أمين العاصي
لم يحمل اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة الروسية موسكو، أمس الثلاثاء، أي اختراق في ما يتعلق بالحملة الدموية التي يشنها النظام السوري، بدعم من موسكو، على إدلب ومحيطها، بذريعة ملاحقة الجماعات المتشددة، في وقت استبقت فصائل المعارضة السورية الاجتماع، بشن هجوم على مواقع قرب مدينة خان شيخون الاستراتيجية، في ما بدا أنه رسالة تركية لروسيا حول ضرورة إيجاد حل يمنع فرار مئات آلاف المدنيين من المنطقة، بالإضافة إلى تحسين أنقرة لأوراق التفاوض مع موسكو، خصوصاً بعد سيطرة قوات النظام على مناطق عديدة، أبرزها مدينة خان شيخون الاستراتيجية، ومحاصرتها للقوة التركية الموجودة في مورك. لكن هذا الضغط الميداني لم يسفر على ما يبدو عن أي تبدل في الموقف الروسي، بحسب ما ظهر في المؤتمر الصحافي المشترك بين الرئيسين التركي والروسي.
وقال بوتين إن موسكو وأنقرة قلقتان بشأن الهجمات في منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية، مشيراً إلى أنه “حددنا مع تركيا إطار التدابير الإضافية من أجل القضاء على الإرهابيين”. وفيما شدد على أن روسيا وتركيا تواصلان تعاونهما بشكل مثمر في إطار مسار أستانة الذي يعد العملية الأكثر نجاحا لحل أزمة سورية من وجهة نظره، أعلن أن روسيا وتركيا تعملان على الحفاظ على وحدة سورية ومن المستحيل تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ.
واستدعت مواقف بوتين رداً مباشراً من أردوغان، الذي قال إن هجمات النظام السوري في إدلب “قوضت الهدوء في المنطقة التي أقامتها تركيا وروسيا”، لافتاً إلى أنها تجعل من الصعب تنفيذ اتفاقات سوتشي لحل الوضع. وفيما أوضح أن قتل النظام المدنيين في إدلب من البر والجو تحت ذريعة محاربة الإرهاب أمر غير مقبول، شدد على أن “المسؤوليات الملقاة على عاتقنا بموجب اتفاقية سوتشي، لا يمكن الإيفاء بها إلّا بعد وقف هجمات النظام”. ولفت إلى أن هجمات النظام في إدلب تسببت في مقتل أكثر من 500 مدني منذ مايو/أيار الماضي، وإصابة أكثر من ألف و200 آخرين. وحذر من أن “هجمات النظام، خصوصاً في المناطق القريبة من حدودنا، تدفعنا لاستخدام حق الدفاع، والإقدام على الخطوات الواجب اتخاذها عند اللزوم”.
في هذه الأثناء، لم تكد تمر أيام قليلة على خسارة فصائل المعارضة السورية لمناطق مهمة في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، حتى بدأت معركة جديدة كسرت فيها خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام، في مواقع قريبة من مدينة خان شيخون الاستراتيجية، التي انتزعت هذه القوات السيطرة عليها أخيراً، في خطوة فجرت مخاوف من أن يؤدي توغلها في عمق إدلب، التي تؤوي نحو 4 ملايين مدني. وشنت فصائل المعارضة السورية المسلحة، أمس الثلاثاء، هجوماً مفاجئاً على مواقع لقوات النظام والمليشيات الموالية له، على محاور تل مرق والسلومية والجدوعية وشم الهوى جنوب شرقي إدلب انطلاقاً من مواقع سيطرتها في بلدة التمانعة. وقالت مصادر في فصائل المعارضة إن المقاتلين كسروا خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام في تل مرق، موقعين خسائر في صفوفها. وأشارت إلى استمرار المعارك على المحاور الثلاثة. وبحسب المصادر فإن تل مرق يقع شرق التمانعة، والسيطرة عليه تعني الالتفاف على قوات النظام التي تتمركز في محوري تل سكيك وتل ترعي، وإحراز تقدم في المنطقة، يهدد بقطع طرق إمداد النظام عنها.
إلى ذلك أعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير”، التي تضم أغلب فصائل المعارضة المسلحة في شمال غربي سورية، صدها محاولة تسلل لقوات روسية على محور تل دم في ريف إدلب، مشيرة، في بيان، إلى أن القوات الروسية كانت تحمل أسلحة مزودة بكواتم صوت ومناظير ليلية، وأنها أجبرتها على التراجع بعد إيقاع خسائر في صفوفها. وأكدت “الجبهة الوطنية” أنها “دمرت عدة آليات ثقيلة لقوات النظام، وغنمت دبابة و3 عربات بي أم بي، بالإضافة إلى قتل العشرات من قوات النظام، وأسر ضابط برتبة رائد على محور شم الهوى”. وقالت مصادر من “جيش العزة”، التابع للمعارضة السورية، لـ”العربي الجديد”، إن “المقاتلين دخلوا إلى قرى السلومية والجدوعية وشم الهوى وأبو عمر”، مشيرة إلى أن “المعارك ما تزال مستمرة في تلك القرى”. وأضافت أن “الهجوم بدأ بتفجير عدة عربات مفخخة، تلاها اقتحام الخطوط الأمامية لقوات النظام في محور بلدة التمانعة وتل مرق”. وتقع المناطق التي هاجمتها الفصائل شرق مدينة خان شيخون وتل سكيك الاستراتيجي الذي خسرته هذه الفصائل أخيراً. وأشارت مصادر محلية إلى أن ما جرى أمس الثلاثاء “إغارة حملت رسالة واضحة من خلال الاقتراب من معسكر للقوات الروسية في منطقة أبو دالي في ريف حماة الشمالي الشرقي”. ووثق المرصد السوري لحقوق الانسان مقتل 23 عنصراً من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، ومقتل 20 مقاتلاً من فصائل المعارضة.
بموازاة ذلك، قتل مدنيان وأصيب آخرون بقصف مدفعي وصاروخي استهدف مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، من قبل قوات النظام المتمركزة في تل النمر قرب مدينة خان شيخون، التي أمطرت المنطقة بعشرات القذائف، ما خلف أيضاً دماراً واسعاً في البنية التحتية والممتلكات الخاصة والعامة. وتعرضت بلدات معرة حرمة، ومعرة ماتر، وكفرسجنة، ودير شرقي، ودير غربي، لقصف صاروخي مكثف، أمس الثلاثاء، أحدث دماراً كبيراً في الممتلكات الخاصة والعامة. كما تعرضت قرية معيصرونة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي لقصف جوي من طائرات النظام الحربية. وكانت فصائل المعارضة السورية خسرت الكثير من مواقعها لصالح قوات النظام، التي سيطرت على الجزء الأهم من ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، تحت غطاء ناري كثيف من الطيران الروسي. واستدعت التطورات العسكرية قمة روسية تركية في قلب اهتماماتها محافظة إدلب ومحيطها، ومن هنا جاء هجوم فصائل المعارضة، أمس الثلاثاء، في رسالة مفادها أن فصائل المعارضة خسرت معركة ولكن لم تخسر الحرب في شمال غربي سورية. ولا تزال محافظة إدلب ومحيطها محكومة باتفاق سوتشي المبرم بين تركيا وروسيا في سبتمبر/أيلول الماضي، إذ لم يعلن الجانبان صراحة انهياره، في مؤشر على أن موسكو وأنقرة تحاولان تجنب انزلاق الوضع في شمال غربي سورية إلى مواجهة تفضي إلى كوارث إنسانية يصعب التحكم بها.
ورجحت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن تكون المعركة التي بدأتها الفصائل المسلحة “محاولة لتأمين طريق للنقطة التركية المحاصرة من قبل قوات النظام بالقرب من بلدة مورك في ريف حماة الشمالي”. ولا تزال أنقرة ترفض سحب النقطة العسكرية من بلدة مورك، والتي أقيمت وفق تفاهمات أستانة وسوتشي. ومن المتوقع أن يكون مصيرها في صلب محادثات أردوغان وبوتين في موسكو. ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول تركي رفيع المستوى قوله إن أردوغان سيطلب من بوتين اتخاذ خطوات لضمان سلامة الجنود الأتراك في مواجهة هجوم قوات النظام في شمال غرب سورية. وأوضح المسؤول أن “أمن الجنود الأتراك في سورية سيكون واحداً من أهم المواضيع المطروحة للنقاش خلال الاجتماع. نتوقع من روسيا أن تستغل نفوذها على النظام في هذا الشأن. سنرد على أي هجوم يستهدف جنودنا، حتى لو كان محدوداً”. وأضاف “لا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع موجة مهاجرين من هناك إلى تركيا. ينبغي اتخاذ إجراءات للتصدي لأي مشاكل قد تنجم عن هذه المسألة”. وتأتي قمة أردوغان وبوتين قبل قمة ثلاثية سينضم إليها الرئيس الإيراني حسن روحاني في أنقرة في 16 سبتمبر/أيلول المقبل، في قمة هي الخامسة من نوعها بين الرؤساء الثلاثة.
إلى ذلك، من الواضح أن فصائل المعارضة السورية تحاول ردع قوات النظام والمليشيات المساندة لها عن التوغل شمالاً في عمق محافظة إدلب، فاختارت الهجوم على مواقع هذه القوات إلى الشرق من خان شيخون. وكانت قوات النظام توقفت عند حدود المدينة، ولم تحاول التقدم أكثر باتجاه المدن الرئيسية في ريف إدلب، خصوصاً معرة النعمان وسراقب اللتين يمر منهما الطريق الدولي الذي يربط حلب بمدينة حماة ومنها إلى حمص فالعاصمة دمشق. من جهته، قال القيادي في الجيش السوري الحر العميد فاتح حسون، لـ”العربي الجديد”، إن هجوم أمس الثلاثاء يأتي في سياق معارك كر وفر مع قوات النظام في شمال غربي سورية، مضيفاً “لا يوجد استكانة من قبل قوى الثورة حول ما آلت إليه الأوضاع العسكرية في المنطقة، ولا بد من تحسين هذه الأوضاع ميدانياً”. وتابع “السوريون هم المعنيون بالدرجة الأولى بتحسين أوضاعهم وظروفهم العسكرية والسياسية، ولا بد أن تكون المبادرة منهم، وهذا ما تقوم به الفصائل”.
المصدر: العربي الجديد