سامي خليفة
تعيش إسرائيل، بعد كلام الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، حالة من الترقب.. تبلورت بتكثيف تواجد القوات العسكرية على طول الحدود مع لبنان وسوريا، لمواجهة التهديدات والرد على أي محاولة لتنفيذ هجمات انتقامية. وعُقدت لقاءات أمنية سرية، تزامناً مع الكشف عن تحقيق إنجاز استراتيجي في الضاحية الجنوبية لبيروت.
المجلس الوزاري المصغر
عقد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد 25 أب 2019، اجتماعاً للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، من دون أن يُفصح عن نتائجه. ولاحقاً، التقى نتنياهو، منافسه الأول في الانتخابات المقبلة بيني غانتس إلى جانب مسؤولين كبار، وقدم أمامهم إحاطة أمنية حول تطورات الأوضاع على جبهات الجنوب والشمال.
طبعاً، ما قام به نتنياهو، هو مؤشر مقلق لحساسية الوضع، وحسابات الضربات المدروسة بين الحزب والدولة العبرية. وقد وضع الإعلام الإسرائيلي هذا الاجتماع، في سياق سعي نتنياهو للحصول على دعم من الأحزاب المعارضة لأي قرار عسكري يُتخذ في المجلس الوزاري المصغر.
حال تأهب قصوى
توازياً، تحدثت الصحافة الإسرائيلية، عن تقييد حركة المركبات العسكرية على طول حدود إسرائيل مع لبنان. مؤكدةً على وجود استعدادات عسكرية حثيثة على الجهة الشمالية للتعامل مع أي طارئ. مع توارد معلومات عن نية الحزب استهداف مصالح عسكرية إسرائيلية في غضون الساعات المقبلة.
ستستمر حالة التأهب القصوى لأيام، ولا سيما على الحدود مع سوريا ولبنان. وحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، نشر الجيش الإسرائيلي، يوم الثلاثاء، بطاريات “القبة الحديدية” في الشمال. لكنه لم يعزز قواته، تحاشياً لمنح حزب الله فرصة لاستهدافها بسهولة. كما رجحت مصادر أمنية للصحيفة محاولة الحزب إدخال طائرات مسيرة لسماء الجليل في عملية ثأرية.
جهاز استراتيجي
بعد ساعات من كشف صحيفة “تايمز” البريطانية، أن الطائرتين المسيرتين استهدفتا صناديق يُعتقد أنها تحوي جهازاً يُستخدم لخلط مواد ضرورية لتحسين أداء محرّكات صواريخ الحزب، رأى بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين، أن الجهاز وضع في الضاحية لفترة محدودة بهدف شحنه إلى مكان آخر، وتم وضعه في مكان مكشوف في اليوم ذاته الذي جرى استهدافه. مع التشديد على أن الجهاز باهظ الثمن، ويصعب الحصول عليه، وهو الوحيد من نوعه المتوفر على الأراضي اللبنانية. وهذا ما سيتسبب بتأخير مشروع الحزب في جعل صواريخه أكثر دقة.
من جهته، أكد المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، أن الهجوم استهدف جهازاً يزن نحو ثمانية أطنان لإنتاج مواد تحسن أداء محركات الصواريخ، وبالتالي رفع مستوى دقتها. وقد تم استهدافه قبل وقت قصير من نقل الحزب له إلى مكان حصين من الضربات الخارجية.
إلى ذلك، اعتبر مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” للشؤون الأمنية والعسكرية، يوسي يهوشوع، أن الهجوم، يعني وقف خطة الحزب لإقامة خط إنتاج لهذه الصواريخ الدقيقة بدلاً من نقلها من إيران عن طريق سوريا، وأن من نفذ الهجوم حقق إنجازاً مثيراً، وتمكن من عرقلة الطموحات الإيرانية في لبنان. مشيراً إلى أن الحزب يحاول الدفع بمشروعين في الوقت نفسه، الأول إقامة خط إنتاج صواريخ دقيقة في لبنان، والثاني تطوير دقة الصواريخ الموجودة بحوزته، والتي يُقدر عددها بنحو 150 ألفاً.
صراع مفتوح محتمل
يُجمع المحللون الإسرائيليون، على جدية الحزب في الرد، لذلك أشار مركز “ستراتفور” الاستخباراتي الأميركي، إلى تغير في نهج إسرائيل تجاه جارتها الشمالية، فبعد أن تجنبت ضرب الحزب مباشرة في لبنان خوفاً من التصعيد، يفترض الحزب أن ما جرى هو مجرد الموجة الأولى من هجوم مفاجئ قد يؤدي إلى ضرب صواريخه الرئيسية وغيرها من البنى التحتية.
ولفت المركز إلى أن التوترات بين الحزب وإسرائيل تحمل خطر اندلاع صراع مفتوح، كونها تتقاطع مع زيادة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران والإشتباك الإسرائيلي- الإيراني، ما يزيد من فرص الصراع الإقليمي. كما أن الانتخابات البرلمانية الوشيكة في إسرائيل تشكل عاملاً بلا شك في هذه التطورات، إذ يحاول نتنياهو أن يبدو وكأنه مدافع قوي عن الأمن القومي الإسرائيلي.
الرد في سوريا؟
على عكس ما تعتقده إسرائيل، يرى المركز الأميركي، أن الحزب قد يرد في سوريا، حيث قواعد الاشتباك بين إسرائيل وإيران وحلفائها راسخة نسبياً؛ وهذا يمكن أن يبقي لبنان خارج اللعبة في أي جولة لاحقة من المواجهة. خصوصاً أن أي صراع واسع النطاق في لبنان من شأنه أن يدمر البلد، وستكون لدى إيران قدرة محدودة على المساعدة في إعادة الإعمار أو إعادة تزويد الجماعة اللبنانية بالسلاح كما كانت الحال بعد حرب تموز 2006.
عون والضوء الأخضر
بدورها، علقت صحيفة “جيروزاليم بوست” على الأحداث الأخيرة، معتبرةً أن استنتاج الرئيس اللبناني ميشال عون، أن ما حصل في الضاحية الجنوبية يمثل نوعاً من “إعلان الحرب”، يمنح حزب الله ضوءًا أخضر للانتقام. وقد جاء هذا الخطاب لإنشاء ذريعة قانونية، والتغطية بحال بدأت الأعمال العدائية.
يعيش نصر الله، حسب الصحيفة الإسرائيلية، في وضع إشكالي. إذ أن حلفاءه في إيران ليسوا واضحين تماماً بشأن الرد، ويرسلون إشارات متناقضة، وكل التهديدات الصادرة عن قائد فيلق القدس قاسم سليماني وحلفاء إيران في العراق ليست سوى زوبعة في فنجان، وتتزامن مع الحديث عن اجتماع محتمل للرئيس الإيراني مع نظيره الأميركي. لذلك فوضع نصر الله لا يشبه عام 2006، وهو مرتبط بشكل وثيق بالقضايا في سوريا والعراق اليوم أكثر من الماضي.
جبهة غزة
وعن عواقب رد الحزب، قدّر المحلل في “مركز القدس للشؤون العامة”، يوني بن مناحيم، في حديث مع صحيفة “جويش برس” اليهودية الأميركية، أن أي هجوم من لبنان سيشعل جبهة أخرى مع حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. حيث تلتزم المنظمتان بشكل من أشكال اتفاق الدفاع مع إيران. مضيفاً أنه يتعين على إسرائيل، أن ترد بقوة على أي عدوان ينطلق من غزة، لأن حماس ستستخدم ترساناتها الكاملة إذا اشتبكت تل أبيب مع حزب الله أو القوات الإيرانية.
يعتقد بن مناحيم كذلك، أن الانتقام لن يكون مجرد ضربة محدودة كما حصل في السنوات الأخيرة، بل سيكون “على الحدود وخارج الحدود”. وإذا اختار الحزب الرد بقسوة، فإن الجانب الإسرائيلي لن يتوانى عن ضرب لبنان بأكمله.
المصدر: المدن