربي» أن التطورات العسكرية شمال غربي سوريا مردها الرغبة التركية في رفع مستوى التدخل العسكري المباشر لضبط انهيار وقف إطلاق النار.
وقال سرميني، إن أنقرة لا تريد أن يتم وضعها أمام خيارات ضيقة أو مواقف حرجة على مستوى الأمن القومي في حال حصار نقطة المراقبة التركية في مورك، وبالتالي لا بد من التأكيد على دورها في الضمانة المنفردة لمنطقة خفض التصعيد وما يترتب على ذلك من تطبيق للتوافقات المشتركة في «أستانة» و»سوتشي»، كما انها لا يُمكن أن تقبل بمساعي روسيا لفرض ضمانة مشتركة تخفض من تأثير أنقرة السياسي والأمني على المستوى الإقليمي، وكذلك الحال في مساعي روسيا لاستثمار الخلاف الحاصل في توسيع دائرة السيطرة لأن ذلك سوف يضعف موقف أنقرة في أي مفاوضات مقبلة.
وللمرة الأولى منذ عام 2012 يسيطر النظام السوري على بلدات وقرى ريف حماة الشمالي وسط مواصلة استمرار توغل قوات النظامين الروسي والسوري ضمن البلدات والقرى التي تحاصرها في ريف حماة الشمالي، وقال المرصد السوري إن قوات النظام فرضت سيطرتها على بلدة اللطامنة وقرى الصياد والبويضة ومعركبة ولطمين ولحايا وتلال أخرى في محيطة المنطقة، وذلك بعدما فرضت سيطرتها صباح الجمعة على كفرزيتا إذ أنها المرة الأولى التي تسيطر قوات النظام على بلدات وقرى ريف حماة الشمالي منذ سبعة اعوام، فيما لا تزال النقطة التركية ومن فيها من مقاتلين في بلدة مورك محاصرة من قبل قوات النظام.
خلافات عالقة
ويرتفع عدد المناطق التي تمكنت قوات النظام السيطرة عليها بدعم روسي، إلى 29، منذ انهيار وقف إطلاق النار في الخامس من شهر آب الجاري، وهي بلدات «الأربعين والزكاة والصخر والجيسات والصياد وتل الصياد وبلدة كفرزيتا ونقاط غربها واللطامنة والصياد والبويضة ومعركبة ولطمين ولحايا بريف حماة الشمالي، ومدينة خان شيخون والسكيك وتل سكيك وترعي وتل ترعي والهبيط وعابدين ومغر الحمام ومغر الحنطة وكفرعين وتل عاس ومدايا والمردم ومزارع المنطار وكفريدون والصباغية بالقطاع الجنوبي من ريف إدلب».
المشكلة التي تواجهها تركيا اليوم، برأي الباحث السياسي وائل علوان هي أنها غير قادرة على مجاراة المطالب الروسية التي ليس لها حد أقل من إعادة كل سوريا تحت سيطرة نظام الأسد والذي لن يكون حليفاً لتركيا، ولن تأمن تركيا تجاه أمنها القومي قبل حدودها الجنوبية إلا بالحل السياسي المهدد أساساً مع تصاعد الخطر على آخر معاقل الثوار في الخارطة السورية.
إذ تحاول الآن تركيا، حسب ما يقول لـ «القدس العربي»، «أن لا تُستدرج للاستفزازات التي تحاولها قوات الأسد، إضافة إلى حرص تركيا أكثر من أي وقت مضى على التفاوض مع روسيا وضمان مصالحها ولو اضطرها ذلك ربما إلى إعادة الحديث عن الخريطة والمبادئ المتفق عليها».
وأكد المتحدث ان الخلافات التركية – الروسية، تدور حول آلية تنفيذ اتفاق «سوتشي»، التي أخذت منحى خطيراً، بالنسبة لمصالح تركيا على الأقل فضلاً عن الكارثة الإنسانية التي تعانيها منطقة خفض التصعيد الرابعة، لافتا إلى أن تركيا قد بنت موقفها الداعم لمسار أستانا اعتماداً على تدارك مصالحها أمام ما يشبه التفويض الدولي لروسيا في سوريا، ثم وافقت تركيا على مبادئ «سوتشي» ربما دون النظر في الكثير من التفاصيل وإجراءات التنفيذ أو من باب ترحيل المشكلة وكسب عامل الوقت وسط التحديات المختلفة وخاصة مع حلفائها في الناتو والتهديد الأول من المشاريع الانفصالية شمال سوريا.
الخاسر الأكبر
في ظل المحاصصات الدولية، وتصفية الحسابات بين الأطراف في إدلب، يبقى الشعب السوري الذي يعاني الخطر الأكبر على مصالحه، هو من يدفع من دماء أبنائه، ثمن الخذلان الدولي، بعدما تُرك لمواجهة آلة الحرب الروسية دون تحرك لإنقاذ أكثر من 3.5 مليون مدني، يعانون النزوح والتهجير والقتل والتشريد، ضمن سلسلة المآسي التي يعيشها الأهالي هناك.
ولا تعلو خطوات إنقاذ المدنيين في إدلب ومحيطها عن مناشدات ودعوات، يعتبرها الناشطون السوريون «حبراً على ورق» لا تنفع أمام آلة الحرب الدائرة، كان آخرها تجديد الأمم المتحدة على لسان المتحدث باسم الأمين للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، تحذيراتها أمس من استمرار هجمات قوات نظام الأسد وروسيا على إدلب، لافتاً إلى أنها تهدّد حياة ثلاثة ملايين بينهم نسبة كبيرة من الأطفال والنساء.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن «الأمين العام يدين الهجمات المستمرة على المدنيين والمستشفيات والمدارس» في إدلب، وأضاف أن الهجمات المتزايدة على إدلب يمكن أن تؤثر على حياة أكثر من 3 ملايين مدني، مشيراً إلى أن الحملة العسكرية أسفرت في الأشهر الأربعة الأخيرة، عن نزوح أكثر من نصف مليون شخص من منازلهم.
وأكد دوجاريك على «ضرورة العودة فوراً إلى الاتفاق الذي توصلت إليه تركيا وروسيا، العام الماضي»، بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب، داعياً إلى احترام القانون الدولي الإنساني.
وحذّر رئيس جمعية الهلال الأحمر التركي، كرم قنق، من تكرار سيناريو مدينة حلب في محافظة إدلب، مشيراً إلى استحالة استيعاب ملايين النازحين في المخيمات المحاذية للحدود.
وأضاف قنق أن نظام الأسد يواصل استهدافه للمدنيين في إدلب، متسبباً بخلق حالة من الفوضى وموجة نزوح مستمرة باتجاه الأجزاء الشمالية من سوريا، مؤكداً على استحالة استيعاب 3 ملايين ونصف مليون نازح سوري داخل المخيمات.
المصدر: القدس العربي